شباب التحرير هم أمل التحرير (شاهد على الأحداث)

منذ أكثر من 13 عاما كتبت مقالة فى جريدة الشعب - التى عصف بها نظام مبارك - كان عنوانها " الاحتلال الوطنى" والتى اعتبرت فيها نظام الحكم فى مصر يمثل الاحتلال من بنى جلدتنا ولكن لهم أجندة خاصة لا علاقة لها بالشعب المصرى ومصالحه  وهو ما تأكد من الخراب الذى حل بكل مناحى الحياة فى مصر وتم توثيقه بتقارير دولية وأكدت أن مقاومة الاحتلال الأجنبى أيسر من الاحتلال الوطنى لأن الأول يثير الحماسة ويستدعى الحمية الوطنية ولا يمكن لأحد أن ينكر على المقاومين جهادهم ضد الاحتلال الأجنبى !


أما فى الاحتلال الوطنى فيقوم كيانه على الكذب والتدليس وهو ما نراه ونسمعه من النخبة الحاكمة وكل من له اتصال بهم او مصلحة معهم ! ولأنه نجح فى إفقاروإفساد وتخويف الشعب فقد استعلى واستكبر فى حماية مؤسسة أمنية عسكرها نظام الاحتلال لتقوم بمهمة تجعل الأولوية لحماية النظام الحاكم واستمرار وجوده تحت عنوان حماية الشرعية التى اكتسبها النظام أصلا  بالتزوير ، ذلك بدلا من حماية الشعب المصرى وتوفير الأمان والأمن له " ومعدلات الجرائم والحوادث والقتل والفساد تشهد على تحويل الدفة الأمنية نحو قهر الشعب وتعذيبه وقتله إذا اضطرت الظروف"


ولقد رأيت بعينى وكل الإخوان هذا الوجه من النظام الذى يحتل مصر منذ أكثر من خمسين عاما ولا يمكن فصل حلقاته خاصة فى عهد الرئيس مبارك الذى جاء لمنصبه من وسط دماء شهداء تم اغتيالهم بفتاوى خاطئة لم يعتبر منه ولم يتعظ  به !! ولكن فى السبع سنوات الماضية تحركت المياه فى الشارع المصرى وظهرت حركات احتجاجية كثيرة بدأت ب "كفاية" وانتهت بشباب 6 ابريل والفيس بوك وبدأ الجميع يعانى من إجرام قوات الاحتلال التى لا تتعاطف أبدا مع أبناء الشعب الغاضبين ! ولقد رأيت بعينى ما حدث فى 25 يناير 2011 فى موقعين بالقاهرة للشباب الغاضب امام دار القضاء العالى  وفى ميدان التحرير وكان كالآتى :


1- بدأت المظاهرات مع الاستعداد التام من قبل وزارة الداخلية للتعامل مع المتظاهرين وهذا أمر أجد أنه دليل سلمية المظاهرات والوقفات وإلا كان هناك موقف أخر لو كانت نية التخريب وإثارة الفوضى لدى هؤلاء الشباب !


2- كان هناك تصور أن الوقفة أمام الداخلية فقط لذا عندما اتفق النواب السابقين على وقفتهم امام دار القضاء اعتبر البعض أن هذا تفتيتا للجهود لكن اتضح أن هناك أماكن كثيرة أخرى تم تحديدها وكان ذلك هو الأصوب لزيادة عدد المشاركين وتقليل التواجد الأمنى قدر الإمكان – كما كن نظن - !!


3- كان تواجد الشباب قوى وأكثر من النواب الذين حضروا من كل الاتجاهات مع رموز العمل الوطنى وسط حصار قوى وكثيف من قوات الأمن ودارت الهتافات حول رفض الاستبداد والفساد والشخصيات الحاكمة مع التكبير وإقامة الصلوات وسط الشارع وعلى الأرصفة وإنشاد قصائد الشعر " إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلى ولابد لليل أن ينكسر"  مع الهتاف لمصر وإنشاد " بلادى بلادى لك حبى وفؤادى " مع محاولات للحديث مع أفراد الأمن المركزى الذين يسمعون ولا ينطقون لكنها رسائل تفتح عقولهم التى أفسدها النظام ليحولهم إلى ألات صماء تنفذ التعليمات مهما كانت النتائج .


4- التزمت وزارة الداخلية بما أعلنته من حمايتها لحق المتظاهرين طالما لم يصدر منهم شغب أو اعتداءات لكن الذى يجب أن يفهم ولم يعلن أن تلك الحماية لفترة قصيرة تنتهى أقصى ما يمكن ان يتحمله نظام الداخلية على الغروب ! لذلك بدأ توزيع الدروع والعصى على الجنود المحاصرين للمتظاهرين ! وبدأت تصل لمسامعنا الاعتدءات التى طالت المتظاهرين فى شبرا وميدان التحرير وبعض المحافظات ! وعلمت أن ابنى خالد قد تم القبض عليه مع أكثر من ثمانين من ميدان التحرير  بعد الظهر بعد تعرضهم للقنابل المسيلة للدموع ! واشتد الحصار وخرجت مجموعتين من المتظاهرين للشارع ثم انضموا للشباب فى التحرير وبعد أن صلينا المغرب فى الشارع قررت الذهاب الى التحرير لأن الأعداد بدأت تقل ونية الاعتداء علي المتظاهرين بدت على وجوه القوم لكنهم فضلوا فى النهاية أن يتركوهم كى ينضموا الى اعتصام الشباب فى التحرير  وقد سبقتهم الى هناك


5- فى ميدان التحرير بدت الأعداد أكثر والحماسة أشد والإصرار على البقاء أقوى واستنشقت رائحة ما تبقى من غازات الظهيرة وكنت مصابا ببرد وكحة صعبت من مأمورية التنفس لكن رئتى استنشقت رياح الحب و الحماسة وأمل التحرير، وتجولت فى المكان القى الشباب وبعض الرموز والكل متحمس ويسألنى هل ستجدى وقفة اليوم؟ وأين جموع الإخوان ؟ فذكرت لهم أن شباب الإخوان وبعض قياداته فى شوارع مصر كلها ورغم أن الإخوان لم يامروا بالمشاركة الصريحة إلا أن بيان الداخلية صدر فى المساء ليحمل الإخوان مسئولية التحريض والمشاركة بأكثر من عشرة ألاف ! وهنا وجدت التناقض بين إدعاء عدم الشعبية وقت الانتخابات المزورة وخطورة نزولهم وقت التظاهرات !! لكن الرسالة وصلت لأمريكا والكيان الصهيونى لاستجلاب الدعم قبل أن يقع المحظور ! لكن على أى حال نزل الإخوان وشاركوا وستزداد مشاركتهم فى كل مرة إن شاء الله.


6-  سعدت بالروح التى كانت سارية بين الشباب فهذا يوزع كمامات وهذا يمسك بزجاجة خل حرزا من غازات حكومة الاحتلال الوطنى ! وتلك تمنحك قطرتين فى العيون التى اجهدها دعم الحكومة تخلصا من الآلام  وهذه المراة كبيرة السن التى قابلتها وهى تمسك بهاتفها المحمول وعليه كليب لقاء الشيخ الشعراوى ومبارك ناصحا له لعله يتذكر أو يخشى ووسط كل ذلك تلقانى صحفية من الإذاعة الألمانية تقرأ الأحداث مباشرة من الميدان بينما رئيس تحرير الأهرام يسب الشباب ويصف المسئولين بالجرأة والتواجد لحل المشاكل دون تقصير ويعلن مسبقا عناد النظام وعدم الاستجابة لأى مطالب !! وهنا يعلن الجميع بيانا بالاستمرار فى الاعتصام لحين الاستجابة لمطالب الشعب التى تنشد الحرية والتغيير والعدالة الاجتماعية واستبشرنا باسم الميدان عسى أن تكون هذه بداية التغيير الحقيقية وقد سمعت الدنيا كلها كيف يكره المصريون حكامهم نطق بها يعضهم وغاب وخاف أغلبهم !


 7- كانت رؤيتى تؤكد أن هناك خطا لايمكن للنظام  أن يقبل به وهو استمرار تواجد هؤلاء الشباب لصباح اليوم التالى فى الميدان الرئيسى للقاهرة ! ومن هنا قلت للشباب لو صمدنا من 24 الى 48 ساعة  فى نفس المكان لأمكن تورط النظام فى مواجهة عنيفة من ناحيته لجموع كبيرة ستتوافد على المعتصمين مع كل ساعة تمر لذا أتوقع أن يتم الهجوم قبيل الفجر كما حدث مع اللاجئين السودانيين فى ميدان مصطفى محمود ! وفعلا فى الثانية إلا ربع صباحا بدأ المسلسل الذى أعدته وزارة الداخلية لأبناء الشعب المعنية بحمايته فقد رأيت بعينى اتوبيس أبيض على بابه ضابط وكل من فيه من لابسى الزى المدنى قلت إما بلطجية أو عسكر بزيهم المدنى ولم أفهم سر وجودهم لأن البلطجة على مثل هذه الأعداد لن تفلح والشباب حريص على عدم الاستفزاز او الاعتداء على اى شئ ! لكنى اكتشفت السر عندما توجهت جموع هؤلاء المرتزقة الى عساكر الأمن المركزى وقذفتهم بزجاجات المياه الغازية والتى جلبوها معهم فالمكان لم يكن فيه سوى البطاطين وعبوات المياه البلاستيكية وأكياس الوجبات التى وزعوها على بعضهم البعض وهنا صار الاعتداء مبررا بدأ باتهام الإخوان ثم ضرب عساكر الأمن المركزى وهنا بدأت الخطة المجرمة  فتم إطلاق اكثر من مائتى قذيفة مسيلة للدموع لارتفاع عالى كى تغطى سماء الميدان كله  ودخلت عربات داخل الجموع ترش غازا فلم يعد قنابل فقط بل صار فى أنابيب وارد أمريكا ! ثم بدأت قوات تتقدم كان أغلبهم من الضباط بخراطيش الرش التى صوبت تجاه الشباب مباشرة واغرقت الكثيرين منهم فى الآلام والدماء ، إحداها مرت من أمام ابنى الثانى طارق وأصابت من كان بجواره فسقط مدرجا فى  الألم والدم !! وتفرق الشباب فى مجموعتين واتجهوا الى شبرا ومن خلفهم عربات الأمن المركزى فكل القيادات الآن متوقف مستقبلهم على السيطرة على هذه التجمعات وإلا كان الحساب عسيرا فصاروا الآن يدافعون عن مصالحهم الشخصية بعد أن نجح النظام فى ربط مصالحهم ببقائه وبدل الولاء ليس عنا ببعيد مهما كان الثمن !!


تلك كانت مشهاداتى عما حدث فى يوم 25 يناير الذى تحتفل فيه الشرطة بيوم الكرامة الوطنية ودورها فى حماية الشعب ومصر حتى لو اضطر الأمر لمواجهة قوات الاحتلال البريطانى ثم صارت  بعد ذلك هى أداة الاحتلال الوطنى فى قمع الشعب المصرى وإهانته وحرمانه من حقوقه وتلفيق الاتهامات له بغير حق كما حدث ويحدث الآن مع الشباب الذى تم الاعتداء عليه ثم القبض عليه من ميدان التحرير الذى سيصبح يوما ما ميدانا للتحرير الحقيقى وهؤلاء الشباب الذى أبهرنى بجرأته وقوته فقد انكسر لديه حاجز الخوف وشعر بالغضب الشديد مما حدث له رغم أنه لم يرتكب خطأ واحدا ولأن موجبات الغضب مستمرة ولن ينصاع النظام لأى تغيير حقيقى لأنه أعجز من أن يحقق للشعب مصلحة أو يوقف نهب أفراده لثروات الوطن ولأنه يفتقد للحكمة منذ زمن فأتوقع استمرار الاحتقان وموجات الغضب والخروج وسيقذف بنا هذا النظام الغبى الى المجهول تحقيقا لمقولة أسياده مناخ الفوضى الخلاقة فعلى العقلاء فى أى مكان التحرك سريعا وإلا سنجد الشارع المصرى يموج بالحركة التى قد يوظفها النظام مع حلاوة الروح ونكاية فى الشعب كما فعل فى التحرير بمجموعات التخريب وكما فعل من قبل أمن الرئاسة فى تونس ووزارة الداخلية بها ! والواجب علينا جميعا نزع فتيل الفوضى ليتم التغيير الواجب بشكل سلمى وحضارى ، لكن منذ متى يبحث نظام الاحتلال الوطنى عن أمن الشعب وحقوقه ولعل الأيام القادمة تبشرنا بقرب التحرير والله غالب على أمره لكن المنافقون لا يعلمون


دكتور محمد جمال حشمت

g.hishmat@gmail.com

26  يناير 2011م

إضافة تعليق