مكافحة الفساد ثورة موازية

لاشك أن ثورة يناير كانت أحد نتائج استشراء الفساد فى مصر بشكل غير مسبوق فقد كانت الدولة ترعاه على مستوى الكبار وللصغار حق التمتع به بقدر ما يلقى حماية من أحد الكبار فصار شعب مصر نهبا للفساد وغنيمة للمفسدين وللأسف مازال هذا الموروث قائما ولعل فى سلوك العامة مقاومة غير مقصودة لكل محاولات الاصلاح التى تتحرك باستحياء حتى الآن ! ولقد عمدت سلطات الرئيس المخلوع وتحت رعايته أن تنتقص من سلطات مكافحة الفساد لذا فقد خربت الأجهزة الرقابية وتم رشوة معظمهم وسمحت بانتفاع المراقب من الجهة التى يراقب عليها فضاعت الحقوق ونهبت الثروات وتغول الفساد ، ومن يدرك ذلك يفهم عظمة النصوص الدستورية فى الدستور الجديد حول مكافحة الفساد وتوحيد الجهات الرقابية وانشاء مفوضية لمكافحة الفساد! لذلك تتم مهاجمة الدستور من قبل هؤلاء ومريديهم ليل نهار ! بل لقد لعبت المجالس التشريعية دورا فاسدا فى تهيئة القوانين التى تغل أيد الأجهزة الرقابية كى يستسلم الجميع لمعركة النهب الدائم لمصر وخيراتها على مر عشرات السنين ! 

فى دراسة للمستشار محمد رضوان حول الاستراتيجية التشريعية لدعم مكافحة الفساد المالى والإدارى فى مصر التى وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد يقول " أن هناك انتقاص من دور الأجهزة الرقابية ومن ولايتها بالتحقيق وعزل بعضها مثل النيابة الإدارية عن المحاسبة والرقابة على جهات وهيئات وشركات السلطة التنفيذية مما أدى الى انتشار الفساد والمحسوبية والانحراف المالى والإدارى داخلها، وهيمنة الرؤساء الإداريين على صغار الموظفين واستخدامهم كأداة فى ارتكاب الفساد وتزامن مع ذلك الانتقاص من حق المواطنين فى الشكوى باعتباره أحد فروع التقاضى بالمخالفة للمبادئ الدستورية  وحتى لو تمت التحقيقات فى غياب السلطات الإجرائية وإضعاف آلية الكشف عن الأدلة وملاحقة مرتكبى هذه الجرائم ، فعدم تنفيذ القرارات الصادرة فى وقائع الفساد والانحراف المالى والإدارى يجهض الهدف الرئيسى من دور الهيئات الرقابية " ثم تعرضت الدراسة الى أمثلة من التعديلات التشريعية التى شرعها نظام مبارك الفاسد المستبد هو إخراج عدد كبير من المرافق والمؤسسات خارج نطاق الرقابة وأوكلها لنفسها !! مثل  تعديل قانون الشرطة ، قانون الجامعات ، المعاهد العلمية والبحثية حيث تخضع لقانون الجامعاتوكذلك صدر القرار الجمهورى رقم 19 لسنة 1983 بشأن مراكز البحوث الزراعية الذى أخرج أعضائها والعاملين بها من ولاية النيابة الإدارية وأسند التحقيق الى عضو من مجلس الدولة رغم عدم اختصاصهم بقضاء التحقيق وغياب الخبرة ! 

أضف الى ذلك قانون قطاع الأعمال الذى أورد قيدا بضرورة الحصول على إذن من رئيس الجمعية العمومية (الوزير المختص) قبل مباشرة أى إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام قبل رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات فى شركات القطاع العام الذى ينفرد الوزير نفسه بتعيينهم فطبقوا بامتياز قول الرسول صلى الله عليه وسلم " هلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد " فهل ننتظر أكثر من ذلك وسط سرقة ونهب وإهدار للمال العام ؟ ، أضف الى ذلك أيضا من نمازج التشريع الفاسد الذى يؤكد على تعمد السرقة والنهب واسباغ الحماية على الفاسدين اصدار قانون قطاع الأعمال عام 1991 واستثناء الشركات التابعة من الخضوع للولاية القضائية للنيابة الإدارية وجعلها أمر جوازى لها تحدد معه الجهة التى تتولى مساءلتها من الداخل بما رتب سلب أموال الشعب وخروجها عن نطاق المراقبة ومن هنا تم فتح باب بيع أصول الشركات وأراضيها وغاب ضابط المسائلة الرئيسى لمكافحة الفساد وهى المسائلة ! وفعل ذلك هيئات وشركات أصدرت لوائحها التمفيذية باستثنائها من ولاية النيابة الإدارية بالمحايبة والرقابة القضائية" هل فهمنا الآن لماذا الرغبة فى إسقاط الدستور من قبل هؤلاء ومرتزقيهم ؟ هل ندرك الآن – وما قلته نقطة من بحار الفساد – لماذا يطالبون بحل الشورى وتعطيل انتخابات مجلس النواب ؟ ولماذا يرفضون حق الشورى فى التشريع بحجة ألأولوية والاحتياجات الآنية إذا سلموا بحق الشورى فى سن القوانين !!!


لمحة اخرى سريعة حول حكم القضاء الإدارى ومجلس الدولة فى القضية رقم 6040 لسنة 56 ق فى جلسة 23 يونيو 2012 لمطالبة  القضاة بمجلس الدولة باحتساب بدل لجلسات الصيف حرصا من النظام القضائى لتهيئة اسباب الحياة الكريمة للقضاة والمستوى اللائق الذى يعينهم على النهوض بواجبهم المقدس وتحقيق رسالتهم السامية فى اطمئنان من خلال توفير معاملة مالية خاصة للقضاة تتفق وما تمليه عليهم مناصبهم وأسلوب حياتهم من تكاليف وأعباء جسيمة فقد حكمت بعد قبول تدخل أى عضو من أعضاء كل من هيئة النيابى الإدارية وهيئة قضايا الدولة ، أولا حكمت المحكمة بقبول تدخل السادة المستشارين أعضاء مجلس الدولة الواردة أسماؤهم بصدر هذا الحكم وبقبول الطعن شكلا وفى ثانيا : الموضوع بالزام المدعى عليهم بأن يؤدوا للطاعن والمتدخلين من مستشارى مجلس الدولة مكافأة العمل خلال العطلة القضائية بذات مقدار المرتب الشامل الذى يتقاضاه كل منهم شهريا مع صرف الفروق المالية المترتبة على ذلك ومراعاة أحكام التقادم الخمسى وخصم ما سبق تحت مسمى العمل الإضافى وذلك كله على الوجه المبين والأسباب "


أفهم الصرف على أساس المرتب لا الشامل خاصة وأن التنفيذ سيتم بأثر رجعى خمس سنوات وقد فشلت فى حساب التكلفة على الموازنة العامة ! وأنا أثق أن القضاة المعنيين سيتفهمون ظروف مصر خاصة بعد مسلسل الفساد الذى استشرى ولم نجد أحدا يتصدى بقوة والفوضى التى ضربت أرجاء البلاد بلا رادع قوى أمنى أو قانونى


لعلى فى ضوء هذا الملخص نفهم لماذا تم إخلاء سبيل كبير الفساد فى مصر بعيدا عن الدماء والعذابات التى تتعلق برقبته ورقاب كل من يصفق له ويدعو له اليوم ثورجى أو فلولجى والأمر لله من قبل ومن بعد


دكتور محمد جمال حشمت

15 ابريل 2013م

إضافة تعليق