مشروع للدستور يستحق القراءة !

أولا اقول لمن سأل عن الفارق بين حقوق الأغلبية والأقلية فى مقالة سابقة مستنكرا سذاجتى أن كما أن للأغلبية حقوق الحكم والإدارة أيضا للأقلية حقوق المشاركة والنقد وكلاهما تحت سقف المصلحة العليا للوطن يتساويان لا فضل لأحدهما على الأخر بل قد يكون دور المعارضة هنا أهم وأميز لمن وفقه الله ليقوم بهذا الدور بصدق وكفاءة  وعندما تستمع الأغلبية وتحرص على الحوار الجاد مع المعارضة الشريفة التى خاطبتها فى مقالى السابق يصبح للإنجاز الذى يتحقق أبوين لا أبا واحدا ! ولعلى هنا لست فى حاجة لمن يذكرنى بأنى من الحزب الحاكم الذى أنجب رئيس الجمهورية ونحن أولى بهذا الخطاب فأنا أعلم ذلك رغم أن أحدا لايدعى أن حزب الحرية والعدالة يمارس حكما هذه اللحظة !! بل هناك عقبات ليست بالقليلة تقف حائلا بينه وبين ممارسته حكما فعليا يطبق فيه برامجه ورؤيته فى الإدارة وطرق التعامل مع مشكلات الشعب المصرى المزمنة وخطته فى مواجهة الأزمات المفاجئة بروح جديدة لم يعتد عليه النظام الحكومى فى مصر ! وعلى العموم جزى الله خيرا كل من صوبنى وأرشدنى وأفادنى دون من أو استعلاء!

ثانيا نتائج المرحلة الأولى من الاستفتاء ظلمها من أراد إفسادها قبل أن تبدأ باتهامات التزوير وخطأ الإجراءات وتدخل أصحاب المرجعية الاسلامية – لاغيرهم – فى توجيه الناخبين والتأثير عليهم ترغيبا – زيت وسكر – أو ترهيبا – بتخويفهم باللحى والنقاب وتهديدهم ومنعهم و.....- وقد راهن البعض على غياب القضاة كيف تفسد فكرة الاستفتاء من أصلها ! لكن قضاة مصر كما هو المأمول - مع كامل الاحترام لغضبهم وخوفهم على استقلال القضاء الذى نؤيده وندعمه بل ويحققه هذا المشروع الدستورى بكل فخر وقوة - قالوا كلمتهم وأشرفوا على الاستفتاء وأعتقد أن كل ما طلبوه قد نفذ خاصة إجراء الاستفتاء على مرحلتين  مما سهل لقوات الأمن والجيش الفرصة لتأمين الاستفتاء بكل قوة وحسم وهنا فأى طعن فى إجراءات الإشراف أو التأمين لا يحتاج ردا من أحد غير القضاة والأمن !! ورغم أن هناك طرفا طالب دوما بالاحتكام للصندوق ورأى الشعب مهما كانت النتيجة إلا أن الفريق الأخر رفض فى البداية ثم قبل وشكك فى النتائج بل أعلن الانقلاب عليها لو جاءت بغير ما يريد !!! ولقد كانت النتائج بعد كل الحملات التى تمت تمثل مفاجئة لم تعجب من توقع نسبة عالية من الموافقة والعجيب أيضا أنها لم تعجب الطرف الأخر  رغم تقاربها فى المرحلة الأولى ، وهى إن دلت على شئ فتدل على وجوب المراجعة من الطرف الأول لمعرفة نقاط الضعف والقصور الإعلامى الذى صاحبه وعدم القدرة على نشر مادة مشروع الدستور على نطاق واسع تفاخرا بما تم انجازه وما تحقق فيه من حقوق وحريات لم يسبق وجودها فى أى دستور مصرى ومن الطرف الثانى الذى كان من المفروض أن يدرك أن أدوات العمل السياسى التى استعملها الفترة الماضية واجبة التغيير لتعود كما هو مأمول للحوار الجاد المثمر ومن ثم عند الاختلاف الرجوع للقواعد الشعبية لحسم أى خلاف ! وليقبل الجميع النتائج مهما كانت وهو ما تنطق به النتائج من فروق بسيطة تحتاج من المعارضين الرجوع لهذه الأدوات مع التوجه للشعب فى محاولة لتوضيح وجهات النظر المعارضة بشكل أمين وبأسلوب مهذب يفوت على أعداء مصر والمتأمرين عليها هذه الأيام محاولتهم لتفكيك الدولة وإشاعة الفوضى واعتماد العنف وسيلة للحوار ولقطع الطرق والإعتصام فى أى مكان أسلوبا للتعامل مع الخلاف فى الرأى !!


ثالثا مواد الدستور التى لم يسبق لها الوجود من قبل فى أى دستور مصرى تحتاج منا جميعا لوقفة مثل المادة (3) لتحاكم غير المسلمين لشرائعهم والمادة(4) التى تتعامل مع الأزهر الشريف ليكون بوسطيته فى خدمة المحكمة الدستورية عند السؤال عن أى شأن يتعلق بالشريعة ، المادة (6) التى تؤصل للتعددية فى مناخ ديمقراطى شورى ولتداول السلطة ولتجريم قيام أى حزب يفرق بين المصريين ، فى المادة (10) تتشارك الدولة مع المجتمع فى الحفاظ على الأسرة وحماية الأخلاق والقيم بعد أن كانت المادة 12 من دستور 1971 تقول " يلتزم المجتمع برعاية الأخلاق وحمايتها والتمكين للتقاليد المصرية الأصيلة ..." ولم نسمع التخويف من جماعات الأمربالمعروف والنهى عن المنكر كما نسمع الآن !! المادة(14) التى تحقق الحد الأدنى للمعيشة الكريمة ثم تربط الأجر بعد ذلك بالإنتاج كى يكون للعمال حوافز تليق بما يحققوه من انجاز ومكاسب لا يستمتع بها الآن سوى أصحاب رؤوس الأموال !!! والمادة(15 و16)التى تمنح الفلاحين حقوق وحماية لم ترد من قبل ولم تنس المادة (18) التأكيد على حق الشعب فى ثرواته الطبيعية وأملاك الدولة التى نهبت طوال عشرات السنين دون حساب من قانون أو وازع من ضمير !! مادة(19) لحماية نهر النيل من الاعتداء والتلوث ومادة (25) التى تشجع على الوقف الخيرى لتحميه وتنظمه الدولة بعد أن سرقت ونهبت مليارات الأوقاف بغير حق ! المادة (28) التى تشجع فيها الدولة الادخار وتحميه وكذلك أموال التأمينات والمعاشات التى نهبت طوال أكثر من 30 عاما لسد عجز موازنة الدولة التى سرقوها بحوالى 400 مليار جنيه كان أصحاب المعاشات أحق بريعها ! أما باب الحقوق والحريات فهو يستحق المراجعة الدقيقة لما وفره من حريات وحماية لها من حرية العقيدة  حتى حرية الحصول على المعلومات وإصدار الصحف وإنشاء الجمعيات فقط بالإخطار ! ويأتى باب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ليمنح المصريين نظاما صحيا وتعليميا عاليا الجودة مجانيا للفقراء وما أكثرهم فى مصر ويجرم الواسطة فى التعيين بل عند تجاوز الأكفأ ومنع فصل العمال كل العمال إلا بناءا على القانون وأحكامه  ! والذى يستحق التأمل هو الفصل الكامل والتوازن الدقيق بين سلطات الدولة الثلاث منعا لصناعة الفراعين فى أى مكان بحيث أن إرادة الشعب فى استفتاء تحسم الخلاف بين رئيس الدولة ومجلس النواب وعلى الخاسر أن يستقيل !!! ثم الروعة فى باب الهيئات المستقلة التى حصنت أصحاب المهام المساعدة للقضاء والتى مهمتها حفظ الحقوق أو الحصول عليها سواء للأعضاء الفنيين فى التوثيق العقارى أو خبراء العدل أو الطب الشرعى ولا ننسى أن بإقرار هذا الدستور سيصبح قانون الأحكام العسكرية غير دستورى ويحتاج مثل غيره تعديلات لتتحقق استقلالية القضاء العسكرى ! أقول اللهم أنى سوف أصوت عليه بنعم وقلبى وضميرى فى راحة تامة لأنه ليس قرأنا بل طوقا للنجاة من فساد واستبداد وظلم استمر عشرات السنين والله على ما أقول شهيد


دكتور محمد جمال حشمت

أستاذ جامعى ونائب للشعب

18 ديسمبر 2012م

إضافة تعليق