بعد أن زور مبارك وعصابته انتخابات 2010 بشكل مستفز وبغباء شديد أعلنت القوى السياسية المعارضة انشاء مجلس شعب موازى يعبر عن كل أطياف الشعب المصرى وكان مقره حزب الغد الجديد الذى أقام نموزجا مصغرا لمجلس الشعب فى إحدى غرفه وقال المخلوع جملته الشهيرة فى استهزاء واضح لا تخطئه أذن " خليهم يتسلوا " وقد حضرت كعضو مشارك فيه أخر لقاء لهذا المجلس قبل ثورة 25 يناير وقد اتفق الجميع على المشاركة فى النزول للتحرير وكنت فى ذلك الوقت منشغلا بطباعة كتابى الأخير " التزوير جريمة دولة وتجربة نائب " فى محاولة لعرضه فى معرض الكتاب القادم وقتها فى 26 يناير والذى لم يفتتح لبدء الثورة المجيدة ! وقد كان موعد أعضاء المجلس الموازى ونواب الشعب من جماعة الإخوان المسلمين ونشطاء ورموز القوى السياسية الأخرى الوقوف أمام دار القضاء العادى عقب صلاة الظهر وتجمعنا من كل التوجهات والفصائل الوطنية فى وقفة طويلة نهتف ونرى كيف تزداد أعداد قوات الأمن المركزى من حولنا يضيقون علينا الوقفة والطريق وتزداد الهتافات ويزداد الحماس حتى صلينا العصر فى أماكننا وازدادت الأعداد من الشباب حولنا وجاءتنا الأخبار عن حشود تصل لميدان التحرير بعد كر وفر فينسلخ جزء منا للذهاب لميدان التحرير تطارده قوات الأمن بعد أن تفشل فى منع الحركة تجاه الميدان وهنا يأتينى خبر اعتقال نجلى خالد من أمام مجلس الشعب بعد علقة بالغاز والهروات ضمن أكثر من 150 شاب تجمعوا أمام المجلس !
ودارت اتصالات كثيرة بيننا كقيادات من الإخوان لبدء حشد اعداد كبيرة من أبناء الجماعة لأن قراءتنا للواقع كانت تؤكد أن حماسة ورغبة شديدة سيطرت على أبناء الشعب المصرى الذى بدأت بشايره فى النزول تباعا ومن الأمانة أن نقول هنا أن القوات التى كانت تحاصرنا أمام دار القضاء العالى لم تستعمل عنفا معنا طوال الوقت الذى قضيته حتى صلاة المغرب وقبل أن أتوجه لميدان التحرير ! كان معى نجلى الثانى طارق وتوجهنا الى الميدان الذى وجدت فيه بضعة ألاف وسط جو خانق من بقايا الغاز المسيل للدموع الذى استعمل بكثرة هنا لتفريق المتظاهرين فى الميدان وهناك وجدت أعداد كبيرة من شباب الإخوان الذى التف حولى عندما رآنى وسألنى عن باقى النواب والقيادات وقد كانوا فى طريقهم الى الميدان وطلب منى بعضهم أن اقف على سور الصينية وألقى كلمة فرفضت حيث أتصور أن الأمر لم يكن مجالا للحديث بقدر ما كان عمليا أكثر وقد وجدت بعض الشباب يوزع اقنعة فأخذت واحدا حيث كنت أعانى من دور برد شديد تثيره رائحة الغاز ! كما رأيت بعض الفتيات يقمن بوضع قطرة بالعين للتخفيف من حدة أثر الغاز على العينيين فوضعت حيث أنى أعانى من حساسية بالعين !
وهناك رأيت رموزا كثيرة منهم الأستاذ كمال أبو عيطة الذى بادرنى عندما وجدنى أرتدى الكمامة بقوله "انت خايف حد يشوفك" فقبلتها منه بروح المداعبة واستمر وقوفنا ننظر الى التجمعات التى تأتينا من كل مكان وهنا سألنى شباب الإخوان ماذا تتوقع ان يحدث وكيف ينتهى الأمر من وجهة نظرك ؟ فقلت لهم إذا استمرت الأعداد تتزايد واستمر وجودنا فى الميدان حتى الصباح وصمدنا عدة أيام سيسقط النظام لذا فأنا متأكد أنكم قبل الفجر ستتلقون علقة ساخنة لفض الاعتصام حتى يخلو الميدان فى الصباح الباكر! لم تتأخر نبؤتى كثيرا ففى الساعة الثانية عشر والنصف بعد منتصف الليل بدأت غزوة الأمن المركزى بغباء فقد تم إطلاق الغاز المسيل للدموع بغزارة كما بدأ ضرب الخرطوش بكثافة لمتظاهرين منسحبين وظهورهم الى مطلقى النار من مجانين الداخلية وقد كان طارق ابنى شاهدا على ضابط يحمل خرطوشا ليضرب به شابا بجواره فتصيب رجليه من الخلف ليسقط مدرجا فى دمائه وليس بينهما إلا ربع متر !!
واستمر تتبع الشباب فى الشوارع المحيطة بقوات الأمن التى تحركت فى مجموعات تمسح هذه الشوارع خلف الشباب ! وقد كانت هذه المواجهات والكر والفر من الطرفين مشجعا للشباب لاستمرار هذه المناوشات التى طالت وأجهدت قوات الأمن حتى انهارت لكن بعد أن خلفت شهداء ومصابين كثر فى كل ميادين القاهرة ومصر ! بينما فى مدينتى دمنهور لم تكن التظاهرة كبيرة الحجم فى هذا اليوم حيث نزل من الإخوان فقط الشباب دون حشد والذى بدأ بعدها بثلاث أيام وقد تابعت الأخبار حتى عدت يوم 26 يناير لدمنهور - للإعداد ليوم 28 فى جمعة الغضب - وهو نفس اليوم الذى تم فيه اعتقال قيادات الإخوان واستدعاء كل مسئولى المكاتب الإدارية فى محافظات مصر لمنع الإخوان من حشد ارتعب منه النظام لو حدث وقد حدث رغم كل التهديدات لتبدأ أعظم ثورة فى تاريخ مصر والتى أعادت الروح والكرامة للشعب المصرى وانجزت إنجازا غير منكور ومازالت مطالب وأهداف للثورة لم تتحقق ستجد لها فى أحداث اليوم من تظاهرات واحتفاليات زخما ورصيدا يدفعها للإمام بمشيئة الله والله غالب على امره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
دكتور محمد جمال حشمت
أستاذ جامعى ونائب بالبرلمان
24 يناير 2011