د. جمال حشمت يكتب : أليس منهم رجل رشيد؟

مارس برلمان الثورة دوره فى حدود اماكنات نوابه التى لم ترتب الأولويات ترتيبا يناسب المرحلة التى كانت تستوجب اتخاذ كافة الإجراءات لإنهاء وجود ما تبقى من النظام البائد وذلك يعود الى حالة عدم الثقة التى شجعتها بعض القوى التى زايدت على الثورة واشغلت وقت المجلس فيما لا يستحق ! مع غياب الحوار على أجندة واحدة لكل الأحزاب والقوى السياسية وكنت شخصيا أعول على اللجنة العامة التى تضم كل أطياف المجلس لكنه مارس عملا روتينيا  لا يناسب المرحلة رغم أن الجميع كان ينظر الى المجلس فعلا على أنه برلمان الثورة لذا تسارع المتأمرين الى حله ! ولعل الطهارة السياسية التى كانت أغلب الأحزاب و الشخصيات العامة تعيشها بلا تاريخ فاسد إلا قليلا من المحسوبين على الماضى ! سمح بالاقتراب من قضايا وقوانين لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منها وهنا تتفاوت الأراء هل كان من المناسب الدخول بقوة فى هذه المناطق الملغومة مبكرا أم لا ؟ وبين مؤيد باعتبار ذلك عهد ووعد للناخبين لتصحيح الأوضاع وتطهير الدولة من الفساد وهم الأغلبية وبين مطالب بالموائمة والتدرج فى مواجهة الفساد وهم أقلية من كل التيارات ! فمثلا قانون الحد الأقصى مثل رعبا لقطاع عريض من المسئولين وكذلك الغاء محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية مثل تقليما لأظافر العسكريين أضف الى ذلك الإعلان عن نية مناقشة قانون استقلال القضاء وما يمثله من خطورة على البعض هيئات وأفراد وتعديلات كثيرة لمنح الأجهزة الرقابية حصانة تمنع التدخل وحماية الفساد (مثل الجهاز المركزى للمحاسبات و هيئة التوثيق العقارى والنيابة الإدارية وغيرها ) ولاننسى هنا القوانين التى تخدم مختلف فئات المجتمع ( مثل عودة الانتساب للكليات والثانوية العامة فى عام واحد وتثبيت العمالة و ضم الصناديق الخاصة والتأمين الصحى للمرأة المعيلة والأطفال دون السادسة ورد اعتبار أساتذة الجامعات فوق السبعين وزيادة مرتبات أعضاء هيئة التدريس وأمناء الشرطة وضباط الشرطة والنظر فى كادر المعلمين ونزع رحلات الحج من سيطرة الداخلية التى أهدرت كرامة المصريين مرارا وتكرارا فى الرحلة المقدسة وقانون الانتخابات الرئاسية الذى يجعل النتائج أكثر شفافية ) وكان فى الطريق كادر الأطباء والتأمين الصحى الشامل وزيادة مرتبات أفراد القوات المسلحة الذى أفزع وزارة الدفاع فلم ترد على لجنة الاقتراحات والشكاوى وغير ذلك كثير لا يمكن حصره فى مقال ، بدا كأنه يدعم شرعية شعبية حقيقية تؤكد صدق المصريين فى اختيار نوابهم حتى لو كانوا قليلى الخبرة! وهنا بدأت حرب الإشاعات وتلغيم المسارات الجماهيرية  والتوقف عن الاستجابة لطلبات النواب وحرمان الشعب من حقوقه الأساسية وصنع أزمة للبرلمان انتهت بقرار حل عجيب يحتاج الى التوقف أمامه وتأمل أثاره فيتضح الأتى :


مستشار مع أخرين أشرفوا علي ودافعوا عن برلمان 2010 (الذى تم تزويره بالكامل وبفجور) هو هو مع أخرين الذى قرر حل برلمان الثورة (الذى انتخبه 30 مليون مصرى فى أنزه انتخابات شهد لها العالم وأنفقت عليه المليارات من دماء الشعب المصرى)  ومن بعده جاء مستشار حكم بدستورية المادة 76 التى كانت تمهد الطريق لوراثة مصر ! وحكمت المحكمة بعدم دستورية المادة التى وضعها برلمان الثورة وتحرم أعضاء اللجنة العليا للانتخابات من تولى أي منصب تنفيذي في مدة الرئيس المنتخب تحت إشراف اللجنة تبرئة وحماية لهم من القيل والقال !! وكلهم تجاهلوا المادة 38 من الإعلان الدستوري التي تكلمت عن انتخابات ثلثي الأعضاء بالقائمة والثلث فردى . ولم تحدد إذا كانوا مستقلين أو أحزاب فمن أين جاءت عدم الدستورية؟!!! فلا ندرى إلى أي نص استندوا بعدم الدستورية !!! ثم يصدر تقرير المفوضين والحكم في 45 يوما وأعراف المحكمة تجعل تقرير المفوضين وحكم المحكمة في مثل هذه القضايا يستغرق عامين أو ثلاثة مثلما حدث فى برلمان 84 الذى صدر حكم عدم دستو ريته عام 87 وكذلك عام 90 !!! الأخطر من كل هذا أن الحكم تسرب الى رئيس الوزراء وهدد به رئيس مجلس الشعب الذى يفضح الأداء الحكومى ومؤمرات الوزارة أمام الشعب !ومنذ أكثر من شهر مما يعنى أن التقرير والحكم لم يستغرقا سوى شهر ونصف على الأكثر!! والأعجب من ذلك سرعة إعلان الحكم ونشره فى الجريدة الرسمية قبل نطقه فى نفس اليوم !!! وهل  رفض الدكتور الكتاتنى اصدار قانون بالضبطية القضائية لضباط وضباط صف المخابرات والشرطة العسكرية كما طلب منه !! حيث تصوروا للحظة أن الكتاتنى هو سرور! كان سببا مضافا لسرعة الحكم وإهدار إرادة شعب بفتوى تصيب وتخطئ !!! ورغم أن حكم الدستورية بالحل فى هذا الوقت الحساس الذى تناقش فيه موازنة مصر وعدة قوانين هامة على رأسها ضم الصناديق الخاصة وقانون الجامعات واستقلال القضاء وتعديل قانون الجهاز المركزى للمحاسبات وتحصين باقى الأجهزة الرقابية التى تلاعب بها نظام مبارك المخلوع حتى لا تنكشف سرقات هؤلاء المنتفعين من النظام البائد وينفقون ملياراتهم لإسقاط المجلس وانجاح ممثل المشروع الصهيونى الأمريكى فى انتخابات الرئاسة ! أيضا قرار الحل الذى أصدره المشير إفتئات لاحق له فيه فليس هناك نصا دستوريا يمنحه هذا الحق فلم العجلة بغير سند!؟


هذا الحل فى هذا التوقيت هو إهانة للشعب المصرى الذى انتخب هؤلاء مهما كان أدائهم الفطرى الذى لم يجعل لأى قضية حصانة أو خلفية تمنعهم من الاقتراب منها وكان الأداء يتطور من يوم لأخر ! لكن الكارهين لايودون نجاحا لأغلبية وثق فيها الشعب المصرى ومنحها ثقته كما لم يمنح أحدا من قبل !اليوم نحتاج الى مراجعة سريعة من أصحاب القرار لتأكيد الأمل فى التغيير ولن يحرم أحد من الخير الذى سيعم مصر عندما تتحرر إرادتها وتستمتع بخيراتها أرجوكم عودوا لرشدكم قبل فوضى تعم البلاد بقراراتكم المتعجلة الخاطئة ولعن الله مستشارى السوء فى كل مكان وحفظ مصر والمصريين من كيد أعدائهم لكن ماذا نقول ؟ حسبنا الله ونعم الوكيل وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!


-----------------------------------

أستاذ جامعي ونائب برلماني

إضافة تعليق