هل يقود الاعلام التغيير؟

لاشك أن الحراك السياسى فى مصر مدين للإعلام  الذى فضح ضعف وتهاوى منطق النظام الحاكم فى إدارته للحياة فى مصر وأثبت بما لا يدع للشك أن القائمين على أمر مصر لا يفكرون إلا فى مصالحهم  ولا يأبهون للرأى العام ولا يخشون حسابا أو رقابة فاعلة أو حتى عدالة ناجزة ! ونتاج هذا كله اضرابات واعتصامات لا يجتمع فيها  كل المضارين و لاحتى أغلبهم لكنها على كل حال قد انجزت جزءا ضئيلا من المطالب تحت وطأة الصخب الذى أحدثته  تلك الفاعليات وما صاحبها من تغطية إعلامية بناءا على أن النظام الذى يحكم مصر يخاف مايختشيش !

وتلك حقيقة أثبتت صدقها على مدار السنوات الماضية وصلت ذروتها بحضور الدكتور البرادعى الذى أبدى رغبة فى المشاركة لإحداث تغيير حقيقى فى مصر بتحريك كتلة حرجة وسط الشعب المصرى تشعر بالإهانة كل لحظة والظلم فى كل دقيقة والحرمان كل يوم من الحد الأدنى من الحياة الكريمة لكنها تخشى الحركة بعد أن تجاوزت الأغلبية منهم حاجز الخوف من الكلام ! ولاشك أن كل ذلك يرجع للحالة الإعلامية – رغم حصارها واستعمالها لصالح الاتجاه الأخر لإثارة الخوف والفزع – لكن هل يمكن أن تؤدى تلك القراءة للإعلام المصرى بعيدا عن المسمى حكومى أو قومى مجازا الى حركة  سلمية حقيقة تجوب شوارع مصر ولا تعود إلا بالحرية لكل الشعب ؟!

لقد وجدت أن الإنصات والجلوس لفترات طويلة هى الوسيلة التى نملكها لكى تؤدى وسائل الإعلام المقروءة أو المرئية دورها التفاعلى والتحريضى وهنا تظهر خطورة استمراء الجلوس أمام الفضائيات أو الانترنت دون خوض غمار التجربة العملية لممارسة حرية إبداء الرأى فى التجمعات والوقفات والاعتصامات وغيرها من أشكال الاحتجاج وهنا الأعداد تبدو كأنها بلا قيمة فعلية حتى لو وصلت لمئات الآلاف ! ويبدو أن الاستسلام لهذا الهدوء الجسدى المصحوب بتوتر وانفعال نفسى وغضب يكفى لزلزلة عروش الظلمة فى مصر ربما يفسر البطء فى التجاوب لمناشدات الخروج لكل فئة لتناصر أبنائها وتحقق مطالبها  حدث ذلك فى الأطباء رغم الصعوبة التى تواجههم فى حياتهم العملية والعلمية وأساتذة الجامعات رغم الإهانة فى النظر الى مطالبهم وتقدير الدولة لهم ولدورهم ومكانتهم بعد أن تسبب النظام فى إهانة الجميع ! وهذا ما أود أن ألفت النظر اليه هل كثرة الجلوس للإعلام والتفاعل معه والانفعال به تتصادم مع ضرورة الحراك داخل المؤسسات والشوارع لإحداث التغيير المطلوب ؟! لقد وجدت أن كثيرين احترفوا الردود على المقالات والأخبار التى ترد فى الصحف على الانترنت وهى لاشك ايجابية لكن يشعر البعض منهم وكأنهم قد أدوا ما عليهم وجاهدوا فى الله حق جهاده ! وأن أخرين عندما يحاورك تجده متابع جيد لكل البرامج الحوارية والإخبارية التى تفضح الحالة المتدنية التى وصلت اليها مصر على يد الحزب الوطنى وحكوماته ! لكن الأمر عنده ينخفض من مرحلة الضرورة فى مواجهة النظام الى مرحلة التردد واختلاق الأعذار والاكتفاء بالدعاء على الظلمة المستبدين الذين نهبوا مصر واستولوا عليها فى حماية أبنائها ممن يعملون فى قوات الأمن المغلوبة على أمرها ! صحيح أن كل حركة لابد أن تبدأ من فكرة لكن أخشى مع التهديدات التى بدأ النظام فى ترديدها والتى وصلت الى حد إعلان إمكانية اعتقال الدكتور البرادعى عقب سفره لخارج مصر وقبل عودته القادمة على لسان أحد أعضاء لجنة السياسات مع كثرة اعتقال الإخوان وحصارهم أن يتسرب اليأس لجمهور الصحوة من الشعب المصرى والراغب فى التغيير فيكتفى بالمشاركة السلبية من بعيد لبعيد ، وهنا يتأكد أن غياب ثقة الشعب المصرى فى نفسه وفى قيادات التغيير ستبقى هى المانع الوحيد من استلامه راية التغيير والحركة بها وسط كل التهديدات لأن النظام المصرى أضعف مما نتخيل وإلا ما كان صدر الأمن فى كل قراراته وخطواته على كافة الأصعدة ! وهم فى النهاية بشر تآمر ونهب وظلم واستفرد وكذب على شعبه فما هى عناصر القوة التى يملكها سوى البطش والبلطجة !  ونصيحتى المتواضعة التى اجتهد فى تنفيذها هى "اسمعوا وشاهدوا ما شئتم ثم تحركوا وسط الناس التى تنتظر من يشجعها على رفض ذل الحياة فى كنف نظام الرئيس مبارك – باختصار " فلنقل كلمة الحق ولا نترك لنا حق" وسيبقى الاعلام وقتها وقودا للحراك لا مثبطا له ، داعما للتغيير كما كان محفزا له.

دكتور محمد جمال حشمت

2 مارس 2010

إضافة تعليق