د. جمال حشمت يكتب : مادة الشريعة بين الإفراط والتفريط

أتعجب كثيرا على إثارة الغبار بشكل مستمر حول المادة الثانية فى الدستور التى تحدد هوية مصر ولغتها ودينها ومصدر التشريع فيها وقد حظيت الصياغة التى احتواها دستور 71 بالرضا من الأغلبية حتى الآن مسيحيين ومسلمين ومن كل التيارات على قلة أعدادهم مثل العلمانية والليبرالية واليسارية وغيرها والى هنا يبقى التساؤل علاما يختلفون فى الجمعية التأسيسية إذن ؟  طالب الإخوة المنتمين للتيار السلفى بتغيير المادة إما بحذف كلمة المبادئ أو بذكر كلمة أحكام فى نص المادة التى تقول " ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع" وهنا ثارت الشكوك وجاء من أضاف مرجعية الأزهر لتفسير المادة كلما اختلف عليها وهناك من طلب إضافة استكمال يسمح لأصحاب الأديان السماوية الإحتكام لشريعتهم فى الأحوال الشخصية ودخل فى الحديث من يريد تأجيج نار الفتنة وظهر من يرفض المادة بأكملها وبدت المزايدات بين إفراط وتفريط تتصدر المشهد رغم أن الأمر أبسط من ذلك بحكم التاريخ والتجربة وهناك موقفين أذكرهما لتبيان أن ما حدث لا يخدم أبدا المخلصين من أهل مصر بل يفتح باب فتنة لا مبرر لها وأن نص المادة كما هى لا غبار عليها بالنسبة للمسلمين والمسيحيين هو الحل الأمثل دون زيادات أو مزايدات !


أولا: البابا شنودة استند الى نص المادة الثانية كما هى عند رفضه لحكم قضائى بات بالسماح بالطلاق لغير الأسباب التى اتفق عليها المجمع الكنسى صدر من المحكمة الإدارية العليا منوها أن هذا الرفض تنفيذا لنص المادة الثانية التى تؤكد على أن الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيس للتشريع وهو ما يسمح للمسيحيين بالاحتكام الى شرائعهم فيما يخص الأحوال الشخصية وهو فهم راقى وواضح ومباشرلنص المادة التى أثاروا بسببها حوارات ومناقشات لاضرورة لها !!


ثانيا : أنه فى ظل هذه المادة بنفس ألفاظها وثقت مضبطة الجلسة السبعين فى أول يوليو 1982 فى ختام دور الانعقاد لمجلس الشعب المصرى تم الانتهاء من تقنين الشريعة الاسلامية بعد أن اتخذ المجلس قراره بالبدء فى التقنين فى جلسة 17 ديسمبر 1978 وفى خلال أربع سنوات شكلت فيها اللجان المتخصصة وحشد لها كل علماء مصر فى كل كل المجالات تم الانتهاء من تقنين الشريعة وفى كلمة الدكتور صوفى أبو طالب فى هذه الجلسة :


" أن وضع الشريعة الاسلامية موضع التطبيق والنزول على أحكامها هو عودة بالشعب المصرى بل بالأمة العربية والاسلامية كلها الى ذاتها العربية والاسلامية بعد اغتراب عشناه فى ظل القوانين الأجنبية أكثر من قرن من الزمان وأنه إنهاء للتناقض بين القيم الأخلاقية نبت هذه الأرض الطيبة والسياج الحضارى الذى يربط شعبها وبين القوانين الوضعية "


" وقد روعى فى إعداده وسيراعى فى تطبيقه أحكام الشريعة الاسلامية والمبادئ الدستورية على السواء بما فيها حرية العقيدة لغير المسلمين ويكفل المساواة بين المسلمين وغير المسلمين فى الحقوق والواجبات كما أنه يتعين تفسير أى نص فى الدستور بما يتفق مع باقى نصوصه وليس بمعزل عن أى منها كما أنه من المسلم به أن مبادئ الشريعة الاسلامية السمحاء تقرر أن عير المسلمين من أهل الكتاب يخضعون فى أمور أحوالهم الشخصية من زواج وطلاق وغيرهما لشرائع ملتهم وعلى هذا استقر رأى فقهاء الشريعة منذ أقدم العصور "


" أهم الملامح الرئيسية للتقنينات الجديدة تظهر فيما يلى :


1- أن هذه التقنينات مأخوذة من الشريعة الاسلامية نصا أو مخرجة على حكم شرعى أو أصل من أصولها وذلك دون التقيد بمذهب فقهى معين ومن هنا استنبطت الأحكام من أراء الفقهاءالتى تتفق وظروف المجتمع


2- حرصت اللجان الفنية التى تولت إعداد هذه التشريعات على بيان الأصل الشرعى لكل نص من النصوص أو الأصل أو المبدأ الذى خرجت الحكم عليه حتى يمكن الرجوع فى التفسير والتأويل الى مراجع الفقه الاسلامى بدلا من الالتجاء دائما للفقه الأجنبى


3- أما بالنسبة للعلاقات الاجتماعية والمعاملات المالية الجديدة التى استحدثت ولم يتطرق لها فقهاء الشريعة اجتهدت اللجان فى استنباط الأحكام التى تتفق وظروف المجتمع وروح العصر بشرط مطابقتها  لروح الشريعة الاسلامية وأصولها ومن أمثلة ذلك معاملات البنوك والتأمينات وطرق استثمار الأموال.


4- إنه فى سبيل الحفاظ على التراث الفقهى المصرى ومبادئ القضاء التى استقرت طوال القرن الماضى فقد حرصت اللجان على الأخذ بالمصطلحات القانونية المألوفة ولم تخرج عليها فى الصياغة إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك ، أما المضمون والمعانى فهما مطابقان للفقه الاسلامى.

والتشريعات التى تم انجازها هى :


1- مشروع قانون المعاملات المدنية ويقع فى أكثر من 1000 مادة ( المقرر د جمال العطيفى)


2- مشروع قانون الإثبات  ويقع فى 181 مادة ومشروع قانون التقاضى ويقع فى 513 مادة (المقرر ا ممتاز نصار)


3- مشروع قانون العقوبات : القسم العام والحدود والتعزيرات ويقع فى 635 مادة ( المقرر ا حافظ بدوى)

4- مشروع قانون التجارة البحرية ويقع فى 443 مادة ( المقرر المستشار احمد على موسى)

5- مشروع قانون التجارة ويقع فى 776 مادة ( المقرر د محمد كامل ليلة)


مازالت كلمة رئيس مجلس الشعب تنطق بالحق وبالمجهود الذى بذل فى أربع سنوات حتى تهدأ نفوس المتشددين وتسكن نفوس المحرضين ولايوفر كل منه جهده للتصويب فى الاتجاه الصحيح دون تكرار أو تضييع للوقت والأهم فى حديث رئيس المجلس هو كيفية تطبيق هذه التشريعات فيتحدث عن كيفية التطبيق فيقول " إن هذا العمل التاريخى الذى كانت إشارة البدء فيه من مجلسكم الموقر مازال بحاجة الى جهد جهيد يتعين أن يسعى اليه كل الذين يريدون للشريعة الازدهار ، كل فى مجال تخصصه وهذا يقتضينا أن نبدأ منذ الآن بما يلى :


1- تهيئة المناخ الاجتماعى لقبول التقنينات الجديدة ويكون ذلك عن طريق وسائل الاعلام المتعددة وعقد جلسات استطلاع فى الموضوعات التى جدت فى المجتمع بعد قفل باب الاجتهاد وتبنت اللجنة بعض الأراء فيها


2-  يتعين تنظيم دورات تدريبية حتى ينفتح المجال أمام القضاة لدراسة واستيعاب التشريعات الجديدة


3-  يتعين تغيير برامج كليات الحقوق فى الجامعات المصرية بما يتمشى مع التقنينات الجديدة

ثم أعطى لمقرر كل لجنة الفرصة لاستعراض الخطوط العريضة لكل تشريع !! انتهى


والشئ بالشئ يذكر عندما تقدم أحد نواب حزب النور بمشروع قانون حد الحرابة قلت فى لجنة الاقتراحات والشكاوى أنه لا داعى لعرض اجتهادات جديدة لم تأخذ حظها فى الدراسة بل جمعت من أمهات الكتب دون تدبر أو صياغة ولنبث الروح فيما تم من مجهود حتى لا نكون كالتى نقضت غزلها من بعد أنكاثا قوة !


وأرجو من الذين يثيرون اللغط بدون وجه حق عند المادة الثانية اتركوها ففى ظلها – بدون أى تعديل – احتكم المسيحيين فى مصر الى شريعتهم وتم تقنيين الشريعة الاسلامية الى مواد قانونية جاهزة للمراجعة والإقرار من مجلس حيل بينه وبين أداء دوره وهو الذى حصل على شرعية فاقت كل الشرعيات فى مصر لكن ماذا نفعل للمتآمرين والمتربصين لوقف التطور الطبيعى لمصر ما بعد الثورة بل يرغبون فى إفشال الثورة التى هددت نفوذهم وفضحت فسادهم وأظهرت عمالتهم !


أرجو منهم أن يتريثوا قبل إثارة المشاكل ويبحثوا على نقاط الاتفاق وعما تم انجازه حتى لا تضيع أوقات قد نندم على ضياعها فيما بعد اللهم  بلغت الله فاشهد


دكتور محمد جمال حشمت

استاذ جامعى ونائب بالبرلمان

إضافة تعليق