عبد الحليم قنديل ... حالة متعدية !

لاشك فى أن أول من رفع سقف النقد لمؤسسة الرئاسة كان الدكتور عبد الحليم قنديل فى العربى الناصرى فى الوقت الذى مازال فيه البعض يخشى من ذكر اسمها حتى الآن ! وهو فى ذلك سابق لأقرانه الذين تحسبوا الخطى عند الحديث عن الرئيس مبارك بصفته موظفا عاما لدى الشعب المصرى أو هكذا يجب أن يكون ! وقد وصلت قناعة عبد الحليم قنديل بهذا المعنى مبكرا فتعدى المناخ العام للصحافة وقدرة الصحفيين على الوصول لهذا القدر من الجراءة فى تناول شئون الرئاسة  ! ولعلى أذكرهنا قول أحد كبار رجالات الحرس القديم لنا فى مجلس الشعب (سابقا) فى أول الفصل التشريعى الثامن 2000م الذى شرفت فيه بنيابة الشعب المصرى العظيم - وكان ناصحا أمينا - " إبعدوا عن الرئيس وقولوا اللى انتوا عايزينه فى اللى تحتيه !!!" تلك سياسة الحفاظ على الرمز والجدار الذى يستترون تحته مصدرا لنفوذهم وسلطانهم ويبدوا أننى شخصيا لم أعمل بالنصيحة بل فى أوائل الجلسات العامة عاتبت الحكومة على تسترها بالرئيس فى كل تقاريرها بناءا على خطة الرئيس وتعليمات الرئيس وتوجهات الرئيس مما يجعل مراقبتنا للحكومة فى صدام مع شخصه الذى حذرونا من قبل من التعرض له !!! وهنا قام الأستاذ كمال الشاذلى – شفاه الله- حامى حمى النظام وقتها مبررا ذلك بأن الرئيس هو المسئول التنفيذى المباشرعن السلطة التنفيذية ! أقول ذلك لأصف إحقاقا للحق أن قنديل كان أول من نقد بصوت عال مؤسسة الرئاسة العائلية !!  ولعل من ثمار هذا النهج الذى انتشر بعد ذلك ما جعلنى أوضح دور مؤسسة الرئاسة فيما حدث من تزوير فاضح فى انتخابات دائرة دمنهور وزاوية غزال تحت إشراف قاضى اسمه أحمد عبد الستار نصار وكيف تلقى مكالمة غيرت النتيجة من فشل ذريع فاضح لموظف قديم فى مؤسسة الرئاسة الى نجاح ومن أول مرة بفضل الضغط الرئاسى على القاضى نصار !  وشهدت بذلك فى محكمة النقض وكتبتها فى مقالة صحفية نشرت فى الدستور! وبعد أن ورطته ولوثته أنقذته بالتعيين فى الشورى استكمالا لمقعد خلى بوفاة صاحبه  فقبله سريعا كما قبل المقعد الملوث بالتزوير بل وتخلى عنه فى ثوانى بالاستقالة من مجلس الشعب بعد أن مهد لنفسه فى الانتخابات القادمة بقوله لطلاب الأزهر أن التزوير ضرورة وطنية !! وهى أيضا ظاهرة (المثقف المزور البليد) أظن أنها تحتاج مفكرين لتحليلها فى مقابل ظاهرة قنديل ( المثقف المتطور العنيد) !  وفى حفل توقيع كتابيه "نهاية اسرائيل" و" الرئيس البديل" فى نقابة الصحفيين الخميس الأول من يوليو 2010 لم تتح الفرصة لضيوف الحفل وهم رموز المجتمع المصرى فى السياسة والثقافة والأدب والصحافة أن يقدموا ما عندهم ليس مدحا فى شخص عبد الحليم قنديل بل تحليلا لظاهرة قنديل وقفزه فوق الحواجز وتعديه للخطوط الحمراء وقدرته على سك مصطلحات فريدة اعتبره خلالها رئيسا لمصلحة سك التعبيرات التى تثير استغرابنا وشغفنا عند سماعها لأول مرة !

نحن فى زمن تضاءلت فيه مساحة الحريات فى مصر الى حد أصبحت كما يرددها كثير من الشباب الآن عندما يسأل عن مساحة الحرية فى مصر فيقال له – بكل الصدق- هى حاصل ضرب عرض قفا المواطن فى طول كف المخبر !!!!! لذا فحرية الكلمة التى ينتزعها أى كاتب حر هى مكسب وحافز لاستمرار المقاومة ضد الفساد والاستبداد وحصد نجاحات مهما كان حجمها  !

وأذكر هنا أننى كنت قد اقترحت فى أحد جلسات ائتلاف من أجل التغيير فى مقر حزب الكرامة منذ شهور فكرة حكومة الظل لمتابعة أعمال الحكومة وتقييمها وفضح الفساد فيها بشكل أكثر تخصصية تتكون من مجموع قوى المعارضة الشريفة فى مصر وهو ما أراه متوافقا مع فكرة الدكتور قنديل والتى تتزامن عنده لعمل برلمان موازى يرشح رئيس بديل نخوض به انتخابات موازية وبغض النظر عن الأفكار المطروحة وهى على كل حال تحليق يجب أن تستفيد منه حركة المعارضة المصرية على مختلف أطيافها ! لكن يبدو أن الاختلاف الناشئ والمستمر بين صفوف المعارضة تجعل تنفيذ بل مناقشة مثل هذه التحليقات أمرا صعبا ! إن زيادة نبرة الشك وارتفاع وتيرة التخوين فى الصف الواحد كفيلة بتمزيقه وبعثرة جهوده فما بالكم بصفوف مازالت تسعى للتقارب والائتلاف !!

يقول الأستاذ البنا رحمه الله : " الناس بجهلهم فى أكواخ من الجهالة، فلا تهدموا عليهم أكواخهم قبل أن تبنوا لهم قصورا من المعرفة ، فيهدموا أكواخهم ويأتون الى قصوركم "   إذن تلك مهمة العلماء والمثقفين البناء لا الهدم ، الترغيب لا الترهيب ، العطاء  لا الأنانية  ، دوام الثقة لا التخوين الدائم !

تحية للصديق الدكتور عبد الحليم قنديل وشكرا لدعوته الكريمة ودعاء من القلب أن يمنحنا القدرة على البناء والعطاء وترغيب الأمة وتحفيزها على البذل والتضحية حتى يمن الله علينا بالحرية بأيدينا لا بأيدى غيرنا

دكتور محمد جمال حشمت

g.hishmat@gmail.com

3 يوليو 2010

إضافة تعليق