د.جمال حشمت يكتب : الإعلام المصرى ظالم أم مظلوم !

لاشك أن تاريخ الإعلام يرتبط بتاريخ الحضارات فلم تستغن حضارة ما عن وسائل الإعلام مثل  النقوش على الأحجار وعلى الأخشاب ، وعلى غيرها من الوسائل ، ثم على أوراق البردي في مصر كما كانت الملصقات في روما ، وعند قدماء العرب من أهم وسائل الإعلام في تلك الحضارات .


 وفي تقدم لاحق أصبحت المناداة في الطرق أو من أعلى الجبال والتلال ، وعلى ظهور الدواب ، هى الوسائل المتاحة ، ثم تقدمت وسائل الإعلام إلى المآذن والمنارات ، والملصقات والرسائل والبريد وغير ذلك من وسائل أخرى متطورة الأساليب ، حتى ظهر الإسلام فكان الإعلام الإسلامي يمثل نقطة تحول هائلة في تطور الإعلام ثم ظهرت المطبعة ، وتبع ظهورها الصحف ، ثم كانت الوسائل الحديثة الإذاعات والتلفاز والفضائيات طفرة هائلة نحو الإعلام الشامل.


والسؤال الدائم هل الإعلام لابد أن يتصف بالصدق على الدوام ؟ والإجابة أن الإسلام على صعيد الإعلام جاء ليبين للمسلمين الطريقة القويمة لاستقاء الأخبار ومعرفة صحيحها من سقيمها كما فى الآية الكريمة  : { وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته  الآية أى لو أنهم ردوا ما يبلغهم من أنباء الأمن أو الخوف إلى الرسول إن كان معهم أو إلى الرواد المتخصصون منهم لعلمه القادرون على استنباط هذه الحقيقة، واستخراجها من ثنايا الأنباء المبتورةبناءا على ذلك فإن كلمة الإعلام لغة مشتقة من علم، ومعناه معرفة الشيء على حقيقته.


 وكذلك فإن الإعلام هو الإخبار أو هو التبليغ أو هو الإنباء ، وكلها مرادفات تعني انتقال (معلومة) بين الأفراد بوساطة فرد أو جماعة بحيث تنتشر بينهم ، فتصبح لهم لغة للتفاهم ، واصطلاحاً للتعامل ، ووسيلة للمشاركة.


أما تعريف الإعلام اصطلاحاً فهو مجموعة الوسائل الهادفة إلى تحقيق الاتصال ونقل المعلومات والمعارف بموضوعية ، بغية الإخبار والتوجيه وتشكيل رأي الأمة إزاء القضايا المطروحة.


بمعنى أن من أهم وظائف الإعلام هو تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب عن القضايا المطروحة، أو مشكلة من المشكلات ، بحيث يعبر هذا الرأي تعبيراً موضوعياً عن آراء الناس واتجاهاتهم وميولهم ، كما أن الإعلام يؤدي عملاً مهماً في تشكيل اتجاه الرأي داخل المجتمعات واليوم نواجه إعلاما اشتغل به غير المتخصصين بل صار سبوبة لأكل العيش فقط بالحق أو الباطل واستحل معظم العاملين فيه أعراض الناس والكذب الدائم وزاد عليها المتأمرون التشويه والتفزيع ونشر الإحباط لمجرد خصومة فكرية أو سياسية ! حتى قال جوبلز إعطنى إعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعى !!


 وما حدث بعد ثورة 25 يناير أن حالة الوعى لدى الشعب المصرى قد زادت وانشغل بالعمل العام ومعرفة ما يدورعلى ساحة العمل السياسى والاقتصادى بعد أن كان غالب الشعب المصرى منشغلا بالفن والرياضة لسنوات طويلة فى تصرف حكيم لترك الساحة السياسية والاقتصادية لحكام مستبدون فاسدون ظالمون تعبيرا منه لرفضه هذا التهميش ! فهل يتأمر من لا ضمير لهم فى مجال الإعلام كى يلوثوا هذا الوعى الناشئ والذى يمكن أن يكون سلاحا قويا فى أيدى المصريين وهم يبنون وطنهم ومنظومة ثقافتهم فى مناخ الحرية والمسئولية التى يتمتعوا بها بعد الثورة !؟ من أسف أن هذا لم يحدث فقد ركزت وسائل الإعلام المصرية خلال الشهور الطويلة الماضية على مجموعة أهداف تركزت على :


1- محاولة إظهار أبناء التيار الاسلامى فى صورة المتشددين الذين يرهقون الناس وحياتهم الصعبة التركيز على بعض القضايا الخلافية مستغلا تنطع البعض فى عرض موضوعات لاقيمة لها مثل زواج الأطفال وإرضاع الكبير بل واختلاق أكاذيب لا أصل لها مثل مضاجعة الوداع !ّ


2- التشكيك الدائم فى قدرة الإسلاميين على إدارة مؤسسات البلاد وادعاء استحوازهم  على المناصب مخالفة للواقع


3- إشاعة روح السلبية  فى المجتمع وتتبع السقطات والتشكيك الدائم فى كل شئ مع تجنب الحديث عن أى إيجابيات


4- نشر الإنطباع بأن السلطة فقدت سيطرتها على الدولة وأن الفوضى هى عنوان المرحلةالتى ستطول!


5- التشكيك الدائم ومحاولة إسقاط هيبة الدولة والرئيس والإساءة اليه لفظا ومعنى

وترك الإعلام الدور المنوط به فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر وحياة المصريين والتى كان من الواجب الالتفات لها والتركيز عليها بل والمحاسبة عندما يحيد عنها ! مثل :


1- التركيز على الانسان المصرى وتنمية قدراته ثقافيا وأخلاقيا وسلوكيا وعمليا وعلميا


2- الإصرار على تأكيد وزيادة الانتماء الوطنى لدى كل المصريين ارتباطا بمصر التى لا ينكر أحد مكانتها وفضلها تاريخيا وجغرافيا


3- فتح أبواب الأمل فى مستقبل أفضل لمصر والمصريين باستعراض ما تملكه من ثروات وطبيعة وعقول


4- السعى الدؤوب فى محاولة لتغيير ثقافات أضرت بالمصريين كثيرا مثل الاستهلاك الشره والأنانية والضعف والنفاق والكسل والإسراف والإهمال والتركيز على قيم العمل والعدل والمساواة والتعاون والإيثار والتكافل


5- توضيح مخاطر السلوكيات الضارة فى الحياة الخاصة مثل النظافة وطرق التخلص من القمامة والعامة مثل أداب المرور واستهلاك المياه وخطورة الاعتداء على الأراضى الزراعية  والتربة السمراء التى تكونت طوال ألاف السنيين وانتشار الأمية والتسرب من المدارس


6- التأكيد على ضرورة تلاحم الشعب مع قيادته المنتخبة لإحداث نهضة حقيقية فى مصر ومحاسبة المقصر وممارسة النصيحة المخلصة والمعارضة البناءة وكيفية المشاركة فى العمل السياسى الحزبى وأدوات العمل السياسى


7- مناقشة موضوعية للمخاطر التى تواجه مصر من الداخل والخارج والتحذير منها وتوضيح دور الحاكم والمحكوم للتغلب على هذه المعوقات ومواجهة هذه المخاطر


8- تكرار طرح نمازج النجاح فى كل مكان على أرض مصر وتبنى المبدعين والمخترعين وترويج أعمالهم فى الداخل والخارج فالنجاح عدوى تنتقل بحسن العرض وتلمس الأسباب وجودة التواصل بين أبنائه


ترى هل حقق الإعلام المصرى فى هذا الوقت الذى سيسجله التاريخ لكل مشارك فيه الهدف المنشود وفق ما تصورت وأعتقد ؟ أم أنه تجاوز المهنية وأمانة الكلمة وصدق الخبر ودقة المعلومة ؟ التقييم متروك لشعب مصر الذى استخف بعقله من لم يعرف حقيقة الشعب المصرى الذى أثبت أنه أعقل من نخبته وأوعى من إعلامه وأخلص من سياسييه ! أما التقويم فمتروك للمخلصين منهم الذين يدركون أن شرف الكلمة قبل حريتها


دكتور محمد جمال حشمت

أستاذ جامعى ونائب بالبرلمان

15 يناير 2013م

إضافة تعليق