قذائف الحق (6)...مهارة اصطناع العدو

لاشك أن نظام مبارك المخلوع وسياسة الحزب الوطنى المنحل كان يمثل عدوا مثاليا لكافة الجهات المعارضة بمختلف توجهاتها ولأن هذا النظام البائد كان متترسا بقوة الدولة بينما جماعة الإخوان تتحصن بقوة تنظيمها ووحدة صفها نال كلاهما اتهامات المعارضة الرسمية التى خضعت وحاورت وتحالفت مع نظام مبارك الفاسد  وغير الرسمية التى كان جل جهادها السباب وفضح النظام واتهام الإخوان بالصفقات من وقت لأخر! فلما قامت ثورة يوليو وانشغل الجميع بتحقيق هدف واحد هو اسقاط النظام فسقطت الرأس وبقى الجسد متغلغلا فى حياة المصريين بعد أن أتاح له نظام الفساد الفرص ، هنا  انفتقت عقول بعض المعارضين الذين لايجيدون حوار العامة أو التواصل معهم  لتصنع لها عدوا جديدا تحذر الناس منه بالحق والباطل ووجدت فى قوة الإخوان التنظيمية وتعدد مؤسساتها الشورية وما يترتب على ذلك من بطء أحيانا فى اتخاذ القرار بما يناسب كل موقف الفرصة لإلقاء الاتهامات وتتبع للهفوات على قدم وساق أضف الى ذلك استحواز هذه القلة ذات الصوت العالى على منابر إعلامية بعضها يهاجم الإخوان بلا موضوعية و بناءاعلى أخبار كاذبة تصريحا وفى البعض الأخر تلميحا ، ويصيبنا شئ من العجب عندما يختلف أحد الإخوان مع جماعته فإذا بصحف وفضائيات تفتح أبوابها وتجعل منهم رموزا للفتنة و محل اهتمام إعلامى لتوضيح حجم الظلم الذى وقع عليهم وتنفخ فى نار الاختلاف ووهج الانشقاق حتى تجعل من بعض القضايا الداخلية مظاهر استبداد وتخلف وتصفيات داخل الجماعة رغم محدودية الأحداث ! وربما لم تنشغل لو استقال عشرات الأعضاء من حزب اخر أو جماعة أخرى اللهم إلا صناعة العدو الجديد الذى يفزعون منه الشعب ويخوفون منه نشطاء حديثو عهد بعمل عام أو سياسى وهو ما يخالف العقل الذى يحترم الاختلاف فى التوجهات ويخالف المنطق الذى يعترف بقوة القوى وضعف الضعيف على قدر ما يبذل من جهد والاختلاف معه بموضوعية لا نراها اليوم فى منابر الفتن التى تملأ كل الصحف والقنوات الخاصة بلا استثناء ! 

ولاشك أن هناك أخطاء وتجاوزات لدى بعض القيادات داخل الإخوان التى انشغلت بالحرص على البقاء فى صدارة المشهد فقط لأنهم مسئولين وتحول دورهم من قيادة تسمع للرأى الأخر و تستوعب الشباب وتوقر الكبار وتؤسس لحالة من التسامح - التى قد تظهر مع المختلفين مع الجماعة تنسيقا وتعاونا وتختفى مع من اختلف أو انسحب من الجماعة ويتصور البعض – وليس ذلك من أدبيات الإخوان أبدا- أن الوقوف بحسم أمام هؤلاء وغلبة روح الانتقام لإبعادهم  ومطاردتهم هى التى تحفظ الجماعة وحدتها وتحمى صفها ! ولعل الانفتاح الذى تحياه مصر الآن يحتاج من الجميع مراجهة الأدوات والتوجهات والسياسات العامة فى التعامل مع الشعب المصرى الذى أقبل بلا خوف الى ممارسة العمل العام – دعوى وخدمى واجتماعى وسياسى – والكل مراجع لتحقيق مزيد من انكار الذات وقبول الرأى الأخر وتوفير ملاذات أمنة للغاضبين لمعرفة سر غضبهم ومعالجة ما يثبت من قصور بعيدا عن ثقة مطلقة قد يساء استعمالها ! 

نحتاج فى الحياة السياسية المصرية الى عودة لحسن الظن والاجتهاد فى العمل حتى لا ننشغل باتهام بعضنا البعض والتواصل مع جمهور الشعب المصرى العظيم الذى يتعلم منه الكبير والصغير كيف تكون ممارسة العمل العام رغبة فى رضى من الله ثم من الناس ومن أحبه الله وضع له المحبة وسط الناس دون النظر لانتمائه فهل يراجع كل منا موقفه من الأخر لأن مصر فى حاجة لفكر وجهد وعمل كل المحبين لها أما المتاجرين فسينكشفون وسيسقطون لا محالة تلك سنن الله فى الخلق ولن تجد لسنة الله تبديلا


دكتور محمد جمال حشمت

24 سبتمبر 2011

إضافة تعليق