لماذا تستيقظ الفتن؟ !

استقر فى نفسى يقينا بألا أخوض فى  قضايا الفتنة الطائفية التى يرتزق منها فى مصر كثيرون لأسباب محلية أو دولية كلها تبتغى فى النهاية ممارسة الضغوط وإحراز مكاسب للأخوة الأقباط فى مصر ومن ثم التحول الى لوبى ضاغط لتمرير كافة المتطلبات التى تخص المسيحيين فى مصر دون الالتفات الى أن أغلب مشاكل المسيحيين فى مصر هى نفس مشاكل أخوانهم المسلمين وهذا ما أعلنته فى أكثر من لقاء ضم مفكرين وصحفيين ونشطاء من المسيحيين فى مصر وأن اللجوء للكنيسة بديلا عن الدولة يجعل كلا منهما ندا للأخر! فكلنا فى الهم سواء وفى الحرمان أشقاء ! وإن كانت حساسية تهمة كالفتنة الطائفية قد أثرت كثيرا فى أداء الحكومة والأمن فظلمت كثيرا من المسلمين دون داع وبلا تحقيق ! وقد أدى هذا الى احساس عام لدى الشعب المصرى بأن المسيحيين يمارسون حقوقا حرم منها المسلمون ويتم التعامل مع قضاياهم بشكل مختلف بعيدا عن سيادة الدولة وقد اتضح ذلك فى عدة مواقف منها تسليم وفاء قسطنطين زوجة كاهن أبو المطامير وكاميليا شكرى زوجة كاهن دير مواس الى الكنيسة بعد أن أشهرت كل منهما اسلامها ! كلاهما أثارا فتنة واعتصام ومظاهرات من الأخوة الأقباط  فى الكنائس فى الوقت الذى تم تجريم مظاهرات المساجد فقط رغم أن القانون لم يفرق بينهما ! فى الوقت الذى قتل مسيحيين فيه مسلمين لتحريضهم مسيحيات على الاسلام ولم يسمح لأحد بالاعتراض او التظاهر أو حتى معرفة ماتم فى التحقيقات !!! ولعل الأحكام القضائية نفسها قد أصابها ما أصاب الحكومة المصرية حيث أصدرت محكمة جنح المعادى حكما بمعاقبة على عويس لمدة عشر سنوات مع الشغل والنفاذ وبمعاقبة شقيقه المتهم الثانى محمد عويس مالك المركب غيابيا بالحبس 6 أشهر وكفالة 1000  جنيه بتهمة التسبب فى غرق المركب مساء 15 يوليو الجارى ما أسفر عن غرق 9 فتيات تم انتشال 7 جثث منهن وإصابة 4 أخريات على أن يوقف المركب المنكوب اداريا فى أقرب مرسى !!  وقد صدر الحكم فى أقل من أسبوعين رغم أنه يفتقر الى البعد الطائفى وكل المصريين أرواح نحزن على فقدها ! فى الوقت الذى حكم فيه على السيد ممدوح اسماعيل صديق رئيس الديوان الرئاسى والمعين فى مجلس الشورى بقرار رئاسى والذى تسبب فى موت أكثر من الف مصرى فى عبارة السلام المشهورة فى يناير 2006 وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات بالحبس 7 سنوات رغم أن حيثيات الحكم فى الاثنين متقاربة كما جاء فى اتهامات النيابة للمراكبى الصغير " وكانت النيابة وجهت الى المراكبى المدان وشقيقه تهم القتل والإصابة الخطأ وزيادة الحمولة عن المسموح به فى المركب المستخدم من قبلهما ، وقيادة مركب دون ترخيص والهروب دون محاولة إنقاذ الضحايا وتحميل ركاب من نقطة غير مسموح بها ومخالفة قانون الملاحة النهرية وعدم توافر اشتراطات الأمان فى المركب المملوك لهما "

ترى هل هذا الحسم فى قضايا والتهاون فى قضايا أخرى والتى تمارسه الدولة فى ظل حكومة الرئيس مبارك له ما يبرره لدى جموع الشعب المصرى ذو الأغلبية المسلمة! وهل هذا يحافظ على الوحدة الوطنية حقا أم يثير الأحقاد ويغذى الإحساس بالظلم المتراكم على كاهل المصريين ويدفع فى اتجاه التطرف فى الجانبين اعتمادا على امتلاك الدولة لسلاح الردع ومؤسسات القوة لوضع كل فريق عند حده إذا ما اشتدت مظاهر التطرف وارتفعت وتيرة الحوار الطائفى وبدت شرارة معركة تسببت فيها استغباء لإدارة واستقواء بالخارج !!

ترى هل المسئول الحقيقى عن هذا الفتنة وتلك المقالة التى كنت لا أرغب فى كتابتها منذ زمن لشعورى بالقهر وأنا مواطن مصرى مسلم محروم من حقوق المواطنة رغم أنى أنادى بها لكل الشعب المصرى دون تمييز ودون من أى طرف ! هل هم المتطرفين من الجانبين أم المسئولين عنهم ؟!  أم هو نظام دولة خضعت ولانت فى أيد أعداء الوطن لمصالح خاصة بالحكام لا بالشعوب ثم فقدت قدرتها على تنفيذ القانون على الجميع بلا تحيز ! هل تنازل الدولة عن حقها فى حماية المصريين جميعا لحساب فئة وتحت ضغوط وفى ظل انتهاكات دائمة من الدولة لمواطنيها هو السبب الرئيس لهذا التمييز الذى يعانى منه المسلمون الآن فى ظل أغلبيتهم ولهذا الغضب الذى ينتاب المصريين المسيحيين من وقت لأخر لحرمانهم من حقوق أساسية يكفلها لهم الدستور والقانون ؟!

الحقيقة التى أراها ويراها معى الكثيرون أن ضعف الدولة المصرية الذى أوصلنا اليه نظام الرئيس مبارك هو سبب الفتن والمصائب التى تتساقط على رؤوس المصريين مسلمين ومسيحيين وأن استمراره أو توريثه سيزيد لهب النيران المتأججة فى الصدور والتى لو خرجت لا قدر الله لن تخدم إلا أعداء الوطن لإثارة فوضى تهدد حياة ومستقبل كل المصريين !! لذا لم نعرف من الإخوة المسيحيين صراحة وإن كنا نسمعها كثيرا موقفهم من الرئيس مبارك ونظام حكمه وهل هو سبب حرمان المسيحيين فى مصر من حقوقهم التى يتظاهرون من أجلها دائما ؟ أم أنه هو ووريثه الكنز الاستراتيجى لهم كما هو الحال مع الصهاينة التى أقروا بها صراحة ؟

السؤال للإخوة المسيحيين هل أنتم مع نظام مبارك الذى سامكم سوء العذاب وثارت الفتنة فى عهده كما لم تحدث من قبل كم تؤكد التصريحات وكل المواقع القبطية ! أم أنه الأمل فى الخلاص من هذا التمييز وتلك الفتنة  وتحقيق المواطنة بشكل عملى !؟ حتى لو لم يقدم لمصر وشعبها المكانة التى تستحقها وتخلفت مصر فى عهده عشرات السنين الى الخلف ؟ هل أنتم مع الوطن الذى إن صلح حاله نلتم كل حقوقكم أم مع مصالحكم كما يصورها لكم أعداء مصر مما يزيد الفرقة ويشحن النفوس ويهدد كل مكسب ومن ثم يحترق الوطن ؟! أعرف من المسيحيين من يحب مصر أكثر من نفسه وأسمع منهم ما يطمئنى ويطمئن كل محب لهذا البلد لكن المركب تسير فى عكس اتجاه الريح ، وأنا لن أفقد الأمل فى وجود عقلاء من المسيحيين فى سدة المسئولية يديرون الأزمات التى تتفجر كل يوم بشكل موضوعى هادئ حتى لو افتقدوا الشريك العاقل الذى يحكم اليوم ! والأمل فى التغيير القادم على أيدى الشعب المصرى كل الشعب المصرى بعيدا عمن أفسد وظلم واستبد امل كبير رأيتها بعينى فى أسماء المسيحيين الذين وقعوا على المطالب السبعة للتغيير بلا خوف وهذا أضعف الإيمان فتحية لهم وتحية لكل من يحطم الطائفية البغيضة فى مصر ولكل من سعى فى توحيد الصفوف وسد الثغرات وحماية الثغور على حدود مصر الوطن الذى يعيش فينا

دكتور محمد جمال حشمت

g.hishmat@gmail.com

12 أغسطس 2010

إضافة تعليق