المناصحة لا المعارضة حتى الموت !

النصيحة من الأخلاق الاسلامية التى لها عظيم الأثر فى حياة الأمة كلها يدعو اليه المنهج الاسلامى فى التربية  فيجعل من الإنسان إنسانا منتجا حتى عندما يعترض أو يغضب ولا يفسح له المجال كى يبقى معارضا على الدوام بل ينصحنا النبى الأعظم صلى الله عليه وسلم " لا تكونوا إمَّعَة تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم: إن أحسن  الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا" رواه الترمذى ، وهنا ندرك أن التصدى للعمل العام يحتاج الى تربية وقد نجحت منظمات وجماعات فى ذلك وفشلت أخرى بل هناك فى أوروبا وقد كنت فى المانيا منذ أيام وجدنا أن التربية السياسية تبدا من الصفوف الابتدائية وقد رأيناهم وهم يزورون البرلمان والأحزاب السياسية لذا فسن الترشح للبرلمان هناك 18 عاما بينما نحن هنا قد يموت الكبير ولايدرى ماهى الأحزاب ؟ وكيف يعمل البرلمان ؟ !! هذا النوع من التربية يجعل أصحابه أكثر واقعية فهم لايعارضون بشكل دائم ويقدمون ما لديهم من بدائل مثلما قدمت كتلة الإخوان عام 2007 34 مادة بدلا من المواد التى قدمها الحزب الوطنى لتعديل الدستور وقتئذ!


التجارب التى مررت بها بشكل شخصى فى ظل الحزب الوطنى البائد الذى استولى على الحياة السياسية والاقتصادية فى مصروأفسد الحياة الاجتماعية وتدنت فى وجوده الحياة الثقافية والفنية كانت تقوم على هذا الخلق فلقد كنا نقاوم فساد وظلم واستبداد نظام أمنى متوحش وذلك بالإصرار على ممارسة حقوقنا السياسية ولم نستسلم أبدا لكل محاولات الإقصاء حتى لو كان الثمن اعتقالات وسجون وتغريب ومنع من التعيين أو السفر أو الترقيات والمكافأت بل والتعذيب والقتل أحيانا!! وعندما شاركنا فى العمل السياسى سواء فى البرلمان أو المحليات قدمنا نموزجا من العطاء ونقدا للفساد فى نفس الوقت على قاعدة إذا أحسنوا قلنا لهم أحسنتم وإذا أسأوا قلنا لهم أسأتم ! ولم نشغل بالنا أن ما ننجزه قد يصب فى نهاية الأمر لصالح هذا النظام الفاسد كما يتحسب البعض الآن ويجعل كل نجاح يحققه الرئيس (ابن الإخوان والحرية والعدالة ) يسحب من رصيد المعارضين ويوطد لدولة يحكمها مصريون من أصحاب المرجعيات الإسلامية التى تكرهها فرق أو فصائل أو حتى دول تساندهم !! لذا هم دائما فى حالة معارضة بشكل وصل الى حد السخافة التى أثارت لهم كثير من المشاكل وسحبت من رصيدهم فى الشارع !


ونمازج ذلك لاتعد ولاتحصى فعندما يؤدى الرئيس مرسى صلواته العادية فى احد المساجد نسمع الصراخ اليسارى عن المتاجرة بالدين وخلط الدين بالسياسة


وعندما يذهب بعض السياسيين لعقد مؤتمرات فى الكنائس بصبغة سياسية كاملة وتحريض واضح ضد الشرعية نرى الصمم والصمت يصيب اصحاب الحناجر الفضائية


عندما يقوم الاسلاميون بتوزيع الزكاوات والصدقات على المحتاجين او عمل اسواق خيرية فى المناطق الشعبية والفقيرة نسمع الصراخ اليسارى والعلمانى عن استغلال حاجة البسطاء لاغراض سياسية وشراء اصواتهم الانتخابية


وعندما يقوم حزب جديد يفتخربعلمانيته بتوزيع الكعك والحلوى على الفقراء وعمل اسواق خيرية فى مناطق فقيرة نسمع التطبيل عن الالتحام الشعبى والعدالة الاجتماعية ونرى صمم وصمت الحناجر الفضائية


اليسار المصرى والليبرالية المصرية يبدآن من حيث انتهى الاخوان والاسلاميون بعشرات السنوات وبنفس المنهج والاعمال التى طالما استنكروها وتهجموا وتهكموا عليها ولا مانع أبدا لكن عليهم – ولا نشترط ذلك بشكل عاجل – لو أنصفوا لاعترفوا بخطأ اتهاماتهم السابقة للاسلاميين والاعتذار عنها صراحة أو التوقف عن تقليدهم فورا !


أما عن الإعلام فقد مارس دورا سيسطر فى التاريخ بحروف من نار قدر ما أحرقوا فى الوطن من قيم وحقائق وثوابت  نموزج ذلك على سبيل المثال " الإخوان سيدمرون السياحة ووجودهم خطر على أكبر مصدر للدخل فى مصر"!!!! فى الوقت الذى صرح وزير السياحة هشام زعزوع بالقول أنه نجح في رفع الحظر الصيني عن السفر إلى القاهرة والإسكندرية، وبالتالي بدأت مصر الترويج لمنتجاتها في السوق الصينية خصوصًا المنتج الثقافي، مشيرًا إلى أنه التقى 20 من منظمي الرحلات وتم الاتفاق على منحهم تسهيلات على الطائرات الشارتر (المؤجرة) إذا تم تسييرها إلى مصر.


وأشار إلى أن عدد السياح الصينيين في عام 2010 بلغ 107 آلاف سائح ونسعى حاليًا حتى نهاية 2013 للوصول إلى 150 ألف سائح صينى، والمستهدف هو 1% من السياحة الخارجية الصينية، بحيث تصل إلى مليون سائح فى 2020."


لم يقف الأمر عند هذا الحد بل دفعت العصبية الحزبية والصراع السياسى بعض السياسيين الى تهديد المصالح المصرية وتشويه صورة البلاد أمام المستثمرين ليمنع تدفق أموال الاستثمارات ليؤكد ما تنبأ به مسبقا من فشل الرئيس فى إحداث أى تقدم اقتصادى ليسقط وتبقى المنافسة على مقعد المسئولية عار يتحمل وزره هؤلاء حتى لو خربت مصر!!!


ولو أنصفوا لقالوا مثل ما قالت صحافة الأعداء :

حيث رأت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية أن مصر لم تتكيف مع حركة الإخوان المسلمين ولكن الإخوان المسلمين هم الذين كيفوا أنفسهم مع مصر المعروفة بأنها "أم الدنيا". وأشارت الصحيفة إلى أن مصر لم تتلون باللون الأسود مع أن الإخوان المسلمين يحكمون البلاد، حتى أن رئيس مصر الدكتور محمد مرسي أعلن على رؤوس الأشهاد في قمة طهران أن مصر دولة ديمقراطية دستورية حديثة ولم يقل دولة إسلامية.


وأضاف الكاتب "عودة بشارات" في مقاله بالصحيفة أن الرئيس مرسي بعد انتخابه أعلن عن استقالته من حركة الإخوان المسلمين، إلا أن الصحفيين المصريين من شدة وقاحتهم –على حد زعم الكاتب- انهالوا بالهجوم على القصر الرئاسي متعقبين أي شيء يحدث بداخله، مشيراً إلى أن رياح الديمقراطية بدأت تهب في مصر، مبرهناً على كلامه ببرنامج "زمن الإخوان" الذي كان يعرض في رمضان والذي اشتمل على انتقادات للرئيس وحركة الإخوان المسلمين "


من الواضح أن النخبة المصرية ليست كتلة واحدة ففيها المنصف وفيها المتحامل وفيها الكاره وفيها المتسلق وقد كشف الأستاذ خليل عنانى على أزمة النخب المصرية التى لم تمانع من الإنقلاب على ثوابتها عندما يتعلق الأمر بالمنافسيين الحقيقيين فى الساحة السياسية فقال فى مقالة شهيرة له فى جريدة الشرق الأوسط" النخبة المصرية فى أزمة بين الأسلمة والعسكرة فلما خيرت اختارت العسكرة "!!!! وهذا ما يفسر التأييد الذى حازته فكرة بقاء العسكر فى الحكم من فصائل صدعت أدمغتنا بمدنية الدولة واحترام الصندوق الانتخابى والحريات والدفاع عنها والعدل والمساواة لكن تباينت المواقف حتى وجدنا من ثار لحرية الفنانين فيما يقدمونه أو يلبسونه بينما لم يحظ الضباط الملتحين أو المذيعات المحجبات بشئ من الدفاع عن حقهم بل ادعو كذبا أن المذيعة جاءت من قناة الإخوان للتلفزيون المصرى بينما الحقيقة المعلومة أنها بنت ماسبيرو هجرته لما ظلمت ووجدت من سمح لها بالحضور ثم عادت الى بيتها الأصلى عندما سمح لها ! لكن ماذا نفعل إذا فسدت مفاهيم التناصح وصارت المعارضة هدفا فى حد ذاتها ! يؤسفنى أن أجد قامات تتهاوى لأن هوى النفس وحب الذات قد تمكن منها فلا ترى خيرا ولا تجد نفعا يقدم من منافسيها ! ولعل من الصدق مع النفس أن نرفض فى المقابل الإحساس بأنه ليس هناك أحسن مما كان ! أبدا فدور المعارضة الحقيقية أنها تكشف الطريق بأضواء الحقائق والوقائع و الرؤى التى قد لايراها الحاكم وعليه – وقتها- أن يعترف بخطأه ويشكر من أبان له الحل الأفضل ويطلب منه المشاركة فتتحقق مقولة أن كل الأحزاب السياسية سواء من تتولى المسئولية أو فى المعارضة إنما هى فى مجموعها مؤسسة الحكم التى إن نجحت فقد نجح الجميع وإن فشلت فى الأداء فقد فشل الجميع ! فالمنافسة الحقيقية إنما هى فى البناء والنجاح " وفى ذلك فليتنافس المتنافسون " أما محاولة هدم القائم كى يأتى على الركام شخص جديد فى كل مرة فلن ينفع ذلك  مصر أو المصريين بل سنكون "كالتى نقضت غزلها من بعد أنكاث قوة" لتدور مصر فى دائرة مفرغة لأن هناك من أرتضى شعار" يافيها لاخفيها" ولاحول ولاقوة إلا بالله العظيم


دكتور محمد جمال حشمت

أستاذ جامعى ونائب بالبرلمان

15 سبتمبر 2012م

إضافة تعليق