د. جمال حشمت يكتب :الأزمة وسيناريوهات الحل !

تتعرض مصر الى حجم كبير من المؤامرات والكيد والمشاكل بحجم اتساعها ونفوذها وأهميتها وتنوع مواردها وتعدد اهتماماتها لذا ليس مستغربا ما يحدث بها اليوم من صعود مفاجئ لفصائل مدنية ذات مرجعية اسلامية هى مرجعية دستورها على طول الزمان حتى فى غياب الدستور مكتوبا حيث تقر كل الدراسات ويؤكد التاريخ أن الدين مكون رئيسى من مكونات الشخصية المصرية وهو ما لايدركه الأخرون أو يدركونه ويستعبطون ! فلا تنمية حقيقية ولا تغيير حقيقى سيحدث بعيدا عن هذا المكون الرئيسى وتأثيراته فى كل مناحى الحياة ! وهنا تظهر مشكلة الصعود للتوجهات الإسلامية على مختلف درجاتها دون أن يلاحق هذا وجود قوى أو حتى بشكل مقبول للتيارات الأخرى وسط الشارع المصرى ! مما استدعى فكرة الحسم الثورى القائم على المشاغبة والصراخ والحضور الدائم فى الشارع وما يصاحب ذلك من أعمال احتجاجية أو سلوك عنيف أحيانا فإذا توافرت له تغطية إعلامية منحازة فقد تحققت حالة الإرباك المطلوبة كمقدمة لحالة الفوضى والمفضية الى حالة الاعتراض والرفض لما هو قائم وقد تجمعت ضد التوجه الإسلامى مشاكل عديدة أخطرها شبكات الفساد التى تتشابك فيما بينها بشكل قوى تتضمن عدة مؤسسات مع طبقات من رجال الأعمال ونواب سابقين تحميهم منظومة من البلطجية والخارجين عن القانون سيف ودرع لكل الأعمال غير المشروعة التى تمارسها هذه الجهات مجتمعة أو منفردة ! وهذا اختبار لم يدرب الإسلاميون له أنفسهم لأن التعامل معهم يحتاج الى رصيد من التناحة والفهلوة والقدرة على الحسم بشكل قوى فى وقت قياسى لكى يسيطر على هذا النفوذ الذى يملك قدرة على حشد أنصاره والمنتفعين منه فى أى وقت ، لكن لوقت محدود ! اكتملت الأزمة عندما احازت قيادة الجيش لفريق دون فريق تحت زعم الحشد وقد حظرنا أن اعتماد شرعية الحشد لن تبقى لمصر رئيسا ! 

وأن الضغوط التى مورست ومازالت تمارس لإبعاد أول رئيس منتخب اسلامى التوجه كانت و مازالت قوية واعتقد أنه لن يعادلها إلا اعتماد نظرية الحشد المليونى لفرض إرادة الشعب أو إدخال البلاد فى حالة عدم استقرار نتيجة انحياز سلطة الجيش لفريق قريب الهوى من نفسه وتورط فى إدخال مصر فى أزمة عدم الشرعية ووقف العمل بالدستور وترك العنان للإنتقام وتلفيق القضايا بشكل جنونى وغير منطقى لممارسة ضغط المساومة على الحقوق وأخطرها الدماء التى سالت من المصريين طوال عامين ونصف أخرها مذبحة المؤيدين أمام دار الحرس الجمهورى !تلك هى الأزمة باختصار ويبقى كيفية الخروج منها ومركزها الرئيسى هو الرئيس المنتخب يعود أو لايعود ! والمؤيدين لعودته يعتقدون أنها المخرج الوحيد للسير فى طريق الشرعية الدستورية التى لو سقطت لسقط مع شرعية كل السلطات ! وضاعت الحقوق والحريات التى منحها الدستور ولما شعروا بتعطيلها انفجرت ماسورة الفساد والتلفيق والكذب وإهانة المصريين ! هى المخرج الوحيد مع حكومة تكنوقراط وتعديلات دستورية وانتخابات برلمانية لحكومة قوية وخيار الاستفتاء على استكمال الرئيس مدته أو انتخابات رئاسية مبكرة ذلك هو المخرج الوحيد الكريم والصحيح للحفاظ على مكتسبات ثورة 25 يناير ! 

أما السيناريوهات الأخرى تلك التى أهدرت الشرعية الدستورية والشعبية وكأن أصوات المصريين قد تم إلقاؤها فى صفيحة الزبالة لأن فريقا لا نصيب له فى الصندوق !! وتبنى كيان الدولة على الباطل الذى لا مصدر ولا شرعية له!! تنفيذا لإنقلاب عسكرى إعتمد على القوة فقط ! وكان قرارا لا حكمة فيه ولاعقل له، فرق المصريين وزاد من الانقسام وأدخلنا فى نفق مظلم حذرنا منه كثيرا! وكل الحلول هنا تبنى فكرتها على الاستبداد والقهر والتهديد وهو مالن يتحقق مع شعب ذاق الأمرين وجرب الفساد والظلم ولن يسمح بعودة ذلك وقد عرف طريقه الى الميادين وتعلم من متمرديه شغل البلطجة وتعطيل الحال والاعتراض الدائم على أى شئ !! إن سقوط شرعية أى رئيس جاء بالانتخاب الحر النزيه تحت بصر العالم واشراف القضاة ورقابة الشعب معناه سقوط كل الشرعيات التى دونه ( قضاء وإعلام وشرطة وجيش) وسيجعل كل جماعة ترى فى نفسها القوة والقدرة التى تفرض به شرعيتها بأى شكل ترضاه ! وهو ما سيؤدى فى النهاية الى القضاء على حق الشعب فى الاختيار الحر لمن يحكمه وبالتالى انتهاء الخيار الديمقراطى بغير رجعة كوسيله واسلوب ارتضيناه لإدارة التنافس بين فئات المجتمع وأحزابه على إدارة و حكم البلاد ، وفى النهاية لن نجد وسيلة نتوافق عليها لإدارة شئون البلاد فيما بعد وهو ما سيؤول فى النهاية الى الفوضى التى يراهن بل يسعى اليها البعض لخراب مصر !بل ربما أدى الى استدعاء اطراف اجنبية فى يوم من الأيام بزعم حل نزاع أو قمع فتنة أو إطفاء نيران !!والأشد بؤسا هو فتح باب الصراع لتنظيمات سرية تتجه الى استعمال العنف بعد أن انسد باب الديمقراطية وموات الحرية أو الكفر بهما بعد أن نجحت فى جذب الشعب المصرى كله الى الانتخابات كقيمة ووسيلة لإدارة الصراعات واختلاف وجهات النظر بين الأحزب والاتجاهات المتعارضة أو المتصارعة أو المتنافسة ! قالوا ان الديمقراطية ليست الانتخابات فقط ! نعم لكن قولوا لنا ماهى !! 

اليست هى القضاء الوطنى المستقل الحر النزيه غير المسيس الذى لا يتلاعب بالقانون ولا ينحرف بأحكامه ؟ اليست هى الإعلام الوطنى المهنى المحترف المحايد الحر غير الخاضع لرأس المال المشبوه ، غير التحريضى الملتزم بشرف الكلمة قبل حريتها الذى يحافظ على كرامة المواطن وعرضه ! اليست هى الشرطة المحترفة المهنية الوطنية الواعية الحاسمة المؤمنة برسالتها ! اليست هى الأحزاب الوطنية الحقيقية ذات البرامج المتميزة والتى ولائها للوطن فقط والتى تقبل بكافة القواعد الديمقراطية دون استثناء لاترتبط بالخارج سواء فى التوجهات أو التمويل وأخيرا اليست هى المواطنون المتساوون أمام الصندوق الذين يؤمنون بالديمقراطية إيمانا قاطعا وبكافة قواعدها ولوازمها ونتائجها باعتبارها الخيار الأوحد والوسيلة المثلى لإدارة الخلافاتويؤمنون بحرمة وعصمة النفس والدم والمال قبل و اثناء وبعدالعملية الانتخابية، اليست هى مؤسسات وأجهزة الدولة التى تعمل بصورة مهنية وطنية مستقلة محايدة ، اليست هى صندوق الانتخابات الشفاف الآمن وما أعلنه الصندوق لا يلغيه إلا الصندوق التالى له !! وأخيرا اليست الديمقراطية جيش وطنى محترف غير متحزب لايعمل بالسياسة يحمى صندوق الانتخاب ونتائجه يمنع الفوضى ، ولا ينقلب على الشرعية المنتخبة المعبرة عن الإرادة الشعبية الحرة ؟؟؟؟؟ انظر الى مصر الآن وقل لى بربك أين الديمقراطية فيها حتى بعيدا عن الصندوق ؟؟؟؟!


دكتور محمد جمال حشمت

استاذ جامعى

10 يوليو 2013م

إضافة تعليق