د. جمال حشمت يكتب : مستقبل مصر بين الشرعيتين الدستورية والثورية !

لاشك أن موقف القوى العلمانية والليبرالية واليسارية من الإخوان واضح لايحتاج لدليل ورغم ذلك فالإخوان يقدمون أيديهم لعمل تحالفات تسمح للمصريين أن يتولوا رسم  وإدارة مستقبل بلادهم إيمانا منهم بأن تكاتف الجميع وتوافق كل القوى والأحزاب هو الحل للخروج بمصر من أزمة المرحلة الانتقالية بعد أن تخلصنا من على بابا وحده والذى ترك من خلفه الأربعين حرامى ومضاعفاتهم !! هذا كلام معلن منذ زمن ولم ينشغل الإخوان بالحديث عن أو تجريح غيرهم لأنه لا وقت لديهم لذلك ولا أخلاقهم تسمح بذلك ، ولعل قضية نزول ميدان التحرير بعد جمعة 18 نوفمبر قد اثارت لغطا كثيرا أرجو أن يتفهمه المخالفين للإخوان بشكل ديمقراطى بعيدا عن التخوين الذى يجيده البعض ويصدره للشباب الغض الذى يمارس العمل السياسى ويخوض غمار العمل العام لأول مرة فى حياته فيردده طبقا لما يسرده الطرف الكاره للحركات الاسلامية من وجهة نظره ! وحقيقة الوضع تبدأ منذ الاستفتاء الذى قسم رغبة المصريين بين القبول والرفض وهو فى إطار الاجتهاد الذى لا يجوز فيه تخوين أو يصح معه سباب !!

ثم تم تأجيل الانتخابات بناءا على رغبة الحركات الشبابية والأحزاب الوليدة التى ترغب فى التواصل مع الشعب قبل الانتخابات وذلك لمدة شهرين !اشتد فيه الحديث حول مبادئ فوق دستورية وتعددت فيها الوثائق وصارت كلها استرشادية للهيئة التأسيسية المختصة بوضع الدستور !

وقبيل الانتخابات فجر دكتور على السلمى الوفدى ونائب رئيس الوزراء للتحول الديمقراطى    وثيقة التقطها من الوثائق المطروحة وأضاف اليها برضا من الوزارة والمجلس الأعلى العسكرى بنودا مستفزة لا يمكن قبولها وذلك لإثارة الشارع المصرى ودفعه لإعلان الغضب خاصة مع رفض الوزارة أى تعديل وصمت المجلس العسكرى !

وأعلن الإخوان وحزب الحرية والعدالة وغيرهم من التحالف السياسى عن مليونية فى جمعة 18 نوفمبر على أن تنتهى بعد صلاة المغرب  دون حاجة لاعتصام  ! ونظرا لوصول معلومات عن مخطط لإثارة الفوضى فى الأسبوعين الأولين من شهر الانتخابات – نوفمبر – فقد أحكم الإخوان السيطرة على الميدان فلم يتمكن بلطجة النظام ومجرمى الفلول من إثارة الشغب وسط جمهور المليونية ! لكن بعد الانصراف تم ضرب المعتصمين من المصابين وأسر الشهداء أمام مجمع التحرير بواسطة عساكر الجيش والشرطة  بشكل عنيف ومثير للغضب وسمحوا بتصويره ونشره على المصريين ليتقاطر المصريين الغاضبين الى الميدان فرادى وجماعات رفضا لعودة بلطجة الشرطة مرة اخرى دون ترتيبات قوية تنظم وجودهم وتحدد سقف مطالبهم وتؤمن وجودهم وقد ظن المتآمرون أن الإخوان سيحشدون لإعلان هذا الغضب وهنا يتمكنون من إثارة الفوضى والمواجهات العبثية بين المصريين وإهدار دمائهم وخلق حالة من عدم الاستقرار تسمح بوقف الانتخابات التى تسحب نصف السلطات الممنوحة للمجلس الأعلى وهى السلطات التشريعية لاستكمال خارطة الطريق التى وافق عليها المصريون فى الاستفتاء وصدر بها مرسوم دستورى لا يمكن لأحد أن يتجاوزه وإلا أعتبر ذلك إنقلابا على الثورة وبداية الدخول فى نفق مظلم بلا سقف لإنهاء حكم العسكر !

وقد وضعت الخطة لوضع الإخوان فى حرج محكم يتسبب فى خسارة الإخوان حتى لو استكملوا الانتخابات فإذا نزلوا يتكهرب الميدان ويختلط الحابل بالنابل فى غياب سيطرة ميدانية على الأرض ويزداد العنف ويراق مزيد من الدماء يحمل وزرها الإخوان! وإذا قرروا عدم النزول فقد انحاز الإخوان الى الانتخابات وتحقيق مصالحهم ولا مانع وقتها من اتهامهم بإبرام صفقة من المجلس العسكرى ( الذى خرجوا عليه الجمعة السابقة للأحداث رفضا لمنحه وضعا مميزا فوق الدستور ) وأنهم خانوا الثورة ويخسروا كثيرا من شعبيتهم ! ونظرا للمعلومات التى لدى الإخوان وبممارسة شورية فى مكتب الإرشاد ومسئولى المحافظات قرر الإخوان عدم النزول لمصلحة الشرعية الدستورية حتى لو خسروا من سمعتهم عند من تم شحنهم ضدهم! وتأكيدا لتضامن الإخوان مع من فى التحرير أصدروا بيانات قوية ضد المجلس الأعلى والوزارة لمسئوليتهم عن سفك دماء شباب مصر وترك الفتنة على أعتاب شارع محمد محمود دون حسم لأيام بعدما تجمعت الدلائل على وجود خطة لإثارة الشغب واستمرار المواجهات بين شباب التحرير وقوات الأمن كما أقروا بحق المصريين فى التظاهر السلمى وتأييد مطلبهم بتحديد موعد للرئاسة وعزل الوزارة ومحاسبة القتلة والإفراج عن المعتقلين من غير المسجلين خطر وقد اتفق الطرفان على ضرورة انهاء حكم العسكر وقد اجتمع على ذلك شرعية دستورية تبدأ بالانتخابات البرلمانية وشرعية ثورية تصر على وزارة جديدة لها صلاحيات رئيس الجمهورية  وتعبر عن الثورة لا عن النظام السابق الذى مازال رجاله فى كل المؤسسات والوزارات والمحافظات دون تغيير ملحوظ فى التفكير أوالسلوك ! وذلك هو المخرج الوحيد من نفق الاتهامات التى تأتى من الميدان للإخوان فعندما تتكامل الجهود وتساند بعضها بعضا فذلك علامة التوافق وقوة الموقف الواحد الذى يصب فى هدف واحد وهو تحويل مصر الى دولة مدنية ديمقراطية حرة بعيدا عن حكم العسكر خاصة وان الإخوان قد تعودوا الفترة السابقة على اتهامات ثابتة فإذا نزلوا الميدان ابتداءا فهم يستعرضون القوة وإذا نزلوا استجابة لأخرين فهم يركبون الموجة وإذا لم ينزلوا فهم قد خانوا الثورة ودماء الشهداء ولا حول ولاقوة إلا بالله العظيم

إضافة تعليق