ساذج من يظن أن أحدا يستطيع أن يهز مكانة القضاء فى نفوس البشر - لا المصريين فقط -لأن القضاء هو وسيلة البشر لعودة الحقوق وإنصاف المظلومين وطمأنة النفوس واستقرار المجتمعات وقد اهتم الإسلام وشريعة الإسلام بالقضاء وجعله طريقا وبابا للتقوى "ولايجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" وجعل قضاة العلم الحق والحكم الرشيد والعدل الناجز هم أهل الجنة فإذا افتقدوا شرطا كانوا من أهل النار والعياذ بالله ! واهتم الإسلام بتربية النفس التى تحكم بين الناس لأنه يدرك أن العدل فى ضمير القاضى وليس فى نص القانون ، لذا يخطئ من يظن أن مكانة القضاء قد اهتزت فى نفوس المصريين لسلوك بعض القضاة المتجاوز للحدود وهم بلا شك نتاج نظام الفساد والظلم والاستبداد الذى حكم مصر بالحديد والنار لعشرات السنيين ! ولهم مصالح يدافعون عنها بأى ثمن ! أولئك يعرفهم القضاة ويستنكرون أفعالهم ولأنهم قلة فيلجأون الى المرتزقة من السياسيين والإعلاميين ليمنحوا قضيتهم زخما وانتشارا لإيهام الرأى العام بأنهم يمثلون كل القضاة ، يستعملون كلمة الحق التى يراد بها باطل عسى أن يحموا مصالحهم المهددة وتاريخهم المعروف لمن حولهم ، أما القضاء فلن تهتز صورته أبدا بعد كل ما قدم من انجازات ومواقف مشرفة لقضاة كالأعلام ، تدرس قضاياهم وأحكامهم للعالم ولن يتأثر هذا التاريخ المشرق مع امتداده بقضاة الحق والشرف الذين مازالوا يقبضون على الجمر فى هذه الأيام ويبتعدون تماما عن صدارة المشهد القضائى اليوم بعدما وجدوا من يسئ اليهم ولمهنتهم العظيمة !
القضاء العادل الناجز فوق رؤوسنا جميعا وقضاة مصر الشرفاء المحايدون المستقلون المتواضعون المراقبون لربهم فى أحكامهم فى قلوبنا ، تحميهم وتدافع عنهم أفئدتنا وأرواحنا ، فهم ميزان الله فى أرضه وورثة أنبيائه فلا يكذبن أحد علينا ويدعى أنه من هؤلاء ولو جلس مجلسهم وارتدى أوشحتهم ونطق بأحكام الهوى والظلم ، فسيرينا الله فيهم أياته فلقد تألهوا وشاركوا الله فى حكمه وتعالوا على عباده وأثاروا الفتن وظلموا الأبرياء وأطلقوا سراح الأشقياء وعاثوا فى الأرض فسادا بأحكامهم الجائرة التى أرادوا أن يلبسوها ثوب الحقيقة ! لكن هيهات أن يلتبس الأمر على الشعب الواعى رغم بساطته !
مصر اليوم فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها بعد ثورتها المجيدة تلقى حسدا وحشدا ضد حركتها نحو الحرية والعدل والعدالة الاجتماعية ، تلقى تآمرا من الداخل للأسف ومن الخارج لإشغالها عن التغيير والإصلاح والتنمية الواجبة حيث تمتلك مصر كل المقومات التى تؤهلها لدور ريادى بحق ومكانة اقتصادية مرموقة لكن للأسف يحتاج المء لحظة صدق مع النفس بعيدا عن حالة الكره والحسد التى تمتلك على بعض كل جوارحه ليعرف من يريد بمصر السوء ؟ ومن يريد إدخالها فى حالة من الفوضى التى لا نهاية لها ؟ ومن يتأثر ويحزن لوحدة صفها و وقوة منطقها وحرية إرادتها وعلو شأنها بين الأمم ؟ ومن يعاونه فى تحقيق ذلك نكاية فى منافسيه وعداوة لمرجعيتها ورغبة فى إفشال تجربتها الديمقراطية الجديدة ! كلاهما يسئ لنفسه ويعرض أمن مصر للخطر ( وقد قلت لبعض من يجمع توقيعات لانتخابات رئاسية جديدة ساتفق معكم لكن السؤال من مالم يكن الرئيس مرسى ؟ ومن سيترك من يخلفه يعمل فى هدوء؟ ولماذا نتحمل مسلسلات تركية تتعدى الثلاثمائة حلقة تضيعا للوقت ولا نترك الرئيس الذى لا يضيع الوقت يستكمل مدته ونرى ماذا يقدم لوطنه !!
فى تلك المرحلة الدقيقة تظهر معادن المصريين الذين يدركون أن الإرث ثقيل بكثرة همومه ومصائبه وخطير لحساسية الملفات التى تمس حياة الناس والتى تنفجر واحدة تلو الأخرى !، والذين يتحملون الخيار الديمقراطى الذى نادى به الجميع ثم كفر به أشد المؤيدين له حسدا من عند أنفسهم واستكبارا على الله !! تظهر معادن من يرى مصر هى الباقية وكلنا زائلون وسنلقى الله كل يحمل مسئوليته وأعماله على كتفه فى يوم لا ينفع فين مال ولاجاه وشهادات ولا بنون ! تظهر معادن من يرى أن مصالح مصر القومية لا خلاف عليها ويتناسى خلافاته الحزبية أو المذهبية عندما يحتاج الوطن كل أبنائه فى أزمات ليست من صنع جيل مابعد الثورة بل هى موروثات الخزى والعار والهروب من المسئولية
اليوم وقد تقدم بعض النواب بمشروعات لبعض مواد قانون السلطة القضائية ليستثيروا أصحاب الشأن كى يهبوا لإصلاح منظومتهم القضائية التى أصابها بعضهم بالغبار وقد سبق لهم النقدم بقانونين كاملين للسلطة القضائية ! لكن هيهات أن يفلح ذلك حيث تصدر المشهد من أساء لنفسه ولزملائه ومطلوب رفع الحصانة عنه ومن معه منذ أكثر من شهرين بلا جدوى ! وتشوه فكرة التعديلات التى هى استحقاق دستورى لقانون يعتبر من القوانين المكملة للدستور شأنه شأن قانون السلطة التشريعية ثم تختزل فى مادة واحدة تتحدث عن استحقاق دستورى أيضا لسن المعاش الذى تلاعب به النظام السابق واعترض عليه كثير من القضاة وقتها لأنه كان خصيصا لاستمرار بعض القضاة فى العمل ممن يخدمون النظام الفاسد بشكل احترافى ! وقد رأيت أن أنشر المواد الثمانية التى تطالب بها الإقتراحات المقدمة من النواب المحترمين لتعديل القانون رقم 46 لسنة 1972 أى عقب صدور دستور 1971 م !! وهى :
1- أن يكون شغل الوظائف القضائية على أساس الجدارة دون محاباة أو وساطة ووفقا لمعايير الكفاءة والتأهيل العلمى عملا بنص المادة 64 من الدستور
2- ألا يكون ندب القضاة إلا ندبا كلملا وبيان جهة الندب ومدته وآليته عملا بنص المادة 170 من الدستور
3- تعيين النائب العام وفقا لأحكام المادة 173 من الدستور وتفويض مجلس القضاء الأعلى فى تحديد الطريقة ووضع الضوابط والمعايير التى يتم على أساسها اختيار النائب العام من بين الفئات الثلاث التى حددها النص الدستورى
4- تنظيم إعارة القضاة مع التأكيد على ضرورة مراعاة قواعد العدالة والشفافية وتكافؤ الفرص بين جميع القضاة
5- الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات كواجب دستورى على النحو الوارد بنص المادة 210 من الدستور
6- المساواة بين جميع القضاة وأعضاء النيابات فى جميع الحقوق والمزايا المالية المقررة لنظرائهم من أعضاء الحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة عملا بنص المادة 170 من الدستور ، وامتثالا للعديد من الأحكام القضئية الواجبة النفاذ الصادرة فى هذا الشأن.
7- توفير الرعاية الصحية وتأمين رجال القضاء فى حالات الخروج الى المعاش والمرض والعجز
8- وفيما يتعلق بإحالة السادة القضاة الى التقاعد فى فقد ذهبت الاقتراحات المقدمة الى تقاعدهم ببلوغهم سن الستين عملا بقواعد المساواة والعدالة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص المنصوص عليها بالعديد من مواد الدستور إلا أن اللجنة رأت أن حسم هذا الأمر يتطلب المزيد من المناقشة والدراسة
ترى من يرفض هذه الاقتراحات ؟ وإذا كان هناك أفضل منها لدى القضاة فلماذا لا يتقدمون بها اليوم قبل الغد ؟ اللهم أنى أرى صخبا وضجيجا لأصحابه هوى وفى نفوسهم مرض وفى قدرتهم عجز عن الحوار والإقناع اللهم بلغت اللهم فاشهد
دكتور محمد جمال حشمت
أستاذ جامعى ونائب بالبرلمان
5 يونيو 2013