جمال حشمت يكتب ... ممكن أن نتفهم‏..‏ ولكن‏!‏

الرئيس البرازيلى الذى قفز ببلاده من الديون والفقر الى التنمية والترتيب العالمى اقتصاديا لاقى صنوفا من الحرب والتشكيك من ابناء بلده لمدة لاتقل عن عامين ! ورئيس الوزراء التركى الذى فاز فى الانتخابات البرلمانية وشكل حكومته لأول مرة تحت قصف إعلامى وتربص قضائى و غضب عسكرى ومظاهرات ليل نهار تندد به وترفض سياساته وظل صامدا طوال أكثر من ثلاث سنوات حتى حقق التنمية لبلده وسدد كامل ديونها و تبوأ مكانة اقتصادية على مستوى العالم ! وأمثلة أخرى كثيرة تؤكد أن التغيير مرغوب ومرهوب فى نفس الوقت لأن الإلف والخوف من الجديد دائما ما يسيطر على النفوس ، ومقاومة التغيير أيضا هو ديدن المتضررين منه ولأن مناخ الفساد الذى ساد فى مصر طوال عشرات السنيين الماضية  منح هؤلاء كم من المصالح والمكاسب لم يكن أحد يحلم به دون حساب أو رقابة لذا عندما تتهدد مصالحهم ومكاسبهم تلك فلن يهدأ منهم أحد بل سينفقون جزءا مما اكتسبوه لحماية ماتبقى وعلى أمل إفشال محاولة التغيير والإصلاح الجارية ، وهناك من يرى أن أى تغيير يحقق لمصر تنمية حقيقية رغم ألام المخاض التى لزما سنمر بها ثمنا واجبا سترسخ أقدام القائمين والداعين بإصرار لإتمام هذا التغيير مما يصعب فيما بعد أى محاولة لإبعادهم عن طريق صندوق الانتخاب ! لذا أجد أن ما يلاقيه الرئيس المصرى المنتخب من معارضيه على كل الأصعدة وبمختلف انتماءتهم هو وضع طبيعى ورد فعل متوقع لوضع غير متوقع أو متصور حدوثه من جانبهم !! 

ولابد أن يتفهم نظام الحكم فى مصر ذلك ولا يتأثر بحجم المعارضة الشرسة التى تخطت فى كثير من مفرداتها الأداب العامة والأخلاق والصدق والأمانة فى عرض الحقائق والوقائع!وعليه أن يشجع المعارضة البناءة الحقيقية فقد أثبتت الدراسات التى أجرتها بعض المؤسسات المحايدة أن كثيرا من الصحف كذبت وحرضت على الكراهية بل وهددت أمن البلاد بالدعوة الى العنف والفوضى فى أوقات كثيرة طوال 24 مليونية  اندلعت منذ تولى الرئيس مرسى السلطة فى البلاد ! وكذلك شاركت بعض الفضائيات المملوكة لبعض رجال الأعمال الذين تضرروا من إجراءات التغيير والإصلاح التى تنتهجها حكومات الرئيس المنتخب !! وأعتقد أن ما يحدث هو شهادة لهذا النظام لأنه لولا أنه يتحرك بقوة وبإصرار على طريق مكافحة الفساد ليحقق العدالة الاجتماعية المنشودة ما كانت هذه المعارضة !! لو أن هذا النظام رغم النقد


الموضوعى الموجه له ورغم الخسائر الذى يسببها لنفسه  ببعض المنتسبين اليه وبعض البطء فى حركته وبعض الفرص الضائعة منه ! لو أنه نظام فشل فى هذا العام ولم يحقق شيئا لكان هؤلاء الكارهين له أول من سيتركه يغرق ثم ينصبون له المشانق !! لو أنه رغم السباب والتخوين والاستهزاء والسخرية المصاحب للحصار والعنف والمولوتوف والدعوة الدائمة للإنقلاب عليه لم ينجز شيئا  على المستوى الخارجى والدولى والمستوى الداخلى من جلب للإستثمارات وتهيئة لمشروعات كبرى وإعداد خطة لمكافحة الفساد ووقف إهدار المال العام ومراجعة للموازنة فى مجلس الشورى التى وفرت على الأقل 20 مليار جنيه بعيدا عن الصناديق الخاصة التى يتم حصرها ووضع تصور للتعامل معها  ! لو لم يتحرك النظام فى اتجاه هذه الإجراءات ما كانت الدعوة الى 30 يونيو لإسقاط الرئيس بعد عام من توليه بحجة أنه لم ينجز شيئا ولم يحقق أهداف الثورة التى قامت لإزالة عدوان عشرات السنيين على مصر وشعبها !! 

والعجيب أن المنادين بهذا هم من استمروا فى الحكم عشرات السنيين بعد إقصاء وتغييب وتعذيب الإسلاميين أصحاب الأيدى الطاهرة فى مجملهم والتاريخ النظيف ولم يتحملوهم لمدة عام لم تكن فيها الأمور خالصة لهم ! وتصورت أن عنوان حملتهم الشرسة هو " أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون " ، ورغم أنى أدرك أن كثير من الشباب المتحمس لهذه الدعوات لم يقرأ التاريخ بإنصاف مفترضا فيه حسن النية وأن من حقه أن يعبر عن غضبه وإحباطاته وأمله الذى تعلق بالرئيس واتجاهه الإسلامى والذى لم يمنحه لا الوقت الكافى ولا المناخ المناسب كى ينجز ما وعد به ! نتفهم ذلك لكن البعض من المغرضين الذين يدركون فرص نجاح الرئيس لو توفر له الهدوء واستثمر وقته الشرعى بحق هم الذين أثاروا الغبار واليوم يدعون الشباب لإعلان الغضب ويتكلمون باسم الشعب وهم من فشل فى كسب ثقته فى كل استحقاق انتخابى ! وفى نفس الوقت يتحالفون مع رموز الماضى الذى خرب البلاد وأفسد العباد ، الذين أقاموا دولة البلطجة التى كانت سلاحهم فى التصدى للشرفاء وسرقة الوطن ! مما يهدد تظاهرات الشباب السلمية التى هى حق لهم ويعرض استقرار البلاد للعنف والفوضى ! 

فكما من حق الغاضب أن يعبر عن غضبه أيضا من حقه أن يفهم الحقيقة بهدوء بعيدا عن الغضب الذى يستثمره البعض لتصفية الحسابات مع الثورة التى قضت على نفوذهم وأحلامهم !   انتبهوا فمع النجاح يكثر الحساد ومع الشجر المثمر يزداد قذف الطوب ! والله لو فشل – لا أقول لو اخطأ فكلنا خطائون- لتركوه يرتع فى فشله ! ويبقى بعض المرتزقة من الإعلاميين والسياسيين يتعاملون مع الرئيس فى هذه المرحلة الانتقالية الخطيرة فى حياة مصر والمصريين تحت شعار الحديث الشريف " قبل الساعة سنون خداعة، يصدق فيهن الكاذب ، ويكذب فيهن الصاق ، ويخون فيها الأمين ، ويؤتمن فيها الخائن ، وينطق فيهن الرويبضة " وهو التافه الذى يتكلم فى أمر العامة ! أخيرا الظلم ظلمات ، ومحاولة استنساخ ثورة 25 يناير فى 30 يونيو لن تحدث لأن الأولى كانت طبيعية برعاية ربانية لم يستعد فيها أحد لعمل محدد وشارك فيها كل الشعب المصرى بعفوية وإصرار أما الثانية فمصطنعة برعاية شيطانية يدبر لها بليل لإراقة الدماء وإثارة الفوضى و يستدعى لها الشعب المصرى !وعهدنا بربنا الذى يحمى ويحفظ مصر من كل سوء أنه سبحانه لا يصلح عمل المفسدين الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون إن شاء الله


دكتور محمد جمال حشمت

أستاذ جامعى ونائب بالبرلمان  

18 يونيو 2013م

Dr Mohamed Gamal Heshmat

Prof of Endemic Diseases

Medical Research Institute

Alexandria University

إضافة تعليق