الرئاسة والحكومة والانتخابات والتعذيب !

أعتقد أن هناك كثيرون يرغبون فى تغيير رئيس الوزراء والبعض يطالبون بتعديل وزارى كامل ! الرافضون لهم منطق والمؤيدون لهم أيضا منطق! وكل مطالب يرى التغيير من وجهة نظره ومبتغاه ، من يطالب بتغيير موسع فى الوزارة يثير انتقاد الراغبون فى عدم التغيير باعتبار أن الوقت لا يسمح بوزراء جدد يحتاجون لشهرين على الأقل لمعرفة ما يدور فى وزارتهم وعندما ينتهى كل منهم من وضع تصور للتعامل مع الحالة السيئة فى وزارته يجد نفسه أمام استحقاق انتخابى وحكومة جديدة تعتمد على أغلبية برلمانية تبدأ فى استلام مقاليد الدولة بقوة لتنهى أزمات عدة ! أما الراغبون فى تغيير رئيس الوزراء فقط فأجد نفسى متعاطف معهم لأن رئيس الوزراء رجل محترم لكنه محسوب على التكنوقراط اكثر من السياسيين ! وهو غير موفق فى خروجه على الشعب حديثا ولا فى تقدير الموقف على أرض الشارع ولا فى فرض الحزم والحسم والرقابة الجادة على مرؤوسيه عملا! وقد لاحظت أنه عنيد وتعددت أمام عينى مفارقات هذا السلوك المعيب والذى وضح جليا فى مشكلة تعيين حملة الماجستير والدكتوراه الذين وقف بعضهم أمام منزله معتصما للمطالبة بالتعيين ! وعندما حصلوا على الدرجات لم يوافق على تولى الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة توزيعهم وهو مطلبهم خوفا من الواسطة أو الرشوة أو إساءة استعمال السلطة ! ورغم ما قدمته من اقتراح برغبة لمجلس الشورى وتبنته لجنة التعليم والبحث العلمى وحتى رئيس المجلس لكن احدا لم يستجب بعيدا عن العقل والمنطق ! وحتى عندما أخطأ فى حواره فى نساء بنى سويف لم يجد الشجاعة ليعتذر عن قوله الذى أثار استهجان الجميع !!


وقد اقترحت أن يتولى السيد رئيس الجمهورية رئاسة الوزراء بشكل استثنائى لحين انتهاء الانتخابات البرلمانية ومعه نائب رئيس وزراء قوى مع تعديل لبعض الوزراء الذين يتحركون فى إطار الجدل والكلام دون إنجاز حقيقى لخدمة الشعب المصرى ! أما  عن الانتخابات ونزاهتها فرغم انعقاد حوار رئاسى حول الضمانات التى تحقق نزاهتها وشفافيتها إلا أن المعلوم من الواقع بالضرورة أن تزوير الانتخابات اليوم صار أمرا مستحيلا حيث يشرف القضاة وتفرز الصناديق فى كل لجنة! وتراقب منظمات ومراكز حقوقية محلية ودولية إجراءات الانتخابات  والأهم من ذلك الإقبال الكبير من الشعب الواعى بما لا يسمح لأحد بالتفكير فى التزوير وفوق ذلك التواجد الأمنى من الشرطة والجيش فى مراحل الانتخابات الأربع ! ربما أفهم أن البعض يحتاج الى ضمانات قبلية بمعنى عدم التأثير فى إرادة الناخبين أو الاستفادة بأى شكل من إدارات الدولة للدعاية الانتخابية أو استعمال دور العبادة فى الدعوة لمرشحين وهذا كله واجب الوقت الذى يستلزم اتخاذ قرارات تمنع كل ذلك وتطمئن كل المرشحين أن أحدا لن يسمح له بالغش أو بمساعدة خارجية وكل ذلك مفهوم ومقبول ! لكن العجب العجاب هو أن تقاطع بعض فصائل المعارضة الانتخابات بدعوى عدم ضمان نزاهتها بل يقسم أحدهم أن التزوير هو الأصل فى هذه الانتخابات القادمة !!! أو بوضع شروط قبل إجرائها أو لأنهم لم يستشاروا فى الموعد قبل اتخاذه !!


وفى كل مرة يرفضون طلبا بالحوار تتجاوزهم الأحداث فعلوا ذلك فى الجمعية التأسيسية عندما طالبوا بمزيد من الوقت  لمناقشة بعض المواد المختلف عليها فلما مد الرئيس لهم شهرين انسحبوا ورفضوا العودة ولم يستجيبوا لكل الوساطات فلما تمت الدعوة للإستفتاء طالبوا بالمد واعترضوا وادعو سلق الدستوروشككوا فى نزاهة الاستفتاء ! وعندما دعوا للحوار حول كل القضايا المطروحة على الساحة بلا شروط مسبقة ! رفضوا فلما تحدد موعد الانتخابات قالوا أن أحدا لم يستشرهم فى الموعد واليوم لو رفضوا حضور حوار الضمانات ستصدر وعندها يشككون فى نزاهة الانتخابات ! ويعلنوا عدم مشاركتهم وهو موقف يدينهم أرجو ألا يقعوا فيه ففى تصريحاتهم ما يؤكد أن شعبية الإخوان والحرية والعدالة والرئيس قد هبطت الى مستوى متدنى أى أن خوضهم للإنتخابات سيمكنهم فى ظل هذه الظروف من النجاح بأغلبية مما يجعلهم الأحق بتشكيل الحكومة وتعديل الدستور ! فلم لا يخوضونها ؟!! هذا التناقض والارتباك فى موقف أحزاب المعارضة التى فقدت سيطرتها على الشارع كما اعترف بذلك الكثير من قيادتها باعتبار أن أتباعهم لهم عقول ولا يتحركون حركة القطيع !!! يؤكد أن المعارضة فى مصر مازالت ظاهرة صوتية تتصدر المشهد الإعلامى دون تواصل حقيقى مع أبناء الشعب المصرى  وهذا ما يعملون حسابه بشكل كبير ! ونصيحتى لهم ألا يقاطعوا حتى يطهروا أنفسهم مما لحق بهم طوال الشهرين الماضيين من شبهات الدعوة للتظاهر بلا طائل ومنح البلطجية ساترا للنزول فى الشارع أو الدعوة للعصيان المدنى الذى يمارس البعض الدعوة له باستعمال العنف والقهر والتهديد أحيانا أو الرشوة ودفع المال أحيانا كما حدث لشركة السوبرجيت وسائقى الميكروباص فى بور سعيد فقد تم تهديد الأولى ورشوة الأخرين بمبالغ مالية وصلت الى 500 جنيه فى اليوم بشهادة أهلنا الشرفاء فى بور سعيد !! فالنزول هو أنجح الحلول لهم والله من وراء القصد اللهم بلغت اللهم فاشهد


وفى النهاية أستعرض قضية خطيرة وهى قضية تهم كل المصريين تلك هى استمرار حالات الخطف والتعذيب خلال فترة الشهور الستة الماضية  على طريقة جهاز أمن الدولة المنحل وقد تم رصد حالات عديدة مثل تعذيب أنس محمد البالغ من العمر 23 سنة ومصطفى كمال أبو المجد البالغ من العمر 19 سنة فى شهرى يوليو وسبتمبر 2012 ورغم انتهاء حالة الطوارئ فمازال مدنيين يقدمون الى محاكم أمن الدولة العليا مثل قضية طابا وقضية خلية الزيتون وقضية ابو قرقاص وقضية العريش وقضية بشار أبو زيد وكذلك تم تقديم أهالى جزيرة القرصاية الى المحاكم العسكرية  أما تجاوزات وزارة الداخلية بعد وقف العمل بقانون الطوارئ فقد تم رصد حوالى 86 حالة عانت من الاعتقال والتعذيب والقتل فى مواجهات مع الأجهزة الأمنية


ومما لاشك فيه أن أعمال العنف التى تصدر من الأجهزة الأمنية بهذا الشكل غير مقبول - مع تقديرنا لما يبذله رجال الشرطة من مجهود وضبط للنفس فى كثير من الأحيان - وربما التجاوزات تفوق ما تم حصره لكن ذلك لايبرر أبدا تعامل البعض بنفس منطق ما قبل ثورة 25 يناير  لذا نرجو البدء فى إصلاح جدى للقطاع الأمنى وإحكام الرقابة عليه لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات وإجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة حول كل إدعاءات التعذيب ومحاكمة مرتكبيها وتعويض ضحاياها ووقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وإلغاء محكمة أمن الدولة طوارئ وضمان الحق فى محاكمات عادلة طبقا لنصوص الدستور الجديد


واليوم وزارة الداخلية مدعوة فى مجلس الشورى للرد على كل ما قيل ويقال فى هذا الصدد لتبرئة نفسها وإثبات أنها بدأت عهدا جديدا أو لتتحمل ثمن تطهيرها من هذا السلوك الشاذ الذى صار مرفوضا حيث يدعوها الشعب المصرى لممارسة دورها بكل قوة فى إطار تنفيذ القانون واحترام حقوق الانسان اللهم بلغت اللهم فاشهد


دكتور محمد جمال حشمت

أستاذ جامعى ونائب بالبرلمان

27 فبراير 2013م

إضافة تعليق