الإعلام وأمانة الكلمة وخطورة المرحلة

بعد ماتحقق للمصريين من نتائج لثورتهم فى 25 يناير كنت أتصور أن الإعلام الرسمى الذى شوه صورة الثوار طوال وجود مبارك وزبانيته فى الحكم قد أصاب المصريين بحالة من الزهق الإعلامى رغم مقاطعة أغلبية المصريين متابعة هذا الاعلام وأكد أن الحقائق لا يمكن لها أن تختفى أو تشوه للأبد ! لكن بعد الثورة والدخول فى التفاصيل وجدنا حالة من السيولة الاعلامية التى تجعل الجميع يتحدثون فيما لا يعلمون ويتهمون غيرهم بجمل إنشائية وفى غيبة خصومهم وإن حضروا فالكثرة تغلب الشجاعة ولى المعانى يتصدر الحوارات ! أقول دون تفاصيل اليوم أن الإعلام عليه دور كبير فى مناقشة الواقع للخروج بحلول وتصورات ووعى وليس فقط مجرد السباب أو التهويل أو التهوين وبئست الرسالة الإعلامية وقتئذ !


مازال المطالبون بإلغاء نتائج الاستفتاء الأخير مشغولون عن العمل بكثرة الكلام والمطالبات التى إن استجيب لها لأضعفت حماسة المصريين فى حركتهم نحو صناديق الانتخاب غير الدخول فى متاهات عدم الوفاق حول الهيئة التأسيسية وتشكيلها أو المجلس الرئاسى واستحقاقه ! وهؤلاء يستبدلون الصندوق بالميدان ! أى أن التغيير فى فهمهم أكثر يسرا بالنزول لميدان التحرير بدلا من اللجوء الى اختيارات الشعب ! وهم لا يدركون أن الثورة فى مصر نجحت لأنها لم تكن مركزية بل فى كل ميادين مصر وهو ما لن يتكرر مرة أخرى فى وقت قريب فلقد كان ميدان التحرير هو الرمز لكنه لم يكن ميدان النصر بل كانت كل ميادين مصر وقتها ورصد ما يحدث فيها هو السبب الرئيسى للتنحى ! وفى غياب ميادين مصر لا يعتقدن أحدا من هؤلاء الداعين للنزول كل فترة لميدان التحرير أنهم يملكون القدرة على التغيير الحقيقى لو استولت قوى الظلام (الاسلاميين)  على مجلسى الشعب والشورى – كما يحلو للبعض الحديث – وأن هذا أسهل بديلا عن الصناديق ! إن الثورة مرة ثانية على الحكام العسكر عندما يستمرون فى حكمنا بلا خلاص لهو أصعب ألاف المرات من تغيير قوى الظلام (الاسلاميين)من خلال صناديق الانتخاب الشفافة ! لمن يريدون الدستور وبقاء العسكر فى حكم مصر نقول لهم بالعقل والمنطق الصندوق الآن أيسر من الميدان الذى صار وحيدا ! بكلمات أوضح يبدو أن البعض وهم للأسف من يسئ استخدام الإعلام يعجزون عن الفعل واكتساب الأنصار فيخشون مواجهة ديمقراطية ويستعذبون حكما عسكريا  ولله فى خلقه شئون !


حادث مقتل سائق فى قسم شرطة الأزبكية يلقى بظلال أشد خطورة من البطء فى عودة الأمن وهو غياب الثقة بين الشرطة والشعب ! حكى لى صحفى بالأهرام أن ضابطا أوقفه ولم يجد معه أوراق سيارته عند منتصف الليل فصرخ الضابط يستعين بالأهالى للقبض على السائق المخالف وطبعا الشعب والشرطة ايد واحدة فانهال عليه الجمهور لوقفه عند حده لولا قلة العدد وضخامة جسم الصحفى لمات كما مات سائق الأزبكية ! فهل يصبح الجمهور المناصر  هنا هو سلاح الشرطة فى مواجهة الجمهور المخالف! وأين المخبرين المدنيين المتواجدين فى حملات الشرطة وما هو دورهم فى ضبط المخالفين والحفاظ على الأمن العام ! الحقيقة أن ملف عودة الأمن مرة أخرى يفتح ببطء وحسمه أمر ميسور فاستكمال المعدات والمبانى ليست بأهم من إعادة تأهيل رجال الشرطة الذى لم نجد له أثر حتى الآن ! وغياب قرارات حسم التعامل مع البلطجية حتى هذه اللحظة يربك المواطن العادى ويجعله يوجه الاتهام القديم بالتعاون الاستراتيجى بين الشرطة والبلطجة وهو ما لا يرضاه أحد لجهاز الشرطة الذى هو فى خدمة الشعب فقط.


 ناشدت من هنا السيد رئيس الوزراء الشريف دكتور عصام شرف باتخاذ بعض القرارات أو التأكيد على بعض القرارات التى تخفف من حالة الاحتقان التى تنتاب الشارع المصرى ولم ينشغل بها مثل:


(أولا) الغاء كافة التعيينات أو الانتدابات  التى تمت لمن تجاوز سن المعاش  كمستشارين أو مديرى مشاريع فوراواستبدالهم بأخرين حرموا من المناصب القيادية وتعديل لوائح المشروعات التى تنهب منذ عشرات السنين  وهذا يوقف عبث المكافأت الفلكية التى يتحصلون عليها ويمنحونها لمن عينهم


(ثانيا) محاسبة كل من استبعد أحد الموظفين بشكل تعسفى أو لأسباب شخصية  متعاقدا كان أو باليومية وذلك لتوفير حالة الأمان الوظيفى فى مثل هذه الفترة التى يصعب فيها البحث عن عمل أخر ولدى شكاوى كثيرة يعانى منها أصحابها مثل ما يحدث فى مدرسة عزيز المصرى الخاصة او جمعية صيادلة البحيرة تصفية لحسابات لا تليق الآن بأحد إلا إذا كان كارها للثورة ويقظة الشعب لحقوقه والمطالبة بتحسين ظروفه المعيشية وهو ما كان يجب أن يلقى تفهما لدى المسئولين بعيدا عن تصفية الحسابات لأنه لو فتح هذا الملف فخسارة المسئولين فيه أفدح ! ومن هنا نناشد كل مسئول فى عمل ان يعيد النظر فى قطع أرزاق الناس وخطورة ذلك فى حالة الفوضى التى نحياها هذه الأيام  ! خاصة ونحن مقبلين على أيام خير وبركة فى شهر رمضان الكريم


(ثالثا) تشجيع رجال الأعمال بتسهيلات ضريبية عند انشاء مشاريع كثيفة العمالة او بناء مدارس حكومية تهدى للوزارة لقلة عدد الفصول الحالية وكثيرة تلك المشاريع التى يمكن ان تقام بجهود ذاتية فى مقابل تسهيلات وإعفاءات للجادين من رجال الأعمال.


(رابعا) وقف مسلس إهدار المال العام المتمثل فى ظرف حوافز بلا عمل فى المقابل ولا أتحدث عن الملاليم التى تصرف للموظفين استكمالا لمعاشاتهم لكن أتكلم عن الوظائف القيادية مثل القرار رقم 273 الصادر بتاريخ 28 مارس 2011 من محافظ البحيرة السابق اللواء محم سيد شعراوى والخاص بمديرى الإدارات بديوان عام المحافظة لمساواتهم فى نسب الأجر الإضافى (200%)  رغم غلق ديوان عام المحافظة  وحصاره حتى الآن بالدبابات لمدة شهر على الأقل تفاديا لثورة العاملين على مثل هذه الامتيازات ورغم ذلك صدر القرار عند العودة للعمل ! فاى تحدى وأى استخفاف هذا! نامل من السيد رئيس الوزراء ولا أقول وزير التنمية المحلية وقف مسلسل إهدار المال العام بجهات رقابية لا تعين أفرادها أعضاء مجالس إدارة أو تقبل مكافأت من جهات تقوم برقابتها ! وتحديد حد اعلى للأجور كما شرع فى تحديد حد أدنى وكلاهما يكملان بعضهما البعض !


(خامسا) سرعة التعاقد مع المعلمين الذين لم يستكملوا 3 سنوات تحت اسم ( مدرس مساعد) بنموزج التعاقد الذى خرج من مكتب وزير التربية والتعليم وليس بنموزج مديريات التربية والتعليم المشوه الذى لا يحفظ حقا استمرارا لعقود الإذعان الذى برع فيها النظام السابق وكل المستبدين


أخيرا ليس هناك افضل من العمل الجاد والوعى الكامل بما يدور حولنا أو يحاك ضد مصر وشعبها فى الداخل والخارج وهذا لن يحدث إلا بروح الثورة فى ميدان التحرير الذى صار وحيدا فى مواجهة البطء والتعسف والعجز أحيانا


دكتور محمد جمال حشمت

g.hishmat@gmail.com

7 يونيو 2011م

إضافة تعليق