مستقبل الثورة المضادة!

يبدو فى الأفق أن مخطط الثورة المضادة فى مصر مازال يتلقى صدمات الفشل تلو الفشل فى الوصول الى أهدافهم من إنهاء مكاسب الثورة من إسقاط نظام كان يرتكز على تزوير الانتخابات وقمع الحريات ودولة بوليسية ونهب منظم للثروات وانشغال بمصالح النخب القريبة من مؤسسة الحكم والتواطؤ مع أعداء الأمة حتى صاروا باعتراف أعدائهم الكنز الاستراتيجى بل وصل منتهى أمل هؤلاء الى إعادة هذه المنظومة بالتدريج تحت أسماء جديدة ووجوه مستجدة إهدارا للدماء التى أريقت من أجل نجاح الثورة وقتلا لأمل الشعب فى حياة جديدة تحترم الانسان وتستثمر امكاناته ولاتحرمه من حقه فى ثروات وطنه وتمنحه حقه فى حياة كريمة أراد البعض الذين توافقوا على إفشال الثورة مهما كان الثمن ان يحرموه منها لأن الاستحقاق الديمقراطى ذهب لغيرهم ! فاتفقوا فيما بينهم على إسقاط الخصم السياسى بأى ثمن حتى لو سقطت مصر فى الطريق! الخطة فى مجملها هى


1- إسقاط هيبة الدولة بكثرة التطاول على الرئيس وربطه الدائم بجماعته حتى يشعر المصريون بأنه ليس رئيسا لكل المصريين وفى سبيل ذلك تسفه القرارات وتخون الإرادات وتحتقر الإجراءات قام بذلك جهاز إعلامى ممول بمليارات وصلت فى بعض التقديرات الى 4,5 مليار جنيه وهو الفارق بين إيرادات الإعلانات ومستحقات التشغيل 6,5 مليار جنيه !! بفريق إعلامى تم اختياره بعناية وأغلبهم لاعلاقة لهم بالثورة ولا مقدماتها بل كان أغلبهم من المروجين لرموز النظام البائد ! بالمناسبة لم يتعرض إعلام الفتنة الى حالات الإغتصاب الجماعى التى تمت فى ميدان التحرير فى الذكرى الثانية للثورة ! وهو مالم نره مع العنف فى مليونيات الإسلاميين !!


2- التخوين الدائم للرئيس وجهازه الإدارى وإثارة الخوف ونشر روح الإحباط بين المصريين والمتاجرة بفقر المصريين وبطالة أبنائهم فى الوقت الذى لايقدمون فيه بديلا ولا حلا ولارؤية عن مشاكل المجتمع ولايشاركون فى أى مسئولية رغم العروض التى عرضت علي الكثيرين منهم ! والإتهام الدائم بأخونة الدولة كأنها جريمة رغم عدم صحته من باب التخويف لوقف محاولات تطهير الأجهزة فى تحول عجيب عن مطالب الثورة كما حدث فى قضية النائب العام بحجة الإعتداء على القضاء وهم من طالبوا بالعدالة الثورية بل ومازالوا ثائرين حتى اليوم !!


3- بعد أن تم التحالف مع رموز الفساد من النظام السابق لتلاقى المصالح ضد الرئيس وحزبه وجماعته المحرومين من الرضا بين بعض الدول التى تعد على الأصابع فى المحيط الإقليمى والدولى فقد تم منح هؤلاء غطاءا سياسيا سمح لهم بالنزول الى التحرير - الذى كان مقرا لإسقاط نظامهم – فأصبحوا ثوارا  ثم مارسوا عن طريق تشكيلات عصابية من البلطجية المنتشرين فى كل محافظات مصر عنفا غير مسبوق مدفوع الأجر وقد قدمت الأدلة على ذلك للنيابة بالصوت والصورة والأسماء وفى ضوء هذا الشحن تورط كثير من الشباب فى ممارسة العنف تحت ضغوط كثيرة لكن فى النهاية كانت الفوضى هى السمة الغالبة والعنف هو الوسيلة وسوء الأدب هو الأسلوب الذى تعامل به كل هؤلاء فتم الاعتداء على المنشأت العامة والخاصة وتم مسلسل من النهب والسرقة وتفزيع المواطنين لم يسبق له مثيل فى وقت واحد فى معظم محافظات الوجه البحرى ولعل إيمانهم بأن إراقة الدماء هى الوسيلة الوحيدة لاستكمال الثورة وحشد الحشود بل وتصريحات رموزهم وشبابهم تؤكد ذلك على الانترنت "إراقة الدماء هى السبيل الوحيد لاستمرار الثورة "!!


4- فى ظل هذا المناخ المشحون بالعنف بجوار البورصة تارة وفى محافظات قناة السويس تارة أخرى ومع اقتحامات للفنادق السياحية فى وسط البلد مع اشتباكات منهكة مع الشرطة وقطع طرق وتعطيل مواصلات بالقوة مع تركيز إعلامى مرعب تتوقف الاستثمارات وتتلوث مواقع المشروعات العملاقة ويعلو سعر الدولار بعد سحبه من السوق المحلى بمليارات الجنيهات المنهوبة من المصريين ! وتزيد الأسعار على الغلابة وربما شارك بعض رجال الأعمال فى تعقيد الموقف بتسريح العمالة لديه مستهدفين من ذلك إثارة الشارع وازدياد غضب المواطنين الذين يزداد فقرهم باستمرار الفوضى وتحميل الرئاسة وحزب الحرية والعدالة والإخوان مسئولية ذلك باعتبارهم حكام البلد (ثم يتهمونهم فى وقت لاحق بأخونة الدولة)


وهكذا فى ظل انحسار الشعبية بعد خسارة كل الاستحقاقات الإنتخابية والظهور المشين فى مسلسل العنف بعد الذكرى الثانية للثورة يأمل المتأمرون فى انحياز شعبى لمطالبهم بإقالة وإسقاط هذا الكابوس الإسلامى الذى تفجر فى وجوههم الكارهة لمنهج الإسلام كأسلوب حياة !


 وقد باء المخطط حتى الآن بالخسارة لأسباب عديدة منها


1-غياب الاسلاميين عن مشاهد العنف الأخيرة وتورط فيها المنتسبين لجبهة المعارضة المتحالفين مع أسوأ أنواع الفلول المحركة لجموع البلطجية فى مصر والتى تم إنشائها فى ظل النظام البائد !


2- ظهور حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين يوم 22 يناير تحت عنوان "معا نبنى مصر" فى نمط جديد من الإحتفال بذكرى الثورة الثانية لتقديم الخدمات للمجتمع وللمواطنين كزرع الأشجار والقوافل الطبية والسلع المدعمة وإحكام الرقابة على المنتجات التموينية وفتح فصول محو الأمية والقوافل البيطرية وتنظيف الشوارع وغير ذلك مما أضاف للصورة الذهنية لدى المواطن المصرى مواصفات من يبنى ومن يدمر من ينشد الاستقرار ومن يسعى الى الفوضى!


3- ولعل السلوك الشاذ الذى ظهر به المعارضون وصمتهم على البلطجة وإراقة الدماء المصرية الذكية بلا سبب بل وظهور جماعات الملثمين الذى حاول إعلام الفتنة الترويج لهم على انهم أصحاب أهداف نبيلة وغاضبين من حقهم التعبير عن غضبهم بأى شكل !! ولاندرى إذا كانت الأهداف نبيلة فلم يحجبون وجوههم ! واعتداءاتهم المستمرة على الشرطة وحرق سياراتهم واستفزازهم الدائم واقتحاماتهم لدواوين عام المحافظات حتى أنهم اقتحموا ديوان عام محافظة القليوبية فى بنها وصعدوا وحرقوا علم مصر فى تصرف غريب على الثوار !!!!كل ذلك أفشل مخطط التعاطف معهم من جموع الشعب المصرى بل دفع الأهالى للتصدى لهم كما حدث فى مترو المعادى وقهاوى السيدة زينب وشوارع الأسكندرية والمنيا وأسيوط ! وتذكروا ما فعله الإعلام مع شباب الإخوان فى عرض رياضى وما أسموه وقتها فى صحف الفتنة بميليشيات الإخوان كى يعتقلوا القيادات ثم يفرجوا عن الشباب المتهم !!!!


الخلاصة أن محاولاتهم هذه المرة قاصمة وربما مع فرض الطوارئ ونزول الجيش للمساعدة مع الشرطة وغضب الشعب منهم ورفض قادتهم أخر فرص الحوار تسقط وتتهاوى قدرتهم على رسم الأحداث رغم الدعم الخارجى الذى شكلت له لجان خاصة لمتابعة ما يجرى فى مصر !! ولعل غير المتورطين فى هذه الأحداث يراجعون أنفسهم وينجون بما تبقى لهم من رصيد وانا أراهم مازالوا وسطهم لكن دون الصدارة لعلمى بوطنيتهم الحقيقية التى تمنعهم من المشاركة فى جريمة حرق مصر لكيد سياسى وانتهازية شخصنت القضايا الوطنية وزاوجت بين الخصم السياسى والوطن ومصر كلها فى انتظار هؤلاء لنفتح صفحة جديدة بعيدا عن هؤلاء الذين تلوثت أيديهم بدماء المصريين ويحاولون بإعلام الفتنة الكاذب أن يلصقوها بخصومهم الذين بالغوا فى سماحتهم بشكل أثار غضب قطاعات كبيرة من الشعب المصرى وطالبت بالحسم مع المتورطين حتى لو كان الثمن إعلان الأحكام العرفية !!! ولم يشف غليلهم حتى الآن فرض الطوارئ على ثلاث محافظات فقط ولمدة شهر واحد ! لكننا نأمل فى هدوء الأوضاع فى فترة أقل ان شاء الله لتبدأ مصر بحق طريقا طويلا للتنمية والنهضة وشعب مصر قادر على تحقيقها ان شاء الله شاء من شاء وابى من أبى والله من ورائهم محيط


دكتور محمد جمال حشمت

أستاذ جامعى و نائب بالبرلمان

30 يناير 2013م

إضافة تعليق