د. جمال حشمت يكتب : لا تظلموا شبابكم ... أثابكم الله

تقاس الأمم بما تقره من منظومات القيم والأخلاق الإنسانية وما تتركه من أثار إيجابية فى مختلف مناحى الحياة يشارك فى صنع ذلك مجموعات البشر التى تتواجد فى المكان الواحد على مر الزمان رغم اختلاف أفكارها وعقائدها وتوجهاتها وقد كانت الدولة أو السلطة الاسلامية التى حكمت العالم لمئات السنين مثالا لذلك فقد صنعت حضارة أرشدت العالم ونبهت الغافل ومكنت لمنظومة القيم لفترة ليست قصيرة من الزمن شارك فيها المسلمون والمسيحيون واليهود فى تناسق وتناغم جعل الحضارة الآسلامية نموزجا فريدا نتاج التعايش والتعاون بين كثير من الأجناس والعقائد المختلفة، لذا أتعجب من قادة عانوا من الظلم والفساد والاستبداد لسنوات طويلة وعندما انزاح عنهم ذلك إفتقدوا الرؤية وأحيانا الإخلاص ، يسارعون للفتنة ويفتعلون الصدام ليثبت كل منهم أنه هو المحق وصاحب النظرة العميقة الصائبة وربما واجههم فى ذلك من يظن أنه وحده سيحقق الحلم أو يحمل المسئولية وحده وكلاهما واهم !! لكن الذى يحزننى أن هناك شباب ضحايا لقيادتهم  تطرفوا فى السلوك والأخلاق ، شباب محبط وجد فى الفوضى مجالا للتنفيس عن طاقاته  وفرصة للإنتقام من مجتمع ظلمه كثيرا ولم يمنحه حق الحياة الكريمة وعندما أتيحت له الفرصة كان خصمه هو شريكه فى الثورة وقد صورته مطامع البعض صنما مستبدا ونموزجا لحكم وجبت مخالفته ومعارضته طوال الوقت ! وفى الطرف الأخر  وجد الشباب نفسه فى أتون تجربة للإدارة لم يمارسها بشكل رسمى من قبل فقد كان ممنوعا محروما منها ! وفى ظل أرض غير ممهدة تم تجريفها بشكل عمدى وفى مناخ معاد ودعوات للمطالبة بالحقوق دون أن تسأل نفسها ماهى واجباتها؟ بل تمارس حريتها بشكل فوضوى طالما حقق ذلك لها مصالحها، فتحدث أخطاء وتراجعات تصبح هدفا للطرف الأخر ! وهلم جرا.


لذا أعتقد أن إعلان أحزاب جبهة الإنقاذ مقاطعتهم للإنتخابات البرلمانية القادمة يحمل من الرسائل السلبية أكثر من الإيجابية والمتضرر الأكبر هم الشباب الذين شاركوا فى العمل السياسى من خلال تلك الأحزاب وتاقت أنفسهم للمشاركة فى بناء وطنهم من خلال الحوار والدراسة والترشيح والانتخابات فإذا بهم لا يجدون إلا صخبا إعلاميا أتيح لقلة منهم يرددون فيها الاتهامات والتخوين يعتمدون على ركيزتين فى مخاطبة المشاهدين أو المواطنين وهما المطالبة بالقصاص وحق دم الشهداء ! والعدالة الاجتماعية وحق الغلابة فى عيش كريم !! وكلاهما حق اريد بهما باطلا حيث فى ظل غلق أبواب الحوار ودراسة الواقع وطرح الحلول والبدائل وإدمان الانسحابات  بشكل مزمن !لن يجد أحد فرصة لمعارضة موضوعية ، وهاهى الانتخابات البرلمانية التى كانت المتنفس والحلم للشباب لممارسة العمل السياسى خاصة وأن أحزابهم كانت دائما تخاطبهم باعتبارهم هم الأغلبية التى يجب أن تشكل منهم القوائم ! فإذا بكل هذه الأمانى تتبخر وتنقضى ولم يبق أمام الشباب إلا الشارع يمارسون فيه صخبا وعنفا بديلا عن المنافسة الانتخابية والحوار الشعبى !


تلك جريمة يرتكبها كبار الساسة فى أحزاب الجبهة فى حق شبابهم الذى ضاعت فرصتهم فى ممارسة العمل الشعبى لينقذوا أنفسهم من تجربة انتخابية لن ترحم أحد هذه المرة ! فسيدفع كل من تقاعس عن أداء واجبه تجاه شعبه ولم يخلص له الثمن فى هذه الانتخابات دون تفرقة،  لكن الفارق أن هناك من يتحمل أخطائه ويواجه شعبه وهناك من يخشى المواجهة ليتنصل من أوزاره وما ارتكبت يداه من سوء طوال الفترة الماضية ! النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل   ! أرجو مخلصا أن يعيد هؤلاء المسئولين فى المعارضة الذين يدفعون الشباب للخروج والتعدى على الممتلكات العامة ومحاولة فرض العصيان والاعتداء على المواطنين فى اماكن عملهم ومن ثم التعرض للأذى موتا أو إصابة كى تشتعل الساحة من جديد باعتبار نظرية أن إراقة الدماء هى التى تشعل الثورة وتقود الشارع الى الانفلات تحت شعارات حق القصاص وحق الغلابة !!


ورغم أننا لن نسمح لأحد أن يعيدنا الى ممارسات النظام السابق ونطالب بشكل دائم  البدء فى إصلاح جدى للقطاع الأمنى وإحكام الرقابة عليه لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات وإجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة حول كل إدعاءات التعذيب ومحاكمة مرتكبيها وتعويض ضحاياها ووقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وإلغاء محكمة أمن الدولة طوارئ وضمان الحق فى محاكمات عادلة طبقا لنصوص الدستور الجديد ، إلا أن من يغلق باب العمل السلمى أمام شبابه ويتيح لهم فقط باب العنف والفوضى تحت أى مسمى له ظالم لنفسه ولوطنه !


انتبه

لقانون الصكوك الذى يضيف الى مصر أصولا ويفتح بابا جديدا للتمويل يشارك فيه أبناء الشعب ويقلل من احتياج مصر للقروض واللجوء اليها والصكوك التى هى مشاركة فى الانتاج وليست عائدا على رأس المال ! والتى تصدر على أسس اقتصادية لمدد قصيرة تحت رقابة شرعية ومالية وفنية من البنك المركزى ، هو قانون يحتاج الى قراءة من المهتمين خاصة الذين يتحدثون عنه بغير علم ويسيئون اليه وهو الذى مول المانيا عام 2005 فى ولاية واحدة ب100 مليون دولار صكوك إجارة ودبى استعملته فى مؤسسة الموانى لديها بمبلغ تجاوز 2.8 مليار دولار وكذلك ماليزيا وقطر والسعودية وتركيا انجلترا وأمريكا  كل ما نرجوه الاطلاع والحوار الجاد لمصلحة هذا الوطن المنكوب بكثرة الحاقدين والكارهين لنهضته فقط شئ من الموضوعية!


---------------------------

أستاذ جامعى ونائب بالبرلمان

g.hishmat@gmail.com

إضافة تعليق