الرئيس الشيخ وصناعة الفرعون !

لعل أكثر ما يميز الرئيس محمد مرسى الذى تربى فى حضن الإخوان المسلمين والمصرى المعجون بالوطنية التى دفع ثمنها مثل كل إخوانه فى عصور الفساد والظلم والاستبداد!  هو رغبته فى تغيير الإنطباع الذى تم رسمه بعناية شديدة وحرفية أمنية عالية عن الرئيس ومؤسسة الرئاسة ! من تبسيط تحركات موكبه واحترام المرور والمحاولة الجادة فى عدم الإضرار بحركة الشارع ( وهو ما قوبل بمقاومة من الجهات الأمنية التى أعادت الضجر من تحركات الرئيس لدى الشارع المصرى ) كذلك تبسطه فى التعامل مع قوات الحرس الجمهورى ضباطا وجنود من التحية والحوار والسؤال عنهم والصلاة بهم أحيانا وهو ما لاقى فى الأغلب الأعم ترحيبا واحتراما ، كذلك الظهور العلنى فى صلوات الجمعة بشكل مباشر مع كلمة بسيطة توجه لجموع الشعب المصرى من خلال المسجد وهو مالاقى ترحيبا شعبيا وغضبا نخبويا حيث أراد البعض أن يصور الرئيس فى صورة الشيخ الذى لا يفهم فى إدارة الدولة وعلم السياسة رغم أن هؤلاء هم الذين ثاروا وغضبوا وشنعوا بتحركات الرئيس المخلوع ! بل كان البعض منهم يسعون للقائه لدقائق والسلام عليه اعتمادا على حالة الرهبة التى اختلقتها أجهزة الأمن من حوله !! وهم الذين لم يشغلهم صلاة الرئيس المؤمن طوال عشرات السنيين الذى استغل الأزهر فى الترويج لسياساته وجعل شيخه عضوا فى لجنته ! ورغم أنى أعتقد أن مرسى قد نجح فى تغيير الصورة الذهنية لرئيس فرعون حكم مصر طوال أكثر من ستين عاما لرئيس يأكل ويشرب ويتواصل مع شعبه ،لاتتمتع أسرته بامتيازات خاصة ويعيش فى مسكنه العادى بعيدا عن جو القصور والترف الذى أفسد كل رئيس وجعل الشعب أمامه قطيعا يخاف وينافق كى يحيا فى سلام من خطط الأمن الذى سيطر على البلاد وحول مصر الى دولة بوليسية الكلمة الأخيرة فيها للأمن ورجاله من كبيرهم لصغيرهم !! 

لاأعتقد أن صورة الشيخ التى جرسها الإعلام ومسختها الدراما المصرية طوال عشرات السنيين ممكن أن تنطبق على الرئيس مرسى ! فلقد خاض الانتخابات فى لحظتها الأخيرة دون رغبة منه وحصد فيها المركز الأول فى الجولتين وتعرض لإعلام متحامل أحيانا كثيرة ومتعاطف معه بشكل أقل! فلم يكن عليه سمت الشيوخ بل سمت السياسيين الذين يوقرون دينهم ويحترمون عقيدتهم وعقائد غيره ويتوافقون مع المخالفين بل ونجح فى معركة كان لا يظن أحد أنها ستبدأ الان وهى استخلاص صلاحياته كرئيس منتخب للجمهورية من أقوى مؤسسة فى مصر حتى الآن بأقل الخسائر الممكنة !! وهو ما أثار إعجاب وخوف العالم غربه وشرقه فى نفس الوقت !فهل نحن أمام خيارين بين المشيخة والفرعنة ؟ لو كان الأمر كذلك أعتقد أن الأحرار والوطنيين والمحبين لمصر والتواقين لمستقبل أفضل سيفضلون المشيخة رغم أنها غير حقيقية ! لكن ترسمها رغبة الكارهين والمتربصين بالرئيس الدوائر !


إن صناعة الفرعون لها أدبيات صنعتها الأجهزة الأمنية المختلفة فى مصر بأليات محددة  لم تتوافر حتى الآن لمرسى بل يتحرك فى عكس اتجاهها فقد كانت سياسة مبارك المخلوع تتمثل فى:


1- المشاركة في كتابة تقارير تقييم أمني لجميع العاملين بالمناصب القيادية و السيادية لضمان سيرهم على المسارات المحددة لهم .


2- المشاركة في كتابة تقارير الترشيح الأمني لجميع المرشحين للعمل بالمناصب القيادية والسيادية بالدولة .


3- السيطرة التامة على القوات المسلحة والشرطة من خلال المتابعة الأمنية الشديدة والتصيد لأكبر كم من المخالفات للسيطرة عليهم .


4-  دعم وزارتي الإعلام والتعليم بالمعلومات التي تصب في مصلحة الرئيس ونظامه .


5-  السيطرة على القضاء سيطرة تامة وتحويله إلى عصا في يد رئيس الجمهورية .


6- السيطرة على الأزهر وقياداته لأسلمة جميع قرارات رئيس الجمهورية ونظامه


7- السيطرة التامة المطلقة على جميع أجهزة الدولة وضبط إيقاع عملها بما يتوافق مع أجندات وأهداف السيد رئيس الجمهورية .


8- ضبط إيقاع الرأي العام والحالة المزاجية للشارع المصري وذلك من خلال الرياضة وخاصة  كرة القدم والأفلام والمسلسلات والطرب والغناء وذلك من خلال أقسام العمليات النفسية والتي تعمل على تفريغ الطاقات الإيجابية والسلبية لعامة الشعب


9- ردع كل من تسول له نفسه الخروج عن الناموس الفكري الذي أرساه رئيس الجمهورية في جميع أنحاء الدولة وذلك باستخدام سياسة الترغيب والترهيب .


10- الحيلولة بين المواطن وبين معرفة حقوقه أو التمييز بين الحق والباطل حتى لا يكتشف الحقيقة ويطالب بحقوقه المشروعة .


11- ابتكار عوائق روتينية حياتية للمواطن من خلال قسم العمليات النفسية والذي يقوم بتوزيعها على كافة أجهزة الدولة من أجل اختزال وتقليص طموحات الرأي العام .


12- تفريق التوحد الشعبي من خلال أقسام العمليات النفسية وذلك بالتركيز من خلال وسائل الإعلام على تقسيم فئات الشعب كالتقسيم الرياضي ( أهلاوي وزملكاوي) والتقسيم السياسي من خلال الأحزاب والتقسيم الجغرافي ( صعيدي ، اسكندراني ، سويسي) والتقسيم الطائفي ( مسيحي ، مسلم ، سلفي ، إخواني ، جهادي ، يساري ، ليبرالي ،علماني ، .....إلخ )  واللعب على وتيرة الفتنة الطائفية لجعلها فزاعة لكلا الطرفين وذلك للحيلولة دون توحد قوى الشعب .


13- قيام أقسام العمليات النفسية لجميع الأجهزة الأمنية بعمل دعاية سوداء ورمادية للترويج لفكرة أن التيارات الإسلامية ما هي إلا عناصر إرهابية إجرامية تستتر وراء الدين بهدف الوصول للسلطة والحكم وذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة .


14- قيام أقسام العمليات النفسية بالترويج لأفكار تعمل على اختزال دور الإسلام في كافة نواحي الحياة كترديد الشعارات المألوف سماعها كأن الدين ما هو إلا علاقة بين العبد وربه وضرورة فصل الدين عن السياسة وأن كل ما زاد عن أركان الإسلام الخمس يعد من التطرف وغير ذلك بهدف تغييب العقول وتأهيلها للانصياع للنظام الحاكم .


15- قيام أقسام العمليات النفسية بتصوير التيارات الإسلامية في ثوب القتلة العاكفين على تكفير جميع طوائف المجتمع والمحرمين لجميع أنماط الحياة الحديثة  لشحن المجتمع شحنا معنويا سلبيا تجاههم


16-  قيام عناصر ال dirty works groups  بعمليات قذرة كتفجير الكنائس والفنادق وغير ذلك لترسيخ مفهوم اقتران الإسلام بالإرهاب والإسلاميين بالإرهابيين وذلك لتأهيل الرأي العام لعمليات التخلص منهم بالقتل والاعتقال .


17- قيام أقسام العمليات النفسية بعقد صفقات أمنية مع العديد من العناصر الليبرالية والعلمانية لاستخدامهم في اختزال شعبية التيارات الإسلامية في وسائل الإعلام المختلفة .


18-قيام الوحدات الأمنية باستقطاب البلطجية المسجلين بوزارة الداخلية لاستخدامهم في تأمين عمليات تزوير الانتخابات .


19- قيام أقسام العمليات النفسية بالاتصال المباشر بكبار الاعلاميين لصناعة أفلام ومسلسلات وبرامج توك شو هدفها الترويج لأفكار إستراتيجية مضادة لمبادئ الشريعة لإختزال شعبية القوى الإسلامية وكذلك تخدم نظام مبارك الحاكم الفرعون

تلك كانت السياسة لصناعة وحماية الفرعون والتى أعتقد أن جزءا كبيرا منها مازال قائما والشواهد على ذلك كثيرة ولا حول ولاقوة إلا بالله


دكتور محمد جمال حشمت

5 نوفمبر 2012م

إضافة تعليق