د.جمال حشمت يكتب : نداء للمعارضة الشريفة فى مصر

لقد تأكد لكل مراقب للحياة السياسية فى مصر الفترة الماضية أن قيادات الحزب الوطنى المنحل سياسية كانت أم إعلامية هى التى تقود المسيرة ومن خلفها شباب غاضب حزين لم يترك له حزنه أو غضبه فرصة للتأمل فى المشهد الذى صارت عليه مصر الآن بعد أن تم اعتماد سياسة الحزب المنحل فى التعامل مع الحياة السياسية بانتهاج سياسة العنف وتأجير البلطجة ومتاجرة الإعلام بالحقائق وتسويق الأكاذيب وكثرة ترديدها ! .


ويظهر فى الصورة معهم  قيادات سياسية فشلت فى كسب ثقة الشعب عندما لجأت الى صندوق الانتخابات مرات عديدة بل أحدهم لم ينجح له عضو من ثمانية أعضاء إلا من خلال قائمة التحالف الديمقراطى الذى قاده حزب الحرية والعدالة فى برلمان الثورة الذى تآمروا عليه وحلوه بغير حق  !! ربما أخطأت مؤسسة الرئاسة فى اتخاذ بعض القرارات لاشك فى ذلك لكنها كانت تستدرك ذلك بغير تكبر أو إنكار بعيدا عما ادعاه البعض من امتلاكها صلاحيات إلهية أو تصرفات ديكتاتورية أو اعتداء على الحريات كما روج لذلك بعض المخادعين من سياسيين أو إعلاميين !! .


ورغم الإهانات والبذاءات وقلة الأدب المتناهية التى وجهت لشخص رئيس الجمهورية منهم على مدار الشهور الستة الماضية إلا أنه لم يتعامل إلا مع بعضهم ممن يعدون على أصابع اليد الواحدة وبشكل قانونى وقضائى بحت بعيدا عن سلطاته وصلاحياته الواسعة والاستثنائية !! .


واليوم بعد أن ألغى الرئيس الإعلان الدستورى الذى ألقم المتآمرين حجرا عندما صدر أثناء أحداث الإعتداء الصهيونى على غزة بعد الانسحابات الفجائية و الممنهجة من أعضاء جبهة إنقاذ مصر !!من الجمعية التأسيسية لإشغال مصر الدولة بأحداث داخلية  تعجل بسقوطها أمام المعترضين على كل شئ ومنهم من صرح بعد ذلك أن القضية لم تكن الإعلان الدستورى أو الجمعية التأسيسية  أونسخة الدستور بل المقصود مصر الدولة والرئاسة حتى وإن أحترقت البلاد وسفكت الدماء !! .


وبعد أن تمت الدعوة للحوار من الرئيس مباشرة كما طالبوا بذلك  غابوا !و تم الحوار وقدغاب عنه من أراد أن يصبح فى صدارة المشهد العبثى الذى يدفع البلاد اليه لكى لا يلتزم بأى شئ طبقا لمخططهم المرسوم ! وبعد أن وافق الرئيس على كل ما توصل اليه اطراف الحوار من شرفاء الوطن دون أى مناقشة كما وعدهم وصدر إعلانا بكل ماتم الاتفاق عليه فكيف كان رد الفعل ؟ رفض وإصرار على الصدام وحشد لفصائلهم ومحاولة لإجبار الشعب على العصيان المدنى فأغلقوا مجمع التحرير أمام أصحاب الحاجات وأوقفوا المترو ومنعوه من الحركة لساعات ! واستمروا فى مهاجمة مقرات الإخوان وحزب الحرية والعدالة وتنادوا بينهم لحصار مقر الرئاسة وهددوا باقتحامها ، ورفضوا المشاركة فى الإستفتاء على مسودة الدستور وانفقوا الملايين على استمرار الاعتصامات وتأجير الخارجين عن القانون بأسلحتهم لإثارة شغب وسفك دماء شباب مصر الطاهر كما حدث فى محيط قصر الاتحادية وتولى كبر ذلك إعلام غير محايد يعمل لحساب الطامحين من الخاسرين والفلول وقد جمعتهم إجتماعات معلنة ومصورة لا يستطيعون إنكارها !! .


فما هى صورة المشهد الآن :


- " فريق علمانى غالى فى تطرفه وعنفه وإساءته فقابله فريق اسلامى بتطرف مماثل فى تجمعه وفى لغة خطابه وتهديداته


– فريق اختلف فى رد فعله بعد الإعلان الدستورى الأخير وتباينت مواقفه بين راغب فى المشاركة لقول لا فى الاستفتاء وأخر مقاطع للإستفتاء لايعترف به ولا بنتائجه تقودهم رغبات شخصية لكل منهم على حدة ! أمام فريق ثابت على مواقفه تجمعهم الرغبة فى الإستقرار و إنهاء المرحلة الانتقالية لاستكمال مؤسسات الوطن والإلتفات بكل قوة لمشروعات التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية التى يصبو اليها شعب مصر


- فريق يدعى المدنية وعشقه للديمقراطية وهيامه بالحرية والكرامة الانسانية يرفض اللجوء لصناديق الانتخاب ! ويتهم الشعب بالجهل ويطالب بمنع الأميين من إبداء رأيهم لأنهم فى النهاية  منحازون للإسلاميين مقابل حفنة من الزيت والسكر !! وفريق كان يتهم دائما بأنه لو وصل للحكم بالديمقراطية فلسوف يحطم هذا المعبر بلا رجعة ليستولى على الحكم فى غياب الديمقراطية تلك التى اسموها ديمقراطية المرة الواحدة ! .


إلا أنه مازال يؤمن بأن الوسيلة الوحيدة لإبداء الرأى هى الحق فى الاستفتاء الحر وأن الوسيلة الوحيدة والشرعية لتداول السلطة هى صندوق الانتخاب وأن بطاقة الرقم القومى هى صك الملكية لدى كل مصرى وجب عليه استعمالها كلما دعى الداع الى ذلك !


- فريق يتهم الرئيس بأخونة الدولة لوجود 5 وزراء من 37 و5 محافظين من 27  وفى نفس الوقت يرفض المشاركة عندما تعرض عليه بل وتتوالى الانسحابات عندما يختلف فى الرأى مثلما حدث فى مؤسسة الرئاسة والمجلس القومى لحقوق الانسان وغيرهما  وفريق يتحمل مسئولية ونتائج أداء هو لم يمارسه سابقا أو لاحقا ، يعانى من إرث فاسد ظالم مازال يشق على الناس ويتعسف معهم ويمارس العنت والصلف عند تقديم الخدمة لهم ، وعندما يتقدم ليتولى المسئولية و يتحمل العبء والمهام يلقى اتهاما بالتكويش والإنفراد بحكم البلاد !!


وما المخرج الآن من هذه الأزمات المفتعلة ؟ أعتقد أنه يجب:


أولا توافر حسن الظن وتبادل الثقة بين فرقاء كانوا فى يوم من الأيام شركاء فى هذه الثورة بعيدا عن الفلول الذين شاركوا فى إفساد الحياة السياسية و نهب ثروات البلاد وثبت عليهم إتهامات وإدانات على جرائم ارتكبوها طوال السنوات الماضية ويترتب على ذلك سحب كل المتظاهرين من كل الاتجاهات ومنع التظاهر لفترة يمكن فيها اتمام المصالحة


ثانيا الرضا بقرار الشعب المصرى أيا كان بعد أن يمارس الجميع حقه فى النزول للشعب لمناقشة مواد الدستور كما يراها


ثالثا بدء حوار جاد بين كل الأحزاب والقوة السياسية لرسم خارطة طريق لمصر قبل الانتخابات البرلمانية يشارك فيها الجميع تمنح صاحب الأغلبية حقوقه والأقلية حقوقها فى إطار وثيقة معلنة يلتزم بها المجتمعون أمام الشعب دون تجاوز أو إنكار  


رابعا تسليم الرئيس بيانا بالمقترحات التى يود المعارضين تعديلها فى دستور البلاد أذا حظيت المسودة بالموافقة من الشعب لتقديمها فى جلسات البرلمان الأولى للنظر فيها وإدخال التعديلات التى يتم التوافق عليها لتحظى مصر بدستور مجمع ومتوافق عليه وهو ما التزمت به الرئاسة فى الحوار الذى تم مع شرفاء الوطن.


خامسا لو لم يحظ مشروع الدستور بالموافقة الشعبية يتم الحوار بين الجميع لوضع معايير الانتخابات للجمعية التأسيسية الجديدة فى محاولة لإنهاء تشكيلها ودورها فى أسرع وقت خاصة وأن بين أيديهم مشروعا جاهزا يحتاج الى مراجعة مواد قليلة فيه للإنتهاء منه قبل المدة المحددة

الأهم من ذلك هو السيطرة على مثيرى الشغب ومحبى الفوضى والذين استرزقوا من حالة السيولة والهرج الذى ساد الشارع المصرى طوال الفترة الماضية وهو ما يستلزم حكومة قوية وأمن يعرف دوره الجديد لعودة الانضباط للشارع وتحقيق الأمن للمصريين وإعادة الهيبة للقانون  فهل لا تستحق مصر ذلك يا أولى الأباب ؟


دكتور محمد جمال حشمت

استاذ جامعى ونائب الشعب

10 ديسمبر 2012م

إضافة تعليق