د.جمال حشمت يكتب : مصر تشكونا الى الله !

لاشك ان مصر والمصريين يشعرون الآن بفرحة غامرة وبقلق طاغى فى نفس الوقت بعد ثورة 25 يناير !! وهناك ما يبرر كلاهما وهذا من سمات هذه الفترة الانتقالية التى نحياها بعد ثورة عظيمة وقبل نهضة أعظم نتوقعها جميعا ان شاء الله  ! أما الفرحة فلأن رؤوس النظام الفاسد الظالم المستبد قد سقطت مع مؤسساتهم التى بنيت على غير حق مثل مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية ! ولأن الوجوه الكالحة التى أزعجتنا كثيرا قد اختفت ولم نعد نسمع منهم شيئا وقد تغابوا كثيرا وكذبوا ونافقوا حتى كرهنا أنفسنا عندما نضطر لسماعهم ! ولأن مصر قد عادت لأبنائها مرة اخرى بعد أن تمت سرقتها لعشرات السنيين فصار المصريون ملاكا بعد أن كانوا أجراء وأحرارا بعد ان كانوا عبيدا ومواطنين بعد أن كانوا رعايا !! 

ولأن الأمل فى الإصلاح وفى مستقبل أفضل صار دافعا لإجتهاد المصريين فى بذل أقصى الجهد عندما يطلب منهم ذلك لبناء مصر وتنمية مواردها  ! لأن هناك شعورا بالحرية غير مسبوق سرى فى قلوب وعقول المصريين فاستمتعوا بانتخابات حرة نزيهة بجد وهنا فقد أذهل المصريون العالم مرة ثانية عندما نزلوا الى الانتخابات بأعداد فاقت من يشارك فى الانتخابات فى اعتى الدول الديمقراطية وهى أمريكا بعد ان أذهلوه أولا فى ثورة بيضاء أسقطت أعتى الأنظمة المستبدة المتجذرة بفسادها وأمنها فى المجتمع المصرى خلال 18 يوما ولله الحمد والمنة ! لأنه قد تم جمع أغلب – وليس كل – قيادات النظام المخلوع فى قضايا يحاكمون فيها عما اقترفت أيديهم من فساد وإفساد رغم بطء المحاكمات ! 

تلك بعض أسباب الفرحة التى انتابت المصريين  على سبيل المثال وليس الحصر إلا أن القلق لم يغادر المصريين بعد هذه الثورة العظيمة لأن هناك إحساسا بالخوف من المستقبل انتابهم عندما زادت حدة الخلاف بين الثوار وتعددت وجهات النظر التى ساند بعضها إعلاما قويا يقوده بعض الفلول من الإعلاميين الذين ارتزقوا من النظام البائد فأشعلوا القلق فى قلوب المصريين وصوروا الأمر لهم على انه صراع على تورتة يحصدها من لم يشارك فى الثورة وان الفوضى قادمة لا محالة ! وقد ساعد على هذا الإحساس تربص فلول النظام من حزبيين ورجال اعمال وبقية أجهزة أمنية تمتعت واغتنت فى ظل النظام السابق ودانوا له بالولاء فأرادوا هدم الثورة ومكتسباتها !! 

لقد سيطرعلى هؤلاء أن ماحدث لعب عيال وخيانة من الخارج وأن هذا السقوط السريع لا يعبر عن واقع الحال الذى يحاولون إثباته بمؤمراتهم المستمرة ولعل من الأمانة أن نقول أن المجلس الأعلى العسكرى كان مشاركا فيما يحدث بتباطئه وإتاحة الفرصة لهؤلاء كى يستجمعوا قوتهم ويدبروا أمرهم تماما كما فعل يوم موقعة الجمل عندما ترك البلطجية ومن حشدهم أعضاء الحزب الوطنى المنحل على مستوى الجمهورية يدخلون على الشباب الأعزل فى محاولة أخيرة لفض الاعتصام قبل قراره بعدم التدخل ضد المتظاهرين وتنحية الرئيس المخلوع !! ومازالت المحاولات مستمرة لكن الشعب المصرى الذى صار وحيدا فى مواجهة هؤلاء إلا من نصر الله الذى تنزل عليهم يوم 11 فبراير 2011 ونجح بفضل الله فى إقصاء الفلول من دخول البرلمان القادم اللهم أعدادا لا تتجاوز عدد أصابع اليدين حتى الآن وتم عزلهم شعبيا وهو أقوى من اى عزل سياسى كنا نتمناه منذ البداية ! أيضا محاولات تحويل الثورة الى معارك دموية والاعتداء على مؤسسات الدولة وهو مالم يحدث فى يناير 2011 وهذا ما يصيب البعض بالتخوف من تحويل الثورة العظيمة التى أذهلت العالم الى فضيحة دموية يزداد اشتعالها كلما زادت الدماء التى تراق بعفل فوضويون دخلوا المشهد استغلالا لضعف وبط الأداء من المجلس العلى العسكرى لتشويه صورة الثوار الحقيقيون!! 

وفات هؤلاء ان الثورات تحقق أهدافها بوسائل عدة ولا تقتصر على وسيلة واحدة قد تفقد قيمتها بمرور الوقت وتحتاج الى اكتساب شرعية أخرى تحقق بها نفس الأهداف طالما لم تكتمل أهداف الثورة التى قامت من أجلها ! ومصر بين الفرحة والقلق تشكونا الى الله وهى تحتاج الى حكمة أبنائها  وقدرتهم على مواجهة أعداء الثورة فى الداخل والخارج الذى يدعم المناوئين بكل اشكال الدعم عسى أن ينتج نظاما يحقق مصالحه الدولية والإقليمية ويصبح كنزا استراتيجيا لهم ! لكن هيهات أن يتحقق ذلك طالما بقى أبناء مصر كلهم أيدى واحدة وصف واحد فى مواجهة التحديات المفروضة على وطنهم كما كانوا فى ميدان التحرير طوال ثمانية عشر يوما فإن الله يحب المخلصين


دكتور محمد جمال حشمت

أستاذ جامعى ونائب بالبرلمان المصرى

إضافة تعليق