سلاح المهمومين! ـ د. محمد جمال حشمت

لا أدرى ماذا أصابني الفترة الأخيرة كلما بلغني خبر عما يحدث لمرشحي الإخوان في انتخابات الشورى أضحك والله لا أجد إلا الضحك !!

قبضوا على مهندس أو مدير في أثناء جولة للمرشح وسط أنصاره الذي لم يتجاوز عددهم 10 أفراد ! قبضوا على المرشح ومعه ثلاثة بعد أن طاردوا جولة له في أحد الأحياء !

اثنان من الحضور في ندوة الأستاذ أسعد عبد الملاك في دمنهور تم القبض عليهما من أمام مكتب النواب في الشارع رغم أنهما ليسا من الإخوان !!

تقطيع لكل اليفط التي نجح أنصار المرشح في تعليقها أو طمسها بالزفت !!

والقبض على شباب أثناء التعليق !!

اختطاف تسعة من أنصار مرشح الإخوان أثناء جولة انتخابية !!! ماذا حدث للنظام

الذي يحكم مصر ؟ هل أصابه الجنون لنزول الإخوان الانتخابات ؟ هل وصل الضعف

لدرجة تهديد أصحاب المنازل لعدم تعليق يفط لمرشح الإخوان وأصحاب المحلات كذلك ؟

لماذا هذا الرعب ؟ وما هي علامات القوة والثقة - بعيدا عن الرجولة والشهامة أو العقل والمنطق- فيما يحدث ؟

على العموم لأني تيقنت من الغروب القادم لنظام الظلم والفساد الذي يحكم مصر في الوقت الذي يحدده رب العزة فقد قررت اللجوء إلى التاريخ وصفحاته التمس فيه بشريات الفرج القريب إن شاء الله وألمس عوامل انهيار الدول والحكام وعوامل قوتهم وبقائهم ورفعة أوطانهم تسرية وتسلية بعد أن أخذنا بأسباب المقاومة السلمية التي جننت النظام رغم قوة وعنف ما تملكه أيديهم من أدوات البطش في مواجهة شعب أعزل !!

وقع في يدي صفحات من تاريخ السلطان نور الدين محمود بن عماد الدين زنكى فيما رواه ابن كثير وذكره عن الحب العميق الذي تكنه الأمة لنور الدين ، هذا الحب الرباني النابع من القلب بإخلاص فلم يكن حب نفاق وما أبلغ تعبير ابن كثير : مرض نور الدين فمرض الشام بمرضه ! هل هناك تلاحم بين القيادة والقاعدة مثل هذا في ذلك الزمن – تسائل على محمد الصلابى مؤلف الكتاب – شارحا سبب ذلك الحب وهى صفات نور الدين القيادية ، فهو يسهر ليناموا ويتعب ليستريحوا وكان يفرح لفرح المسلمين ويحزن لحزنهم وصدق الشاعر عندما قال :

فإذا أحب الله باطن عبده ظهرت عليه مواهب الفتاح

وإذا صفت لله نية مصلح مال العباد عليه بالأرواح

وأرى أنه من الظلم مقارنة حكام هذا الزمان بأولئك الذين صنعوا صفحات الفخار والمجد للأمة لأنهم كانوا صادقين شرفاء والأهم أنهم كانوا عبادا لله .... إن من أسباب ضياع الأمة وضعفها وانهزامها أمام أعدائها فقدها لشرط مهم من شروط النهوض والتمكين ألا وهو تحقيق العبودية بمفهومها الشامل والصحيح

لقد تشبه نور الدين محمود بعمر بن عبد العزيز في زهده وقد كان الأخير حاكما لأقوى دولة على الأرض في زمنه فكان نور الدين لا ينفق على نفسه وعلى أهله إلا من ملك اشتراه من سهمه من الغنائم وكان يحضر الفقهاء ويستفتيهم فيما يحل له من تناول الأموال المرصدة لمصالح المسلمين فيأخذ ما يفتون بحله ولم يتعده إلى غيره ألبته ! ، وكان نور الدين من عمق فهمه للتوحيد ومعرفته بالله تعالى لا يفعل فعلا إلا بنية حسنة ، وكان في أكثر الليالي يصلى ويناجى ربه مقبلا بوجهه عليه ويؤدى الصلوات الخمس في أوقاتها بتمام شرائطها وأركانها وركوعها وسجودها , وقد قال في حقه أعدائه الكفار : ابن القسيم –نور الدين – له مع الله سر فإنه ما يظهر علينا بكثرة جنده وعسكره ، وإنما يظفر علينا بالدعاء وصلاة الليل فانه يصلى بالليل ويرفع يده إلى الله ويدعو فيستجاب له فيظفر علينا "

وفى إحدى المعارك سنة 556 هـ قضى الله بانهزام عسكر المسلمين وبقى الملك العادل مع طائفة يسيرة واقفا على تل يقال له تل حبيش وقد ولى وجهه إلى قبلة الدعاء حاضرا بجميع قلبه مناجيا ربه بسره يقول :

" يارب العباد ، أنا العبد الضعيف ملكتني هذه الولاية وأعطيتني هذه النيابة،

عمرت بلادك ، ونصحت عبادك ، وأمرتهم بما أمرتني به ونهيتهم عما نهيتني عنه ،

فرفعت المنكرات من بينهم وأظهرت شعار دينك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم ولا

أملك إلا نفسي هذه وقد سلمتها إليهم ذابا عن دينك وناصرا لنبيك" . فاستجاب الله

تعالى دعاءه وأوقع في قلوب أعدائه الرعب وأرسل عليهم الخذلان فوقفوا في مواضعهم

وما جسروا على الإقدام عليه وظنوا أن الملك العادل عمل عليهم الحيلة, وأن عسكر

المسلمين في الكمين, فإن أقدموا عليه تخرج عساكر المسلمين في الكمين، فلا ينفلت

منهم أحد فوقفوا وما أقدموا عليه "!!

لقد اعتبر نور الدين محمود الدعاء من أمضى الأسلحة التي تسهم في تحقيق النصر ومهما أعد المسلمون من أسلحة وعدة وعتاد ،فإنهم يظلون عرضة للفشل والهزيمة والإحباط إذا امتنعوا عن استخدام هذا السلاح أو أساءوا استخدامه ولذلك استخدمه بنفسه وطلب من الزهاد والعباد والعلماء والفقراء والفقهاء كذلك وكان مستوعبا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : هل تنصرون إلا بضعفائكم .

فالدعاء لله والتعلق به عند قادة النهوض الربانيين والصادقين من المسلمين مخ العبادة، لا بل هو سيد العبادات وأقربها وأحبها إلى الله تعالى . أيها الأخوة الكرام المهتمون بنهضة أمتهم والتمكين لدين الله في الأرض عليكم بالدعاء فإنه كنز حقيقي من جملة الكنوز التي تنطوي عليها الشريعة الإسلامية فالله تعالى يخص عباده على اقتناص هذا الكنز في مثل قوله تعالى "أدعو ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين" " وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"

إن من أسباب نجاح نور الدين محمود في مشروعه النهضوي، استيعابه العميق لفقه الدعاء ومقدرته على استخدامه كسلاح فتاك ضد الأعداء وحسن تضرعه وانكساره بين يدي المولى عز وجل " تاريخ الحروب الصليبية- عصر الدولة الزنكية –دكتور على

الصلابى .

هل عرفتم لماذا نعيش في صراع وحرب أعلنها حكامنا ولوثونا بها على الله ورسوله

!! هل تتخيلوا معي دعاء حكامنا في العالم العربي والإسلامي إلى الله كيف يكون

؟! " يارب العباد أنا الرئيس القوى الخالد ملكتني هذه البلاد وأعطيتني شرف

حكمها فخربت بلادك، وأضللت عبادك وقهرتهم وأمرتهم بما نهيتني عنه ونهيتهم عما أمرتني به فرفعت الحق والعدل من بينهم وأظهرت الفساد والفجور وسطهم وطمست شعار دينك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم ولا أملك إلا نفسي هذه وقد سلمتها لك

محاربا لدينك محرفا لسنة نبيك مطاردا لكل متدين مظهرا لكل فاسق مجاهر بالمعصية فاكتب الحكم لورثتي من بعدى " !!

ولأن حكامنا لا يفقهون فقه الدعاء ولا يدركون قوته فهم لا ينطقون بما سبق لكن حالهم وحال أمتهم ينطق بذلك، لذلك فحكامنا ليسوا في حاجة إلى العلماء والعباد فقد قذفوا بهم في سجونهم ومعتقلاتهم وليسوا في حاجة لفقراء الوطن فتارة يحرقونهم في القطارات وتارة يغرقونهم في العبارات وتارة يقتلونهم بالمبيدات والسموم والملوثات!!

ألا تظنون أننا مقصرون في الدعاء ومن قبلها الإخلاص والاجتهاد وتحرى الحلال "

أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة" فلماذا لا نداوم على الدعاء لنصرة الحق وإذلال الباطل وأهله ولتكن ليلة الجمعة من كل أسبوع موعدا تتلاقى فيه القلوب المخلصة متوجهة إلى الله القادر على كل شئ ندعوه سبحانه لعل الله يأذن بالفرج

إضافة تعليق