د.جمال حشمت يكتب : 23 يوليو وشرعية الثورة

يحلو للبعض أن يضع ثورة يوليو فى مواجهة ثورة يناير رغم الاختلاف الشديد بينهما فلقد كانت ثورة يوليو حركة لضباط الجيش الذى رتع فيه الفساد وثار الضباط على الوضع القائم فى صورة انقلاب عسكرى تحركت فيه الأسلحة الثقيلة وتم اعتقال القيادات وعندما أصبح الصباح انضم الشعب المصرى الى الضباط واتخذت الحركة منهج الثورة الشعبية التى طالبت بالحرية والديمقراطية وكانت تمثل الشرعية للرئيسين محمد نجيب وجمال عبد الناصر وانتهى زمن نجيب عندما حاول إعادة العسكر الى ثكناتهم وانتهت دولة عبد الناصر بهزيمة 67 .


وبدأ السادات حكمه على خلفية ثورة يوليو حتى أفاء الله على مصر بنصر أكتوبر وهنا بدا السادات أنه يرتكن الى شرعية النصر فيما تبقى من حكمه وجاء مبارك بلا رؤية وبلا شرعية محددة فتارة يحتفى بثورة يوليو وتارة يعتبر نفسه هو مفجر نصر اكتوبر كما أراد حواريوه أن يصوروا لنا وله ذلك !! لكنه رغم طول فترة حكمه لم يكن مؤهلا لقيادة رشيدة أو ريادة حكيمة رغم مكانة مصر العظيمة وإمكاناتها المتعددة وتاريخها المتفرد فلم يكتب له نهاية مشرقة مع شعبه بل نزع الملك منه انتزاعا فى ثورة غير مسبوقة ونتائجها غيرت وستغير العالم من حولنا بمشيئة الله وحوله وقوته .


وهنا تبدو شرعية ثورة يناير أرسخ وأقوى مهما بدا غير ذلك فى هذه الأيام !! فلقد ثار شعب ولحق به جيشه قيادة وجنودا مهما كانت النوايا والأهداف وهنا لا يصح المقارنة بين الثورتين أو محاولة إلغاء واحدة لحساب الأخرى فكلاهما كان يمثل مرحلة هامة فى تاريخ مصر والمصريين !  


فلقد أدت ثورة يوليو دورها بما لها وما عليها وقد كان أثرها عظيما فى مصر وخارجها وهنا لا يمكن أن ننسى أن واحدا ممن يعشقون هذه الثورة ويتعايش معها بشكل دائم وهو الأستاذ حمدين صباحى قد أجرى مراجعة منصفة لمسار الثورة وأزعجه غياب الديمقراطية طوال تاريخها بل واعتذر عن القسوة فى معاملة الخصوم وهو ما سمعته منه شخصيا وأعلنه كثيرا وأعتقد أن ذلك ينهى أى خصومة مع الثورة بشكل عام وتبقى النفوس والقلوب بين يدى الرحمن يقلبها كيف يشاء ! .


أما ثورة يناير فقد فتحت صفحة جديدة فى حياة الشعب المصرى حيث عرف المصريون لأول مرة الانتخابات الحرة وأول رئيس مدنى فى تاريخ مصر القديم والحديث ورغم كل التحديات التى تواجهه وكل المعوقات التى توضع أمامه من اللصوص الذين سرقوا مصر عشرات السنيين ولا يرغبون فى عودتها مرة أخرى لأبنائها ورغم محاولات المجلس العسكرى التى يديرها من خلف الأستار فى محاولة لإفشال التجربة الفريدة إلا أنه لن يصح إلا الصحيح ان شاء الله ! .


وأعتقد أنه بعد أكثر من 60 عاما من سيطرة العسكريين على مقدرات البلاد ليس من الحكمة الدخول فى صراع حول من يتفرد بالحكم فى هذه المرحلة والأولى حوار يقنع الجميع أن الوجود العسكرى فى السياسة بهذا الشكل غير مقبول وأن هناك أدوار أهم يجب على المجلس العسكرى أن ينشغل بها وهذا يؤسس الى دولة مدنية لا عسكرية تتبادل فيها الشخصيات أدوارها حفاظا على أمن مصر وقوة مصر وهيبة مصر ولن يكون هذا فى ظل خلاف أو صراع .


وأعتقد أن المجلس الأعلى الحالى يدرك أنه يتعامل مع شعب حى لن يقبل باستنساخ أي منظومة فاسدة تكبل حريات الشعب أو تقضى على محاولات نهضته ولن يقبل بسلطة أعلى من إرادته لتفرض عليه الوصاية مرة أخرى بعد أن صار مالكا لا أجيرا ومواطنا كامل الأهلية فى وطن نكافح الآن من أجل استخلاصه من أيدى المخربين الذين لا يرجون لمصر حرية ولا تقدما ولاكرامة بعد أن فقدوا حريتهم وشرفهم وكرامتهم فى ظل نظام استذلهم وأهانهم وسخرهم لخدمته فاستعذبوا ذلك وهم اليوم لايرون حياة ولا مستقبل فى غير ما تعودوا عليه وهذا سر مقاومتهم للشرعية وخيانتهم للثورة باءوا بخسران مبين .



دكتور محمد جمال حشمت

أستاذ جامعى ونائب بالبرلمان

22 يوليو 2012

إضافة تعليق