اللهم نصرك الذى وعدت...جمال حشمت من وسط ثورة شعب مصر

مازال مصير الثورةالشعبية التى قام بها الشعب المصرى فى يوم25 يناير 2011 تواجه نظاما غبيا وعنيدا ! غبيا لأنه لم يستغل أىفرصة لاستشاق نسيم الحرية والتعامل الواعى مع المعارضين لنظام حكم اثبتت الأيام أنه أضربمصر وشعبها ومصالحها بشكل غيرمسبوق فتفرد بالأداء السئ وحاصرومنع الجميع وأقصاهم عن المشاركة فى خدمة وطنهم وعنيدا لأنه مازال مصرا على مقاومة الثورة التى أثبتت أنه فاقد للشرعية وتعامل معها بنفس الطريقة التى لا يجيد سواها وهى العنف قتلا وعدم الرضوخ للمطالب الشعبية التى توافق عليها الجميع من القوى الوطنية والأحزاب وأغلبية الشعب المصرى من ورائهم! لكن الذى يستحق أن يكتب لعل الفرصة لا تسنح مرة أخرى هو ما حدث منذ جمعة الغضب فى 28 يناير 2011 م حتى اليوم وهو كالآتى:


01 تجمع الآلاف عقب الصلاة أمام مسجد التوبة بدمنهور وهو رقم غير مسبوق مما أكد لى أن تجمع الإخوان وسط هؤلاء جعلهم أقلية وعندما بدأت بعض الكلمات ثارالشباب وقالوا كفاية كلام فقطعت كلمتى وتحرك الشباب  الغاضب الى حيث لا نعلم فقد كان الاتفاق على وقفة لإعلان الغضب وهنا جاءنى ضابط أمن الدولة ليسألنى الى أين؟ قلت لا أعلم، وقتها بدا ضرب الطوب على المتظاهرين من قوات الأمن فنبهته إلا عدم الاستفزاز فالشباب غاضب فتركنى ومشى وتحرك الشباب ونحن نهتف بأن المسيرة سلمية وبسقوط حسنى مبارك ونظامه


02 وصلنا الى مبنى محافظة البحيرة وحاولنا سحب المظاهرة الى ميدان الاستاد القريب وبعيدا عن المبنى إلا أنه كان هناك رفضا فخشينا من التعرض للمبنى وذهبت الى المدخل وخاطبت الشباب بأن مصالح المواطنين هنا ولا يجب التعرض لهذا المكان فهو ملكنا شئنا أم أبينا وهم يصرون أنه رمز الفساد والاستبداد وصارالأمرسجال حتى استطعنا أن نسحب الشباب الغاضب الى العودة مرة ثانية الى ميدان الساعة بفضل الله.


03 فى الميدان أذن لصلاة العصر فقمت وصليت بهم فى الميدان تهدئة لنفوسهم لعدم الخروج عن هدف المظاهرة وهى إعلان الغضب ، لكن بعد الصلاة فوجئت بشباب لم أرتح لأشكال بعضهم ولم أرهم من قبل يتوجه الى مقرالحزب الوطنى فى ظل وجود الأمن المركزى الذى ارتكب مذبحة بإطلاق النارالحى والرش والغاز المسيل للدموع بكثافة بل وتحركت عربة للمطافى بعنف زائد مما أسقط تحتها عجلاتها قصدا من الإمام أحد الشباب الذى توفى فيما بعد فى المستشفى ثم هربت – وقد وثقت تلك الأحداث بالصوت والصورة -  وهنا بدأ الغضب يزداد وهاجم الشباب مقر الحزب الوطنى باعتباره رمز الفساد السياسى وخربوه وحرقوه دون أن نتمكن من منع ذلك ثم حدث ذلك بالتزامن مع توجه مجموعات أخرى الى مبنى جهاز أمن الدولة وهو قصر أثرى لى معه ذكريات قبل أن يتم الاستيلاء عليه من قبل جهاز أمن الدولة لنرى فيه أياما نسأل الله ألا تعود لكنه فى يقينى ملك للشعب ويجب الحفاظ عليه فى الوقت الذى كانت فيه  قوات الشرطة تتعامل بعنف زائد دون هدف واضح فى غياب أى اتصالات تسمح بالتهدئة وكان الوضع كرا وفرا بينهم وبين الجماهير الغاضبة والتى تزداد كل ساعة


04 فى يوم السبت تجمع الشباب بأعداد كبيرة واستمرت المناوشات والاعتداءات المتبادلة رغم وجود دبابات الجيش ومدرعاته وعقب صلاة العصر فى الميدان اتصل بى اللواء طارق هيكل مفتش أمن الدولة يسألنى هل يعجبك ما يحدث فرددت عليه صادقا لا فلم يكن هدف التخريب يسيطر على معظم الشباب الذى خرج يعلن عن غضبه وقال ما العمل؟  قلت له إعلان الرئيس بالرحيل سيهدأ الأمور وقلت له أننا شكلنا لجانا شعبية فى ظل غياب الشرطة لحماية الممتلكات العامة وشوارع المدينة ضممنا اليها فيما بعد كل الأحزاب والقوى السياسية لتمثل إجماعا واتفاقا عاما وطالبته بكف ما تبقى من قوات بضرب المتظاهرين ثم طالبنى بحماية مبنى أمن الدولة بعد احتراقه بالأمس فوعدته وذهبت الى هناك فى محاولة لتهدئة الشباب بعد أن نكلوا بالمبنى بقلوب غاضبة لكنى فوجئت بانسحاب عربة الأمن المركزى الوحيدة والدبابة التى كانت قريبة من المبنى وحتى الجنود على الباب ولم أتمكن وحدى من مقاومة الرغبة العنيفة للدخول مرة ثانية وإعادة إحراق المبنى!


05 بدا لى الموقف أن قرارا بالانسحاب قد اتخذ مع إثارة أكبرقدر من الفوضى وتأكد ذلك بما حدث حيث بدأ حرق المحكمة رغم ابتعاد المتظاهرين عن مكانها المحاصر بالأمن المركزى من كل الجوانب – رفض الضابط الواقف الذى طلبت منه ارسال عربة مطافى لإطفاء مبنى أمن الدولة الذى يخرج دخانا أسودا تأذى منه كل جيرانه بعد أن قال لى ستحضر حالا ولم تحضر! بينما مكان الإطفاء المقابل للبندر قد سحبت منه كل عربات الإطفاء! وهنا حدث الاتصال الثانى والأخير فقد اتصل مفتش أمن الدولة لأعاتبه على سحب القوات فى الوقت الذى ذهبت فيه فى محاولة لوقف الاعتداءات على مبنى الجهاز المحترق من الأمس ! فيعطينى اللواء الشعراوى محافظ البحيرة فى أول حديث لى معه ليطلب منى تهدئة الأمور لما لى من شعبية وحب لدى الناس فقلت له سأبذل قصارى جهدى لكن المشكلة الآن فى البلطجية الذين استولوا على الاسلحة وخرجوا من السجون بقرار من وزيرالداخلية السابق وبإشراف وزيرالداخلية الذى تولى بعده رئيس مصلحة السجون وقتها قائلا "خللى الجيش يحميكم" فقال أنا علمت بموقفك لحماية مبنى المحافظة وأنا لذلك اتصل بك لأشكرك وأرجو أن تساعد على التهدئة فقلت له لقد شكلنا لجان شعبية للحماية قال لى الأهم عندى الناس فطلبت منه الأمر بوقف ضرب النار فوعد ثم بعد انتهاء المكالمة بساعة ضربت القوات التى تحمى البندر والمحكمة المشتعلة النار بغزارة ثم بدأت فى الانسحاب وهنا جاءت الفرصة بعد الإفراج عن المسجلين خطر لنهب البندر خزائن وأسلحة ثم حرقه فى شكل همجى كنا لا نود أبدا أن يحدث لكن حجم المظالم والضحايا والغضب الذى تملكهم أدى لهذا الإخراج السئ لثورة شباب واعى يريد أن يعيش حياة كريمة فى بلده التى استولى عليها الحزب الوطنى ونهب ثرواتها وقمع شعبها بغباء شديد


06 النقاط البيضاء فى كل هذه الأحداث كانت تلك الروح التى انتابت الشباب الذى شعر بالحرية لأول مرة ووجد نفسه مسئولا عن حماية نفسه والحفاظ على ممتلكاته العامة فتكونت اللجان والذى اشترك فيها الجميع كبارا وصغارا ووضعت الكمائن على الطرق وفى الشوارع للسيطرة على اللصوص الذين استغلوا الفرصة ونهبوا وسرقوا إضافة الى الجنائيين الذين تم إطلاق سراحهم بمعرفة وزارة الداخلية التى يجب محاكمة كل من تسبب فى إثارة تلك الفوضى والتى انسحبت بشكل مخزى وأبدلت قواتها بقوات البلطجية الداعم الاستراتيجى لكل أعمال الشرطة طوال ثلاثين عاما من القهر والخوف وإثارة الفتن.


07 استمرت تحركات فلول الشرطة التى خرجت لإثارة الفزع بعد أن هدأت الأمور فى الشارع وشعرالناس بالأمان فى بيوتهم ليلا حتى أن إحدى السيدات قالت لى لأول مرة فى حياتى أنام فى بيتى دون أن أغلقه بالترباس! وأصبح القبض على عناصر الشرطة التى تسير بسرعة وتضرب النار بعشوائية على تجمعات المواطنين وقد نجحت بعض الكمائن فى القبض عليهم وتسليمهم للجيش ، وقد لاحظت أن هناك تعامل عنيف مع المقبوض عليهم وصل الى درجة القتل كما حدث أمام البنك الأهلى عندما أوقفت دبابة ومدرعة للجيش مصفحة للشرطة أفزعت الشوارع وتعامل ضباط الجيش معها وقتلوا أحد أفرادها بالرصاص وأكمل الشباب قتل أخرين واستسلم اثنين تمت حمايتهما وقبض الجيش عليهما وهنا قلت للشباب  ليس من المقبول إجراء محاكمة وتنفيذها بمعرفتكم فهذا لا يجوز بأى شكل شرعى أوقانونى والمطلوب فقط إمساك هؤلاء الفوضويين وتسليمهم للجيش ولم يقتل أحد بعد هؤلاء المساكين الذين صارت دمائهم فى رقبة النظام الفاشل الذى عرضهم للخطر بعد انسحاب كامل غير مبرر بأى شكل !


08 نشط الشباب فى البحث عن السلاح وجاءت إخباريات كثيرة بالسلاح الذى خرج من مقار الشرطة والسجون وصار فى أيدى البلطجية وتم تجميع أكثر من ثلاث سيارات أمن مركزى مليئة بالسلاح وتسليمها لرجال الجيش فى محاولة لتهدئة الأموروعدم المغامرة بوجود سلاح فى أيدى غير مسئولة تثير الفوضى وتستعمله بدون عقل وكانت المساجد على مستوى الحدث فتم فتح عدد كبير منها لإدارة اللجان الشعبية واستلام السلاح حتى يأتى الجيش لاستلامه ولأول مرة أشعر أن الشباب المصرى يحب بلده وينتمى اليها ويدافع عنها بحب افتقدناه طوال عشرات السنيين عندما سرقت مصر وأديرت بمعرفة المخبرين والبلطجية لصالح أهل السلطة والمال ! فالحرية دائما تولد الانتماء .


09 وصلت لنا أخبارا بنية البعض تفجير بعض الكنائس لا ستدرار الدعم الدولى بعد أن سقطت قوات الشرطة وتم السيطرة على البلطجية ووقف الجيش على الحياد فكانت تلك الورقة الأخيرة وأعلنت ذلك على الملأ وهتف الناس هتافات الوحدة الوطنية وطالبت بتطوع الشباب المسلم مع الشباب المسيحى لإتمام الحراسات اللازمة للكنائس التى تحظى بأمان شديد رغم انسحاب قوات الشرطة من أمامها وتشكلت من رئاسة اللجنة الشعبية وفد لزيارة الأنبا باخوميوس فى الكاتدرائية بدمنهور من العبد لله ورئيس حزب الوفد م اسماعيل الخولى وأحد رموز دمنهور الحاج عبدالله المسيرى ولحق بنا عضو الهيئة العليا للتجمع د زهدى الشامى وكان لقاءا جيدا أبان أن نظام مبارك قد أثار حالة من الفتنة تمكنه من دوام السيطرة واللعب بأوراق الفتنة الطائفية ليخدم وجوده واستمراره  وقد وجدنا وعيا بكل هذا وهو ما أسفر عن تعاون لحماية الكنائس وزيادة علاقات الود الحقيقية بين المسلمين والمسحيين ، وهنا أذكر أنه فى أحد الوقفات جائنى شاب لاعلاقة له بالاسلاميين (شكلا وموضوعا) يقول لى لقد ذهبت الى مقبرة ابوحصيرة التى يزورها الصهاينة فى حماية امنية مصرية ولم اجد بها حراسة أريد أن أهدمها أيه رأيك؟  فقلت له وانا أبوس رأسك تاخد عشرة وتروحو تحموها من هذا العبث النهاردة!  فهى الان لاقيمة لها فى غياب الاهتمام بها كأنها غير موجودة فلماذا نهدمها ويتم استغلال ذلك إعلاميا ودوليا من قبل الصهاينة؟ ألم نتعلم من درس طالبان وتماثيل باميان لبوذا أين العقل ؟ وأين الدين من ذلك؟ فاقتنع ووعد بذلك  والحمد لله على حالة الحب والثقة والترابط الذى تم بين أبناء الشعب المصرى فى مناخ الحرية الذى افتقدناه أكثر من نصف قرن!


010 فى ظل غياب كامل للمسئولين السياسيين والشعبيين المزورين والأمنيين كان لابد من التعاون مع المستشار العسكرى بالمحافظة وقواد الجيش على أرض دمنهور لإعادة الحياة الى طبيعتها وبث الطمأنينة فى نفوس عوام الشعب الذى تضرر فى أكل عيشه وطالبناهم بفتح محالاتهم والذهاب الى أعمالهم للتدور عجلة الحياة الطبيعية والبحث فى تأمين لكل المنشأت واسنكمال الناقص من المواد التموينية ومحاولة إعادة بعض قوات الشرطة للحماية والخدمات.


011 على مستوى التعامل مع القوى الشعبية والأحزاب الأمر يحتاج لتفاصيل ليس وقتها الآن لكن رغم سقوط الشهداء والمصابين بالآلاف  مازال النظام على عناده حتى جاء خطاب الفتنة الذى فرق المصريين بعد أن ظهر مبارك مكسور الجناح يطلب أن يموت على أرض مصر واستكمال مدته فقط  - طبعا بعد أن يصفى حسابه مع كل من وقف ضد رئاسته وقال لا بصوت عال وهو مالم يدركه المصريين -  وتمت تعديلات شكلية فى الوزارة استهلت عملها بالاعتداء على المتظاهرين فأصابوا الالاف وقتلوا العديد من الشباب الأعزل المحاصر بالبلطجية وقوات الأمن فى الزى المدنى ورغم غياب الغطاء الدولى فإن المحاولات الأخيرة للبقاء تستعمل العنف البالغ وتزييف الواقع بإعلام مضلل وبذلك يريدون أن تنتهى الصورة بنفس الشكل الذى ثار عليه المصريون تغول أمنى يدعم سياسة البلطجة فى مناخ من الكذب والتضليل الإعلامى وإظهار شعبية مزيفة مدفوعة الثمن من البلطجية وموظفين الحكومة كانت السبب فى غضب كل المصريين فهل ننتهى من حيث بدأنا أم أن للمصريين قول اخر , أما نحن فلا نجد ما نقوله سوى " اللهم نصرك الذى وعدت" وانما النصر صبر ساعة ، عاشت مصر عزيزة كريمة عالية الرأس وعاش شعبها خير أجناد الأرض قويا متحدا عزيزا كريما .


دكتور محمد جمال حشمت

g.hishmat@gmail.com

3 فبراير 2011م

إضافة تعليق