د.جمال حشمت يكتب : وجهة نظر لمليونية دعم القضاة

أخطأ من تصور أن خروج الأحزاب والقوى السياسية ذات المرجعية الاسلامية أمام دار القضاء فى تظاهرة سلمية لم نرها منذ ثلاثة أشهر قبل أن تهاجم من مثيرى الفوضى وناشرى العنف فى الشارع  مستهدفين دماء المصريين ببرود وبإصرار فى نفس الوقت ورغم الحرق والإصابات التى طالت المتظاهرين وحرق سياراتهم إلا أنهم نجحوا فى تجنب صدام استدرجوا اليه لكن الله سلم ، وأخطأ من المتظاهرين من تصور أنه خرج لإهانة القضاء أو التخلص ممن أساءوا اليهم بمجرد الخروج أو الهتاف ورفع الشعارات ! بل وتجاوز حدود العقل والمنطق من عمم دعواه حول فكرة التطهير وضم كل قضاة مصر فى كفة واحدة ! كل هؤلاء أخطأوا لأن الحقيقة بعيدا عن التظاهرة وضرورتها تتجلى فى معانى محددة تحدثنا فيها كثيرا ونوهنا عنها كثيرا من أن الهدف الذى طالبت به الثورة بل ونادينا به من قبل الثورة هو دعم قضاة الاستقلال الذين بدأوا فى انتزاع استقلالهم من تغول السلطة التنفيذية منذ مؤتمر العدالة الأول عام 1987م بقيادة المستشار يحيى الرفاعى رحمه الله ، الهدف هو مطالبة قضاة الاستقلال الأحرار الذين وقفوا أمام دولة الفساد والاستبداد وفضحوا التزوير الذى رعاه من يتصدر المشهد القضائى الآن ! بل وادعى لنفسه أنه من تيار الاستقلال ! وهو المطلوب رفع الحصانة عنه ولم يستجب المجلس الأعلى للقضاة لطلب النائب العام والثانى ممن يتصدروا المشهد هو من اعترف بتلقيه هدايا من بعض الصحف بل وقام بردها وهناك بلاغات ضده ولم تتحرك داخل السلطة القضائية ! 

هنا ارتفعت الأصوات تطالب قضاة الاستقلال الحقيقيين لمحاسبة زملائهم الذين انشغلوا بالعمل السياسى الحزبى بمناصرة فريق ضد فريق بل وصارت أراؤهم السياسية فى تصريحات ومؤتمرات بل وأحكام قضائية ! ومظاهر هذه الإشكاليات تتلخص فى أولا تقديم أدلة فاسدة لمحاكمات رموز النظام البائد  ترتب عليها احكاما بالبراءة أثارت غضب الشعب المصرى واغلبيته التى تضررت كثيرا من ممارسات منظومة حكم فاسدة انتفع من ورائها البعض – وهم من يدافعون عنه الآن- ثانيا إصدار أحكام متتالية مثلت تغولا من السلطة القضائية على باقى السلطات تشريعية كانت أم سياسية هدفت الى هدم كل مؤسسة يتم بنائها بشكل ديمقراطى ( مجلس الشعب الذى حصل على 32 مليون صوت مصرى !- الجمعية التأسيسية الأولى – رفض القرار الرئاسى بعودة المجلس – إبطال الإعلانات الدستورية – التعدى على الدستور وحكم إبطال تعيين النائب العام – وقف قرار الرئيس بالدعوة للانتخابات – والنظر فى شرعية مجلس الشورى الذى انتخب ب 7% وتحصن بنسبة 64% فى الاستفتاء على الدستور – النظر فى نتيجة الانتخابات الرئاسية رغم تحصينها بالمادة 28 من الإعلان الدستورى – بل والنظر فى الجمعية التاسيسية الثانية وشرعية الدستور الذى تم الاستفتاء عليه !) كل ذلك أثار الشعب المصرى بسطائه وشرفائه من حالة التربص القائمة بين السلطة القضائية وباقى سلطات الدولة التى جاءت بالانتخاب الحر المباشر (الرئاسة ومجلس الشورى ) وخوفا من استمرار الحديث حول الثورة المضادة ودور القضاء فيها وهو ما نرفضه رغم كل ماذكرت وغيره كثير يتم تداوله فى نطاق الإعلام الإليكترونى فقط حيث ينضم الإعلام الصحفى والفضائى الى الدولة العميقة التى تحمى الفساد وتقاوم تفكيك هذه الشبكات الفاسدة تحت ترويج مصطلح حرية الإعلام وأخونة الدولة !! 

والآن يغالطون ويجعلون المطالبة بمحاسبة من ورط القضاء فى مواجهة سياسية لسلطات الدولة المنتخبة والتى شرف القضاة أنفسهم بالإشراف عليها اعتداء على القضاء وإهانته وسب للقضاة وترويعهم !!!، تلك هى الإشكاليات وهذه هى المغالطة أضف الى ذلك أن أحدا من تلك الأحزاب السياسية التى تساند القضاة وتحضر مؤتمرات نادى القضاة الذى تعرض يوما ما الى هجوم حكومى من نظام مبارك بعد موقفه من دعم قضاة الاستقلال عام 2006  ثم تم الاستيلاء عليه بقيادة المستشار الزند الذى هاجم عمل القضاة بالسياسة وصرح أن النادى فقط لأعمال خدمية اجتماعية فإذا به يحوله الى حزب سياسى له موقف ضد أومع من يمارس السياسة فى مصر بل وصار هو كما يدعى من قضاة الاستقلال ! أقول هذا وأنا أدرك قيمة استقلال القضاء استقلالا حقيقيا لا كما يريد المستشارالزند وشركاه ! كما أدرك أن هيبة القضاة تاتى من ترفعهم عن تناول الشئون الحزبية وانحيازتها و من شموخ نظرتهم فى التعامل والتفريق بين حقوقهم وواجباتهم بنزاهة واستعلاء عن الصغائر التى قد تجعلهم فى مواجهة وندية مع غيرهم من فئات الشعب وهم حصن العدالة بالنسبة لهم ! حماية القضاة واستقلال القضاء خط أحمر وضرورة لا يدركها إلا من تعلق مصيره يوما ما بكلمة ينطقها قاضى شريف مخلص وكل من خرج فى هذه التظاهرة من هؤلاء الذين دافعوا عن القضاة الأحرار المستقلين وهتفوا لهم لا عليهم ، ودعما لهم لا إهانة كما يريد البعض أن يفسر الحدث !


هناك تصيد للتظاهرة الأخيرة وعنوانها ومن دعوة البعض لمحاصرة منازل القضاة وكلا الأمرين عبث لا يليق بسلطة نحميها بأرواحنا ونحافظ على استقلالها ونربأ بأحكامها أن تسيس حتى لو أساء لها بعض المنتسبين اليها ! أدلة التصيد واستعمال الأزمة بشكل يخدم اتجاهات سياسية محددة دائما رموزها ضيوف على مؤتمرات نادى القضاة ، أن أحدا لم نسمع له صوتا عند محاصرة دار القضاء والتهجم على النائب العام ومحاصرة المحاكم والنيابات التى يمثل أمامها شباب التيار الشعبى أو البلاك بلوك أو أحدا ممن يخضع للتحقيق حتى وصل الأمر الى حرق جزء من مبنى محكمة المنشية بالأسكندرية دون أن يجتمع نادى القضاة أو ينعقد مؤتمرا للجبهة !  هذا الكيل بمكياليين يخدم قضية منافسيهم الذين لو فعلوا عشر ما حدث من غيرهم لكان مصطلح إرهاب القضاة والضغط عليهم وتزييف العدالة والبلطجة السياسية من نصيب اولئك الذين اكتفوا بلعب دور الضحية برغبتهم درءا للفتنة!


أما عن تعديلات قانون السلطة القضائية المقدم من حزب الوسط فلم يناقش حتى الآن !لكنه كشف وأكد على تغول بعضا من السلطة القضائية عندما أنذر مجلس الشورى من مناقشة التعديلات ! ولا أفهم بأى حق يتم ذلك لكن ما أدركه يقينا أن نادى القضاة برئاسة المستشار الزند يلعب دورا حيويا فى إثارة وتأجيج النزاع بين السلطة القضائية وباقى السلطات فعندما يخاطب رئيس الدولة بطريد العدالة مع التهديد بقضية فتح سجن وادى النطرون وينذر رئيس مجلس الشورى ويتترس باحزاب سياسية معارضة ،فإنه يورط كل القضاة فى هذه المواجهة ظنا منه أن ذلك سيبعد عنه شبح طلب رفع الحصانة لمحاسبته أمام قضاة الشرف والاستقلال


اتقوا الله فى مصر وعلى كل منا أخطأ أن يعترف بخطئه فى الوسيلة حتى لو صدقت نواياه ، وعلى كل سلطة أن تحاسب نفسها وتنقى ثوبها فهذا أكرم لها والكمال لله وحده


------------------------------

أستاذ جامعى ونائب بالبرلمان

إضافة تعليق