الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطى

عقد المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات مؤتمرا فى الدوحة تحت هذا العنوان فى المدة من 6-9 اكتوبر وضم عددا من قادة العمل السياسى من كل الاتجاهات خاصة الإسلاميون وقد تركز موضوع المؤتمر حول رؤية وسياسات الأحزاب والقوى الاسلامية للعمل السياسى وقدمت تجارب تونس ومصر وفلسطين وليبيا واليمن وموريتنيا والمغرب والأردن والجزائروالسودان والعراق وكان من اللافت للنظر أن بعض الباحثين اليساريين بشكل خاص قدم أوراقه أو أفكاره مبعثرة فى شكل صحفى أكثر منه بحثى قائم على الدراسة والاستقصاء والحصر والحوارات مع أصحاب الأفكار التى يرصدونها وقد لاقى هذا استياءا شديدا من كافة الحضور على اختلاف انتمائتهم ! فلقد كان الهدف هو الإساءة للتجربة الاسلامية الوليدة وتشويه صورتها كما هو المتبع من الإعلام فى بلاد العرب كافة ! ولقد ناقشت وفندت ورقتين منهما وعقبت فى إحدى الجلسات على باحثين أفاضل منهم اد ابراهيم البيومى غانم ود خليل عنانى والدكتور هشام جعفر والدكتورة نيفين مسعد وكانت خلاصة التعقيب الذى أبديته كصاحب تجربة ومشارك فى كل التجارب التى ذكرت وتخص مصر وليس كباحث أكاديمى فقلت :


1-   أن الإسلاميين اليوم فى حاجة الى النصح والتقويم من كل وطنى حر وعليهم أن يستمعوا جيدا وأن يسارعوا للإصلاح الداخلى ومراجعة ما لديهم من أطروحات عملية إعلاءا لمصالح الوطن العليا


2-   أن هناك ترقبا لتجربة طال غيابها تحت مقامع القهر أى أنها ليست مفاجأة كما يريد أن يصورها البعض  وهذا الترقب من داخل الاسلاميين أنفسهم ومن خارجهم لكيفية المزج والفصل بين الثابت والمتغير على أرض الواقع


3-   أن هناك تخوفات لابد أن نعترف بها تنتاب الطرفين من التجربة الجديدة فى الحكم بعضها منشأه الغضب أو الحسد أو الكراهية والبعض الأخر دافعه تحمل المسئولية واختبار القدرة على إدارة الحكم والتكيف مع احتياجات شعوب حرمت من حقوقها عشرات السنيين


4-   أنه لابد أن ندرك أن الشعوب قد صار لديها حس سياسى رغم بساطة المواطن وكثرة احتياجاته إلا أنه قد صار أكثر مشاركة فى العملية الانتخابية واستماعا ومتابعة لكل ما يتناول الشأن الداخلى وعلى الجميع أن يتحمل هذا الوافد  الجديد بشئ من سعة الصدر وطول النفس وتصحيح المفاهيم والأخبار المتداولة من خلال التواصل المستمر مع أبناء الشعب


5-   أن هناك فى بعض الأبحاث تضاربا حول موقف السلفيين من الثورة وإقرار القبول بالعمل السياسى والديمقراطية ما بين التوقف والتبين والتحريم وهذا كله فى رأى وقد طالبت به منذ تغير الموقف للمشاركة من السلفيين يحتاج الى مراجعة فقهية تصوب وتقر بالخطأ أحيانا لتجنب الانتقاد الدائم وقلب صفحة انتهت بخيرها وشرها كما فعلت الجماعة الاسلامية من مراجعات وخير ما فعلت !


6-   لاشك أن العمل السياسى لفصائل من التيار السفى قد أتاح لهم إدراك وطأة الواقع على الانسان البسيط مما يزيدهم خبرة عملية بالواقع ومعرفة المشاكل ومواجهتها بالحلول العملية تصديقا لقول القيادى فى حركة حمس الجزائرية الأستاذ أبو جرة سلطانى عندما التقيته وسألته عام 2002 عن المكاسب والخسائر من الدخول فى العمل السياسى والمشاركة فى الحكم " عندما شاركنا فى الحكم وعرفنا حجم المعاناة التى يعانى منها شعبنا وجدنا أننا كنا نشق على الناس من فوق المنابر " وقد كان نتاج ذلك قدرا من الليونة والسماحة وتعديلا فى الأفكار والسلوك !


7-   أن التحليل الذى توصل اليه الباحث الدكتور خليل عنانى كان عميقا وصائبا عندما برر انشغال التيار السلفى بقضيتين رئيسيتين فى بداية نشاطه السياسى وهما (الهوية وتطبيق الشريعة ) وقد برر ذلك نتيجة غياب البرنامج وقلة الخبرة السياسية وهو أمر ليس بعيب لأن كثيرين يغضبون عند سماع ذلك  وكانت تجربة الانتخابات نموزج لذلك عندما اختلط فيها الثابت بالمتغير والنسبى بالمطلق وصورت الانتخابات على أنها معركة والحرب خدعة واستبيح فيها بناءا على ذلك مالا يجوز ! والنموزج الثانى إثارة ضجيج حول نص المادة الثانية لتغيير مبادئ الى أحكام أو حذفها من نص المادة الثانية فى الدستور وقد سبق أن أوضحت فى مقال "مادة الشريعة بين الإفراط والتفريط" أن فى ظل المادة تم تقنين الشريعة عام 1982 فى مواد عصرية بمرجعية اسلامية فى مجلس الشعب كما فى ظلها احتكم المسيحيون الى شريعتهم عندما رفضوا حكم المحكمة الإدارية العليا استنادا لنفس المادة !!


8-   أما بالنسبة لحزب الحرية والعدالة طوال الفترة السابقة فهناك تقييما يتم للأداء السياسى والإعلامى والقانونى والبرلمانى لإعادة النظر وتقويم كثير من الأمور بعدد الممارسة الفعلية


9-   يجب لفت الأنظار أن الإخوان قبل انشاء حزب الحرية والعدالة بعشرين عاما قد قاموا بمراجعة فقهية لتراثهم ورؤيتهم تلخص فى كتيب حول المرأة والشورى والأحزاب والمشاركة السياسية


انتهى المؤتمر لكن لا تنتهى الأسئلة ويستمر الاجتهاد والتصحيح للمسار هو عامل الحيوية الأهم لأى حزب يريد أن يتعلم وينجح فى ممارسته السياسية وفق أليات الشورى التى تلخصها منظومة الأداء الديمقراطى وهنا نستطيع أن نؤكد أن تعاون الجميع بعيدا عن التحزب القاتل والحسد المانع من المشاركة الإيجابية هو الطريق لوضع بصمة اسلامية عربية مصرية على المسار الديمقراطى والتجربة الحزبية فهل ننجح فى ذلك أم يبقى الصراع القائم قصير النظر عامل إفشال لأى تجربة ديمقراطية نحياها فى مصر ونعمل لإنجاحها جميعا ؟!!


دكتور محمد جمال حشمت

نائب الشعب واستاذ بجامعة الأسكندرية

15 اكتوبر 2012

إضافة تعليق