فى خضم الخصومة السياسية التى تجتاح جنبات الوطن بلا عقل فتضيع الحقائق ويغيب المنطق وينسى المتخاصمون قواعد شرف الخصومة لابد أن يذكر بعضنا بعضا وينصح بعضنا بعضا حتى لا يتحول الضحية الى جان ولا المجرم الى ضحية فنرى القاتل برئ والسجين قاتل! وهذا ديدن البعض بعد برءاة المتهمين فى موقعة الجمل فإذا بالإخوان الذين شهد لهم الجميع بأنهم حموا المتظاهرين فى ميدان التحرير وأكدوا استمرار الثورة هم من قتل الثوار !! وأن السجون التى فتحت فى إطار خطة أمنية وثقها البعض تم اقتحامها بمعرفة الإخوان ولأن أحد المتهمين الذين خرجوا من السجن فى أحداث الثورة فلسطينى فقد شاركت حماس العدو اللدود للكيان الصهيونى فى تهريب المساجين !!! لكن ما حقيقة ما حدث هنا أستعرض فى الحلقة الأولى شهادات جمعتها ووثقتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ورسائل جائتنى من داخل بعض السجون المصرية أيام الثورة الأولى لكى يعرف العالم كله من قتل المساجين ومن فتح السجون المصرية وقتها !
يقول تقرير المبادرة تحت عنوان "شهداء خلف القضبان" الذى أعد بعد الثورة بقليل وتناول بالدراسة الموثقة الأحداث التى وقعت فى السجون التى شهدت هروبا جماعيا لنزلائها أثناء أيام الثورة ، كما يتعرض بشكل تفصيلى لعدد من الجرائم المروعة التى ارتكبتها السلطات بحق نزلاء سجون أخرى لم تشهد هروب أى من سجنائها حيث يعرض للشهادات والأدلة التى أمكن جمعها من خمسة سجون تقع فى أربع محافظات وهى طرة واستئناف القاهرة والقطا بالجيزة وشبين الكوم بالمنوفية والأبعادية بدمنهور ، وتشير الدلائل والشهادات إلى أن السجون الخمسة التى تناولها البحث جرى فيها قتل عدد كبير من السجناء بشكل جماعى بواسطة ضباط السجن بإطلاق نار عشوائى فى الفترة من 29 يناير وحتى 20 فبراير مما نجم عنه مقتل أكثر من 100 سجين ، وإصابة مئات النزلاء الأخرين داخل هذه السجون وحدها كما تكشف الأدلة الواردة على نمط متشابه من قتل السجناء داخل هذه السجون وأنه كان متعمدا فى أغلبه ولم يكن مرتبطا على الإطلاق بمحاولات هروب أو أثناء التصدى لحالات تمرد داخل السجون " " ضرب النار كان مكثفا جدا كأن حربا قامت فى السجن، هذا ماجاء على لسان أحد السجناء بسجن طرة فى مكالمة هاتفية يوم 24 مارس 2011 " " كنا واقفين جوه العنبر وكان فيه محمد بك البطران وعصام البسراطى (الضابط بالسجن) وسيد جلال (رئيس مباحث سجن القطا) واقفين كلنا مع بعض، سيد جلال بيتكلم معانا بكل أدب واحترام ومحمد بك البطران كمان وعصام البسراطى كان بيزعق لنا فمحمد بك البطران قام مزعق فيه وقاله اطلع انت بره انت اللى عملت كده ،انت اللى عامل الهيجان ده كله ،انت اللى عامل المشاكل دى كلها ، يجلس سجين مصاب فى زنزانته يحكى ما حدث يوم مقتل اللواء البطران " محمد بك البطران طلع بينا عشان يشوف زمايلنا اللى فى العنبر التانى قام سابقنا عصام البسراطى وقام شاور للبرج ومشاور علينا مرة واحدة ما شوفناش أى حاجة إلا محمد بك البطران وقع جنبنا وسيد جلال واخد طلقة فى رجله وفيه خرطوش فى صدره وزمايل كتير فيه واحد شفت الرصاصة بتدخل راسه ووقع جنبنا والكل بيجرى يمين وشمال أنا واخد طلقة داخلة من رجلى ورا وطالعة من قدام " " سجين أخر يصف أحداث 29 يناير كما شاهدها من داخل العنبر الذى لم يخرج منه طوال الأحداث " بعد ضرب النار على اللواء البطران وقتله ، الحرس بدأوا إلقاء قنابل مسيلة للدموع واطلاق رصاص مطاطى علينا وذخيرة حية ، كانوا بيضربوا نار علينا عشوائى .. ماكانوش بيضربوا على حد بشكل خاص ، دافعنا عن نفسنا زى ما قدرنا ، رمينا طوب واستخدمنا طفايات الحريق كان بحر من الدم وكان فيه جثث فى كل حتة حوالى 70 -80 سجين ماتوا فى اليوم ده " " وتضم قائمة السجناء القتلى فى سجن القطا الصادرة عن نيابة شمال الجيزة الكلية اسماء 33 سجينا لقوا مصرعهم ما بين 25 يناير وأول مارس 2011 منهم 31 سجينا أشارت القائمة أنهم توفوا نتيجة الإصابة بطلق نارى وكانت الإصابة فى 14 منهم فى الرأس أو الوجه أو الرقبة وفى حين كانت الإصابة فى 14 حالة أخرى فى الصدر والبطن والظهر" " بالرغم من كل ذلك فإن السجناء فى كل من سجون القطا ودمنهور وشبين الكوم وطرة أخبروا الباحثين فى المبادرة المصرية أنه بعد إطلاق النار الكثيف فى أواخر يناير 2011 انسحبت القوات تماما من العنابر وأغلقت بواباتها وقطعت المياه والكهرباء عنهم ولم تقدم أى طعام بينما كان الحرس فى أبراج المراقبة يطلقون النار بانتظام فى اتجاه العنابر وهو الوضع الذى استمر فى كل السجون لمدة تراوحت ما بين 10 و15 يوما حتى تدخلت القوات المسلحة لتأمين دخول بعض الخبز والجبن للسجناء ثم عادت المياه والكهرباء لمد ساعتين على الأقل يوميا "!!!
" لم يتلق سجناء سجن الاستئناف والقطا وشبين الكوم وطرة ودمنهور اى رعاية طبية لما يقرب من 10 أيام حتى تدخل الجيش خلال شهر فبراير وتم ترحيل السجناء المصابين إصابات جسيمة وفى حاجة ماسة للعلاج الى وحدات علاجية غير مجهزة فى أغلب الأحوال " انتهى جزء من تقرير المبادرة لكنى شاهد على ماحدث فى سجن دمنهور وقد كان ععدا من المساجين يتصل بى لإخبارى بما يحدث وفى محاولة لوقف نزيف الدماء وفك الحصار عنهم وكانت المعلومات التى تصلنى ارسلها مباشرة للحاكم العسكرى فى ذلك الوقت بعد هروب قيادات الشرطة واختفائها ! بل لقد أرسلو لى مذكرة أملوها لأحد أقاربهم من داخل السجن سأنشرها المقالة القادمة ان شاء الله والسؤال حتى نلتقى من له مصلحة فى تبرئة القتلة ولم لم تتم محاكمتهم حتى اليوم وهل هذه الجرائم متهم فيها الرئيس المخلوع وفريق أمنه وأين ضباط السجون فى هذه الفترة ؟؟ ولماذا تلقى التهمة على أخرين أبرياء كانوا ضحايا هذا النظام الفاجر وهل تلاقت المصالح لهذا الكذب ولتلك المؤامرة ؟ أسئلة كثير ة دعونا ننتهى من سرد ما حدث وما وصل الينا قبل أن نجيب عليها بل ربما مانسرده سيغنى عن التصريح !!
دكتور محمد جمال حشمت
أستاذ جانعى ونائب بالبرلمان
15 مايو 2011م