مظاهر الفوضى وكيف نواجهها؟

تمر مصر هذه الأيام بحالة من السعى نحو الاستقرار بانتخابات البرلمان ومع اتمامها تبدأ عملية وضع قواعد اختيار أعضاء الهيئة التاسيسية من كل الطيف المصري  والمنوط به وضع الدستور الدائم لمصر الحديثة ذات الأصالة والتاريخ ويعقب ذلك انتخابات رئيس للجمهورية لنسدل الستار عن حكم عسكرى استمر علينا منذ انقلاب الضباط فى 1952م ! ونبدأ صفحة جديدة يتولى فيها الحكم مدنيون بإرادة شعبية حقيقية لأول مرة منذ عشرات السنيين ولكن ....!!! هناك دعوات لإثارة الفوضى بسبب معاناة حقيقية لا ينكرها أحد ولكنها تاتى فى وقت يحتاج لم الشمل واستمرار التطهير من الفساد والمفسدين ممن تبقوا فى المراكز المفصلية فى كل مؤسسات الدولة وهم من يدينون بالولاء للنظام البائد حتى الآن !! وكأنها دعوة حق أريد بها باطل أو أنها قميص عثمان الذى يطالب أصحابه بالقصاص وإراقة الدماءلاسترداد الحقوق ومن لم يفعل فقد خان الثورة ودماء الشهداء ولكن دعونا نبحث عن مظاهر هذه الفوضى كما استشعرها:


1-   مسلسل خطف الفتيات دون أخذه بجدية من قبل الجهاز الأمنى الذى يجب أن يعود تحت شعار الشرطة فى خدمة الشعب فعلا وليس قولا فقط  فنرى عشرات من الفتيات والفتيان أحيانا ضحايا عمليات الخطف لابتزاز الأهالى ونهب أموالهم لحرصهم على حياة أبنائهم كما حدث لإبنة دمنهور سهيلة اللبودى وإبنة الأسكندرية نغم الهلباوى وغيرهن لا اعلمهم الله يعلمهم والسبب الرئيسى هو غياب الأمن الفاعل الذى لا يتحرك الحركة السريعة فهو معتاد على أن الشاكيين كاذبون والبنات هاربات !! ومعظم الحوادث تنتهى بدفع الفدية فى غياب متابعة وملاحقة أمنية تشجع هؤلاء البلطجية على تكرار جرائمهم ! فلا كمين يفتش أو يطارد أو موجود فى خط سير هؤلاء الخاطفين الذين يقيمون فى محافظة غير التى تمت فيها عملية الخطف ( البحيرة والقليوبية على سبيل المثال) ولن يمنع ذلك إلا عودة جادة ملتزمة بالقانون وحقوق الانسان تهدف لنشر الأمن فى ربوع الوطن وتغليظ تشريعى يعاقب على خطف الأنثى بالإعدام !


2-   تعيينات جديدة على درجات مالية فى أماكن مكتظة بالعاملين المؤقتين لسنوات طويلة مما يستدعى إعتصامات وإضراب عن العمل يهدد مصالح الآلاف كما حدث فى جامعة دمنهور مع أوائل الخريجيين والعاملين بمكافآت صناديق الخدمة وهم من يحملون العبء الأكبر فى انتظام العمل الجامعى ! ورغم ان هناك امتحانات على الأبواب إلا أن التصرف غير مفهوم عندما تتكامل الصورة فأوائل الخريجيين محرومون من حقهم فى التعيين منذ 2004م وتعيينهم حق لهم كما أن المؤقتين أيضا فى حاجة لأمان وظيفى بعد كذب وترويع لهم طوال السنوات الماضية من أجهزة الأمن التى استولت على مصر ومؤسساتها ! فكيف نفهم توقيت القرار؟ وما الحكمة فيه رغم إعلان رئيس الوزراء بأن الوزارة فى طريقها لتثبيت نصف مليون مؤقت ! وبالتالى لم يستطع المعينيين الجدد استلام أعمالهم لإضراب زملائهم المؤقتين ! ومن هو صاحب المصلحة فى هذه المواجهة البائسة ؟!!


3- دعوة تخرج من النقابة المستقلة لأصحاب المعاشات للخروج الى الشارع للحفاظ على حقوقهم والمطالبة بزيادة معاشاتهم فورا يغذيها بعض اليساريين الذين كنا نأمل منهم الانتظار حتى تكتمل منظومة الرقابة والمحاسبة والعمل على استرداد أموال المعاشات التى تشكلت لها وزارة مختصة بهذه المهمة مما يزيد من فرص الاستثمار وزيادة العائد والمعاشات بشكل تلقائى دون حاجة لإقرار أنه لاشئ يحدث ولا مكسب يتحقق إلا بالضغوط والاعتصامات والإضرابات التى تؤسس لحالة من الفوضى لا نعرف الى أين تنتهى ؟ خاصة وأننا قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح فى غيبة نظام فاسد مفسد ظالم مستبد ويبقى الوقت جزءا من العلاج !!


استمرار عمليات الشحن المعنوى للشباب خاصة وهو من حرم لفترات طويلة من حقه فى الحياة الكريمة وانقطعت به سبل الأمل فى مستقبل مشرق يضمن له عملا وبيتا وزوجة ! وهو شحن لذيذ الطعم يصلح لتفريغ طاقة الشباب فى عمل سريع العائد بغض النظر عن الخسائر الناجمة عنه فيكفيه أنه عملا ثوريا


وفى حوار لأحد هؤلاء المتزعمين للعمل الثورى الدائم بلا انقطاع كان السؤال ماذا تعنى لك شرعية ميدان التحرير؟


فرد قائلا :أنا أعتبرها شرعية الشارع وليست شرعية التحرير، والشارع ليس كل الميادين بالمحافظات، ولكنه نضال ثورى فى كل مكان لا يتأثر بخطاب أو بجمل، مثل «لازم نهدى علشان نبنى مصر»، فالشرعية هى أن يتحرك كل شخص علشان حقه، لأنه هو جزء من الثورة، وهذا متمثل مثلاً فى مظاهرات الطلبة بالجامعات لتطهيرها من عمداء الكليات التابعين للنظام القديم، أيضاً الإضرابات العمالية، وتفجيرات خط الغاز التى تعد رسمياً عملاً إرهابياً، لكن باحتفاء الناس بها تكون لها شرعية ثورية، وأيضاً الزحف على المعبر والمظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية.. كل هذه شرعية ثورية. اهـ) وهنا المعيار فى الشرعية الثورية لدى أحد الثوار هو احتفاء الناس حتى لو احترق الوطن وتوالى سقوط الشهداء والمصابين !!!


ولعل الضغط فى هذا الاتجاه بما يحمله من أهداف الحرية والكرامة واسترداد الحقوق يجعل الانسان يتردد فى تحديد وجهته لو لم يكن صاحب موقف ويملك رؤية واضحة المعالم !

لذا كان السؤال التالى واضحا فى هذا الاتجاه عندما سئل ماذا عن معركة الشرعية الثورية مع السلطة المنتخبة المتمثلة فى مجلس الشعب؟


- فقال معركة الشرعية الثورية مع الشرعية المنتخبة لم تبدأ بعد، وأعتبرها معركة العام الجديد بمحاولات الناس فرض الخط الثورى على البرلمان، ومن تخمينى أن البرلمان سيحاول مقاومة ذلك بعد مرور 3 شهور تقريباً على انعقاده، لكن أتمنى أن يستفيد نوابه من شرعية الثورة، وذلك لمواجهة المجلس العسكرى . اهـ) وهنا كانت البداية ترسم صورة لخطة مستقبلية قد تفقد فيها مصر معانى الاستقرار اللازمة للبناء والتنمية وينتهى الرد بفكرة سبق أن نادينا بها وهو تكامل الشرعية الثورية مع الشرعية الدستورية فى تناغم لمصلحة البلاد والعباد فهل حقا يسعى أحد من الثوار الى ذلك ؟


4-   ازدياد الحملة على مصانع الأسمدة والأسمنت القريبة من الكتل السكانية وهى قضية أيضا لا خلاف عليها بل اعتبرها حياة أو موت لأن خسائرها أضعاف مكاسبها وهى تحتاج الى إعادة هيكلة ومراقبة شديدة ونقل تدريجى لأماكن أخرى أما الاعتداءات عليها كما حدث فى دمياط والأسكندرية وطلخا وغيرها لايحقق أى مصلحة عاجلة لأنها استثمارات بمليارات تحتاج الى موازنة فى الحل لا اعتقد أن الشرعية الثورية تناسبها مثلما فعل البعض –وللأسف صبية !- وأحرق مصنع الموت كم أطلقت عليه جريدة الشروق فى منطقة وادى القمر بالأسكندرية !!


5-   إن فكرة الاحتفال بثورة 25 يناير بعد مرور عام على قيامها مع نجاحها وإخفاقاتها لا يمكن أن تنقلب الى مشروع ثورة جديدة تراق فيه الدماء فيتم استدعاء المزيد للميادين وهى فكرة فوضوية تدفع بشباب مصر الى أتون قضية عدمية تتغذى على دماء المصريين لإسقاط مصر المؤسسات - وهذا خطا احمر- بعد أن سقط نظامها السياسى (فكرا وتنظيما وقيادات) ويبقى ألاف من هؤلاء الذين مازال ولائهم وعقلهم للنظام البائد مازالوا فى السلطة يحتاجون الى محاكمات أكثر سرعة (ثورية) فى إطار تشريعات جديدة يسنها نواب الشعب للإسراع والانتهاء من طبقة أفسدت وأجرمت فى حق الشعب المصرى


6-   تبقى القضية الأهم التى نطالب بها وهى العدالة الاجتماعية والتى يجب ألا تتوقف عند موظفى الحكومة او القطاع الخاص لكن لابد من نظرة حقيقية لملايين الفلاحين المصريين الذين تضرروا من زراعة محاصيل لا يمكنهم تسويقها إلا تحت إشراف الدولة فهم قد زرعوها بناءا على خطة حكومية والآن تتنكر الحكومة لهم وتعلن انها لا تملك أن تجبرالشركات والتجار بالشراء من الفلاح الذي استفردوا به تحت سمع وبصر الحكومات اللعينة السابقة بسعر يحقق له هامش ربح بسيط !! فإذا رفض الفلاح بعد ذلك زراعة القطن أو غيره من المحاصيل فلا لوم عليه فقد اختارت الحكومة وقتها موقفا يؤدى الى الفوضى دون أن تحقق مصالح شعبها وهو ما يفقدها شرعيتها مما يدفع الشرعية الدستورية بل والثورية السلمية إن لزم الأمر الى التحالف لإسقاط هذه الحكومة!


من هنا أتمنى أن تقام فى كل مصر احتفاليات بالثورة يشعر فيها المصريين بأن حقوق الشهداء والمصابين قد بدأ استردادها بكافة الوسائل من محاكمات ودعم  وهى قرارات واجبة الاتخاذ أو التنفيذ لكى تسعد مصر ويسعد المصريين بثورة صارت مثلا أذهلت العالم فى بدئها وفى ذكراها ان شاء الله ، حفظ الله مصر من كل سوء وحمى المصريين من شر أنفسهم وشر من يتربص بهم فى

الداخل والخارج اللهم آمين


دكتور محمد جمال حشمت

أستاذ جامعى وعضو الهيئة العليا بحزب الحرية والعدالة

4 يناير 2012م

إضافة تعليق