جمال حشمت يكتب ... التحديات التى واجهت وتواجه الإخوان

كان اول هذه التحديات المشاركة بقوة - دون رفع شعارات الإخوان - والانسجام التام مع كل شباب مصر وكل الاتجاهات بعيدا عن اى خلافات قد تفسد حالة الوحدة التى كنا نسعى اليها طوال السنوات السابقة مع تقديم أكثر جهد ممكن لنجاح الاعتصام بتقديم دعم لوجيستى للمعتصمين .


ثانيها بعدما فشلت أخر محاولات النظام فى فض الاعتصام بالميدان بأسلوب البلطجة وإهدار الدماء الذكية للشعب المصرى وصار النصر قاب قوسين مع استمرار للعناد الذى تميز به النظام كان لزاما طمأنة لمن يدفع وراء بقاء النظام بالإعلان عن عدم ترشيح أحد من الإخوان لانتخابات الرئاسة القادمة تقديرا للظروف الداخلية والإقليمية والدولية وقد اتخذ القرار يوم 10 فبراير 2011م قبل تنحى المخلوع بيوم واحد وكنت شاهدا على ذلك ! ومع فشل المجلس العسكرى فى إدارة البلاد والحذر من دوره فى معركة الرئاسة القادمة وهو الاستحقاق الأخير للتحول الديمقراطى وكذلك دعمه لحكومات فشلت فى مكافحة الفساد وحل مشاكل المصريين بل أثارت الشارع بشكل دائم وهيجت الجماهير فى غياب عودة الأمن بشكل حقيقى وإثارة المشاكل فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور لكل ذلك أعاد الإخوان دراسة قرارهم السابق وسط اختلافات فى الرأى أوصلتهم لتقرير نزول أحدهم مرشحا للرئاسة بأغلبية بسيطة ( 56 فى مقابل 54 صوتا) !! (أنظر مقالة ترشيح الشاطر ماله وماعليه)


ثالثها حالة البطء التى اتسم بها أداء الحكومات التى جاءت بعد التنحى وبقاء كثير من الرموز فى أماكنهم مما استلزم فى البداية المشاركة فى خمس مليونيات للضغط فى اتجاه تغييرات لازمة ثم بدا الخلاف الأول حول وضع الدستور أولا أم الانتخابات أولا قبيل استفتاء 19 مارس وبعده مما جعل الإخوان يعيدون حساباتهم فى مليونيات كانت تدعو للدستور أولا بعد إجراء الاستفتاء أو الرغبة فى الصدام مع المجلس العسكرى وهو المؤسسة الوحيدة المتبقية فى مصر بعد حل مجلسى الشعب والشورى وانهيار الجهاز الأمنى وحل المجالس المحلية ووجود وزارة ضعيفة لتسيير الأعمال والأهم هو عدم التنسيق المسبق قبل هذه التظاهرات وموافقة مؤسسات الجماعة ودون جدول واضح للأعمال وسقف للمطالب وطريقة انهاء التظاهرة وتأمينها خوفا من تسلل البلطجية والراغبين فى تشويه التظاهرات السلمية وهو ما حدث فعلا فتم حرق مبانى وإحراق تاريخ مصر واستفزاز أدى الى وقوع شهداء ومصابين جدد مما إصاب الشعب بملل من تكرارها وكثرة ضحاياها ! وهو ما أثار غضب بعض الاتجاهات السياسية من الإخوان !


رابعا بعد التعديلات الدستورية والسماح بإنشاء الأحزاب بدا انشاء الحزب وإعداد العدة لانتخابات برلمانية فى وقت قصير مهمة صعبة للجميع حتى لحزب الإخوان الوليد لذا فقد استعان الحزب بإمكانات الإخوان وقوائم المرشحين الذين تم إعدادهم من قبل بمعرفة القواعد الإخوانية فى الانتخابات البرلمانية وقد حققت نجاحا فى هذه الانتخابات مما يعجل بتفعيل الحزب لممارسة اى انتخابات قادمة اعتمادا على قواعد الحزب بشكل أساسى التى تمارس عملا سياسيا يجمع ولايفرق ويجعل من مصلحة مصر الهدف الأعلى .


خامسا ظهور التيار السلفى متعدد الأطياف فى شكل أحزاب سياسية وخوضه الانتخابات البرلمانية أثار كثير من المخاوف منها


عدم وجود مراجعات فقهية للفتاوى التى صدرت من قبل تمنع الخروج على الحاكم أو تفسق من يخوض الانتخابات أو تكفر بالديمقراطية باعتبارها أليات لجعل الشعب هو مصدر السلطات وغير ذلك مما اشتهر به التيار السلفى فى محاولة للوصول لحالة من الانسجام النفسى والتراضى الفقهى كما فعلت الجماعة الاسلامية التى أقرت بخطأ بعض فتاويها وراجعت نفسها فى كثير من الثوابت التى كانت تحكم حركتها فى العشرين سنة الماضية وهو عمل جليل يحظى باحترام الجميع !


ومنها حداثة العهد بالعمل السياسى بالنسبة لهم والذى يحتاج الى حالة من الوعى والكفاءة والخبرة والقدرة على تقديم المنهج الاسلامى ببساطة ووضوح وحب ورغبة فى تقديم الخير لكل المصريين دون تفزيع أو ترهيب وربما لو فشل أبناء التيار السلفى فى ذلك بتصريحات أو مواقف تثير الفزع أو سوء الفهم قد يؤثر ذلك على مجمل العمل الاسلامى ولن يفرق أحد بين فصيل واخر خاصة وأن الترصد والتتبع لكل همسة تصدر سيكون على أعلى مستوى فى محاولة لتشويه التجربة التى تعتبر املا غاليا لكل المصريين .


ومنها الفشل فى عمل توافق عام يجمع كل النواب على مختلف تنوعاتهم واتجاهاتهم على موقف واحد فى القضايا العامة فى وقت لن يفلح أى عمل سياسى أو اقتصادى أو تنموى لإنقاذ مصر إلا بايدى كل المصريين وبالتوافق العام بينهم ولن ينجح فصيل أو حزب أو جماعة مهما كانت قدرتها وحجمها على إتمام هذه النهضة بمفردها


ومنها النجاح فى تقديم نموزج متميزلحكم اسلامى ناضج لا يفزع منه إلا الكارهين للإسلام فى الداخل والخارج ! وأداؤهم حتى الآن لابأس به ونرجو أن يتطور للأفضل ان شاء الله ! وعلى قدر النجاح فى تقديم نموزج جديد تنموى يجمع بين الأصالة والمعاصرة ينهض بمصر من كبوتها وتخلفها الذى حققه النظام البائد تكون الثقة فى المنهج الاسلامى الذى حرم من أن يتقدم فى ظل حرب شديدة ضده" إن الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون"


سادسا رغبة بعض الاتجاهات فى إفشال تجربة تواجد الاسلاميين فى سدة العمل السياسى سواء كان برلمانيا أو تنفيذيا خاصة وقد هدد البعض بإثارة القلاقل والشغب والاعتصامات بشكل يومى يسبب الإجهاد والتوتر والانشغال الدائم عن الإنجاز وهو ما يحتاج الى يقظة ووعى وشفافية تعزز الانجاز وإعلام يوضح الحقائق بغير تهويل أو تهوين وقدرة على استيعاب هؤلاء خاصة وأنهم قلة يمكن التواصل وإدارة حوار معهم بعيدا عن الإقصاء أو مواجهتهم بنفس أساليبهم المرفوضة !


سابعا التشويه الإعلامى المستمر خاصة وأن فلول الحزب الوطنى المنحل ورجال الأعمال الذين صنعوا ملياراتهم فى ظل النظام الفاسد المستبد الظالم الذى كان يحتل مصر طوال عشرات السنيين الماضية هم من يسيطر ويتملك معظم وسائل الاعلام الخاص بل يشرع البعض منهم فى تكوين إمبراطورية إعلامية ضخمة بشراء معظم القنوات الفضائية حاليا لتوحيد السلوك الاعلامى إزاء من يعتبرونهم الوريث غير الشرعى لنظامهم الفاسد وخوفا من ملاحقة جنائية لما ارتكبوه من مخالفات وتجاوزات وسرقة ونهب فى المال العام لعل ذلك فى ظنهم يحقق مقايضة أو يوفر لهم حصانة فشلوا فى الحصول عليها فى انتخابات حرة نزيهة لأول مرة فى مصر منذ عشرات السنيين وقت المحاسبة !  خاصة وأن المذيعين والمذيعات من المتحولين وأغلبية ضيوفهم من الكارهين للحركة الاسلامية ويفتقدون لقواعد شعبية وليس لهم إلا الصحافة والفضائيات !


ثامنا الخوف من تراجع المجلس الأعلى العسكرى عما أعلنه مرارا من رغبته فى التخلى عن حكم مصر وتسليمها للمدنيين وهو تخوف لابد من الحذر منه ودراسة احتمالاته تحت تأثير ضغوط خارجية تتخوف من صعود الاسلاميين فى دولة محورية مثل مصر!  وهو ما يستلزم تبنى خطاب يطمئن الخارج على مصالحه التى لا تتعارض مع مصالح مصر والمصريين وأن التعامل فى ظل ندية لا تسمح بمقايضة مبادئ بمصالح وتحترم المعاهدات والقوانين الدولية وتعلى من قيمة مصر والمصريين فى مجال العلاقات الخارجية هو الأساس ! وهو تخوف مشروع للفشل المستمر فى الإدارة المدنية للعسكر طوال عام مضى مع عدم الاعتراف بذلك ولوجود توجهات متضاربة داخل المجلس الأعلى تجلت فى تصريحات البعض مما كان يعبر عن وجهة نظره الشخصية واستلزم تدخلا بالنفى من المجلس فى بياناته المتكررة.


اخيرا يتضح أن الإرتكان الى جناب الله وشرعه وقيم الاسلام وأخلاقه والثقة فى النفس وحسن التصرف والرغبة فى عدم الانفراد وإقصاء الأخرين و البعد عن التعسف فى الأداء مع إحساس عالى بحقوق المواطنة وتساوى كل المصريين أمام القانون فى ظل قضاء مستقل وجمع كل المصريين حول هدف كبير لتنمية مصر وتحقيق ريادتها هو المخرج لمواجهة كل هذه التحديات ان شاء الله.


دكتور محمد جمال حشمت

أستاذ جامعى ونائب بالبرلمان المصرى

8 إبريل 2012

إضافة تعليق