حماية الشهود بوابة العدالة فى مصر

سيناقش مجلس الشورى فى الأيام القادمة مشروعا ستتقدم به الحكومة بعد تأخير حول حماية الشهود والمبلغين أعتقد أنه سيفتح بابا عظيما لدعم القضاء ومحاربة الفساد ومعاقبة المفسدين الذين ملئوا مصرا طوال عشرات السنيين بعد أن نشروا الرعب فى نفوس المصريين فلم يكن أحد يجرؤ أن يدلى بخبر عن هؤلاء إما لعلة فساد طالته أو خوف انتابه ، ولسنا فى محل استعراض حالة فساد الصغار الذين تستروا على الكبار فلهم يوم للحساب ! وهذا المشروع بقانون المزمع تقديمه قريبا فى لجان المجلس يوفر حالة الآمان لكل من يبلغ عن حالات الفساد وكل من يشهد بحق فى قضايا النهب والسرقة والاستيلاء على المال العام ويضع كل من بلغ أو شهد فى حماية الدولة ومؤسساتها ! وقد يصلح هذا القانون فى مواجهة ومطاردة الجريمة المنظمة فى الداخل وتلك العابرة للقارات وتشرف عليها عصابات دولية شارك فيها عدد لاباس به من رجالى الدول والمسئولين لتوفير الحماية وإسباغ الحصانة على المجرمين الفاعلين ! ذلك أن الشهود يحتاجون إلى الشعور بالأمان لكي يتقدَّموا ويمدُّوا يد المساعدة إلى سلطات إنفاذ القانون والادّعاء العام. كما إنهم يحتاجون إلى الاطمئنان إلى أنهم سوف يتلقَّون الدعم ويُحاطون بالحماية درءاً لما قد يتعرَّضون له من الترهيب ولما قد يقع عليهم من أذىً على يد العصابات الإجرامية في سعيها إلى تثبيط عزيمتهم لثنيهم عن التعاون مع السلطات أو لمعاقبتهم على ذلك.


وكما جاء فى تقرير للأمم المتحدة "إن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظَّمة عبر الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها تهيب بالدول الأطراف أن تتخذ التدابير المناسبة لمنع ترهيب الشهود أو قسر إرادتهم أو إفسادهم أو إيذائهم جسدياً، وأن تعمل على تعزيز التعاون الدولي في هذا الخصوص. ومع ذلك، فإنه حتى في الأحوال التي يكون فيها اتخاذ تلك التدابير قد شُرِّع بموجب القانون، لا يزال تنفيذها على مستوى قلَّما يحظى بالرضا، وتظلّ هنالك حاجة إلى إحراز المزيد من التقدُّم في هذا الصدد، وخصوصاً فيما يتعلق بالتعاون عبر الحدود، وبخاصة بشأن تغيير هوية الشهود المعرَّضين للمخاطر وكذلك نقلهم إلى أماكن إقامة أخرى".


وقد أعجبنى عنوان ندوة أقيمت لمناقشة هذه القضية فى يونيو عام 2010 بفندق سفير تحت عنوان " الفريضة الغائبة  ..حماية الشهود والمبلغين كألية لمكافحة الفساد وإهدار المال العام " والتى وثقت لهذا الحق خاصة وأن مصر وقعت على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وقد وضح جليا وقتها أنه لم تكن هناك إرادة سياسية لمكافحة الفساد باعتبار أن النظام الحاكم طوال سنوات الرئيس المخلوع هو الذى رعى منظومة الفساد وحمى زعمائها من الملاحقة والحساب واليوم بعد ثورة 25 يناير وبعد انتخاب أول رئيس مدنى لمصر توفرت الإرادة السياسية لملاحقة المفسدين تمهيدا لطريق العدالة الاجتماعية وإقامة العدل فى البلاد .


وقد أقر الجميع بضرورة توفير تشريع يضمن حماية حقيقية للمبلغين والشهود ضد العسف والجور الذي يقوم به أنصار الفاسد وأتباعه، خاصة فيما لو نجحت جهود المُبلغ أو الشاهد في وضع الفاسد خلف القضبان، هنا يكون الإنتقام أشد والتنكيل أقسي، ويتحول الُمبلغ إلى عبرة لمن يعتبر حتي لا يظهر شاهد جديد يساهم في وضع فاسد جديد، حيث يجب أن يكون !


والعجيب أن الضمانة الوحيدة  فى القانون المصرى هو ما قررته المادة 122 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه للمحقق أن يقدر بناء على طلب الشهود المصاريف والتعويضات التى يستحقونها بسبب حضورهم لأداء الشهادة. كل هذه النصوص التى وردت بالتشريع المصري(117و119و 121من ذات القانون) هي محض نصوص تنظيمية ما بين استدعاء الشاهد عن طريق الإعلان، أو الضبط والإحضار فى حالة رفضه الحضور رغم تكليفه أو توقيع الحكم عليه بالغرامة فى حالة نكوله عن الحضور لسماع شهادته أو رفضه حلف اليمين؛ كل هذا دون النظر إلى حماية الشاهد من مغبة شهادته وذلك ممن شهد عليهم وضمان حمايته وذويه من أى اعتداء أو اتخاذ إجراءات تعسفية ضده وخاصة فى قضايا الفساد !!


نحن إذا بهذا القانون نفتح بابا لهدم دولة الفساد على رؤوس أصحابها ولا أتصور ان أحدا من شرفاء مصر السياسيين أو الحقوقيين سيخرج علينا ليناقش فى هذه اللحظة حق مجلس الشورى الدستورى فى التشريع من عدمه أو مدى ضرورة مناقشة هذا التشريعات الآن وأن الواجب فقط هو إقرار قانون مجلس النواب باعتباره من أعمال الضرورة !!!!! بل موقف الشرفاء المتوقع هو الدعم والتأييد لإقرار منظومة قوانين العدالة الانتقالية والتى منها قانون السلطة القضائية وقانون حماية الشهود والمبلغين وقانون العزل السياسى وقوانين تطوير ورفع كفاءة الشرطة وقوانين محاكمة كبار المسئولين المتورطين فى اعمال فساد وأخرى إجرامية ولعل دراسة قيمة للمستشار عادل ماجد نائب رئيس محكمة النقض تحدث فيها عن مكونات قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية" تستحق التحية لأنها تنظم لجان تقصى الحقائق وأليات المحاسبة والتعويض العادل للضحايا لتتكامل المنظومة القضائية مع قانون حماية الثورة لضمان عدم إفلات أحد كائنا من كان مما ارتكبت يداه من إجرام ضد المصريين خلال السنوات الماضية تحقيقا لهدف من أهداف الثورة وهو القصاص ليس للشهداء والمصابين فقط بعد الثورة لكن لكل المعذبين الذين انتهكت حرماتهم وضاعت حقوقهم فى ظل الدولة البوليسية التى عذبت وأهانت وأهدرت وظلمت المصريين وحقوقهم، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون ورحم الله حسن البنا عندما أوصى أبنائه بوصية خالدة تظهر قيمتها هذه الأيام لننشغل بما يصلح لنا الدنيا والدين " كل قول لاينبنى عليه عمل فهو من التكلف الذى نهينا عنه شرعا" فاللهم اجعلنا من العاملين بجد وإخلاص بعيدا عن الجدل وإعجاب كل ذى رأى برأيه ، اللهم آمين


دكتور محمد جمال حشمت

أستاذ جامعى ونائب بالبرلمان

7 مايو 2013م

إضافة تعليق