مصر بعد الثورة والآن والى أين ؟

منذ أن سقط على بابا المعروف بمحمد حسنى مبارك  بعد 18 يوما من ثورة 25 يناير 2011 والأربعين حرامى المسيطرين على مؤسسات البلد بدأوا خطة للعودة المتدرجة ، فطن اليها البعض وغابت عن كثيرين ! وقد نادى البعض بالبقاء فى الميادين حتى يتم التطهير ورأى البعض أن التحول الديمقراطى فى ظل غياب مؤسسات سقطت أثناء الثورة وبعدها ربما يكون طريقا أسلم للتطهيرلغياب رأس تقود الثورة ! وقد كان - كما تبين فيما بعد - أن أصحاب الرأى الأول كانوا أكثر حماسة وثورية وحسما لتفكيك دولة فاسدة مستبدة ظالمة كان عنوانها فقط مبارك المخلوع ! على كل الأحوال السير فى الطريق الديمقراطى أيضا كان مفاجئا لهؤلاء الحرامية وحاولوا كثيرا عرقلته بافتعال أزمات وانشاء حركات وائتلافات كثيرة ممن لم يشارك فى الثورة لاختراق شباب الثورة حتى وصل الأمر لإحداث مذابح وسط الثوار فى أيام محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء والعباسية !! وقد أعد هؤلاء تهيئة إعلامية للوقيعة بين الإخوان الفصيل الأقوى فى القوى الشعبية وبين كثير من الشباب والتجمعات الثورية ونجحوا فى ذلك للأسف وكان نزول الإخوان فى هذا الوقت قد يزيد من العراك ويصبح مبررا للتدخل العسكرى لفض الخلاف الذى يهدد الوطن ليعيدنا للمربع الأول(نفس ما فعله فى 30 يونيو) وقد اجتهد الإخوان فى تفويت الفرصة وفشلت الثورة المضادة فى حسم الوضع لصالحها ! وعندما استمرت أغلبية النجاحات لحساب التيار الإسلامى فى كل الاستحقاقات الانتخابية تدخل المجلس العسكرى ومن أمامه المخابرات الحربية (السيسى وفريقه وقتها) التى اكتشفنا أنها كانت الطرف الثالث فى كل الأحداث بدءا من محمد محمود الأولى حتى ضحايا استاد بور سعيد كما اكدت الوثيقة المسربة ! مما يؤكد أن ماحدث فى رابعة كان نهاية التدريبات التى تمت طوال ايام الثورة وسقط فيها شهداء كثر وبنفس الطريقة من القنص من محترفى بعض تشكيلات القوات المسلحة للأسف الشديد !! حتى جاء مجلس الشعب (برلمان الثورة) والذى فتح ملفات لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منها ! وكانت القاصمة بعد وضع المادة 28 فى الإعلان الدستورى التى منحت لجنة الانتخابات الرئاسية نصا محصنا بحيث لايجوز الطعن فى قراراتها ! لكن المجلس حصن الحقيقة ودعم العدل واحترم أصوات المصريين عندما أدخل تعديلا يسمح بفرز نتيجة كل لجنة فى مكانها واعلان نتيجتها بمقرها وتسليم نسخة معتمدة لكل مندوب مرشح ! وهو ما أفشل المحاولة الثانية للثورة المضادة فى العودة عن طريق مرشحها احمد شفيق !! ومنذ أن تولى الدكتور محمد مرسى مهام منصبه وبدأ تنفيذ الخطة الثالثة لتشويه صورته وتعجيزه ومحاصرته داخل قصر الرئاسة شارك فى ذلك مؤسسات الدولة العميقة التى استفادت وشاركت فى فساد نظام المخلوع منها القضاء والداخلية والإعلام وبعض رجال الأعلام ونواب الحزب الوطنى المنحل ورجالهم فى مؤسسات الدولة وقد اعترف بعضهم فيما بعد ووضح كثيرا دور كل منهم بعد الانقلاب العسكرى الدموى ! ومن المعلوم أن مهمة الحرس الجمهورى هوالوقوف أمام مؤسسة الجيش لو أرادت الانقلاب على الشرعية !كما يحدث فى كل دول العالم التى أخر من يسقط فى محاولات الانقلاب هو قوات الحرس الجمهورى ! لكن المجلس العسكرى ضم الحرس الجمهورى لقوات الجيش فكانت مكافأتهم وترقيتهم وتعييناتهم تأتى من القوات المسلحة وبذلك تم حصار الرئيس فى قصره !! ورغم كل ما حدث طوال عام من محاولات التفشيل إلا أن ما أنجزه الرئيس مرسى رغم المليونيات والإضرابات والاعتصامات الفئوية وقطع الطرق وغياب الأمن المتعمد كان يفوق بل وأصلح كثيرا مما أفسده المجلس العسكرى فى فترة توليه السلطة !! وبدأت حركة تصنيع ونشاط تصديرى وعودة للسياحة وانتاج للقمح وحل مشاكل مزمنة كأنابيب البوتجاز ورغيف العيش ووضع دراسات لزراعة ملايين الأفدنة وتعمير سيناء ومحور قناة السويس (وكلاهما كانا سببا فى استعجال الانقلاب العسكرى الدموى لأنه يضر بالمصالح الإسرائيلية والخليجية الداعمة للثورة المضادة) ، وتم صناعة حالة استقطاب شديدة لرفض المعارضين المتأمرين للحوار مع مرسى أو الوصول لحلول وسط مع التهييج الإعلامى المتجاوز للمهنية والأخلاق والشرف الاعلامى والصحفى لنصل الى يوم 30 يونيو الذى كانت خطته مع أطراف الثورة المضادة فى الداخل (سامح عاشور ومنى مكرم عبيد وجورج اسحاق وبعض الإعلاميين والكنيسة والأزهر وحزب النور )   وغيرهم فى الخارج من مخابرات بريطانية وأمريكية وروسية وخليجية ! وبعد أن مر يوم 30 يونيو أو كاد دون أن يحقق شيئا ! كان بيان ال 48 ساعة ليعلن الفريق السيسي (مدير الطرف الثالث) إقصاء الرئيس والدستور والبرلمان ليأتى بأشخاص مدنية كانت سعيدة وهى تتولى مسئولية مصر من فوق دبابة وتحت وابل الرصاص وفى حماية الجيش وقوات الشرطة التى عملت فجأة بنشاط محموم مشحون بحالة من التشفى والغل الذى يؤكد وجود المؤامرة لكن غباء القائمين على الانقلاب أنهم أعادوا صورة نظام مبارك الذى ثار عليه الشعب المصرى فى 25 يناير بشكل متسارع فأغلقت كل قنوات الرأى الأخر وتم اعتقال كل قيادات الإخوان ومن رفض الإنقلاب من غيرهم ! ورغم كل محاولات التجمل السياسى وإتخاذ بعض القرارات الشكلية التى لاأثر لها فى الشارع المصرى إلا أن ما كان مرسوما للإنقلاب لم يتحقق من سيطرة على الشارع وظهور قوى رافضة كثيرة بل انقلاب كثيرين ممن شاركوا فى مظاهرات 30 يونيو ثم مظاهرات التفويض الفارغة خاصة بعد المجازر البشرية التى حدثت للمصريين المتظاهرين السلميين عند الحرس الجمهورى مرتين ثم عند المنصة ثم فى فض اعتصامى رابعة العدوية (وقد كنت شاهدا عليها حيث أقمت بها من يوم 7 يوليو حتى 14 أغسطس وعشت بها أعظم أيام حياتى) والنهضة ثم ميدان رمسيس وميدان مصطفى محمود وغيرهم ! وصار الوضع الآن بعد شيطنة الإخوان ولصق تهمة الإرهاب بهم والتقليل من فعالية تظاهراتهم المستمرة منذ إعلان الانقلاب ! كالأتى :


أن هناك شهداء ومصابين سقطوا بدم بارد وحرقت جثثهم وجرفت بالجرافات الى حيث لا يعلم أحد ، متجاوزين أى قداسة أو حرمة للإنسان مهما كانت ديانته ! حتى لو أيدتهم فتاوى دينية لبعض المغيبيين من شيوخ السلطة خوفا أو طمعا ! ولا أحد يهتم أو يثور!


أن هناك إرهابيين قتلوا كلهم أساتذة فى تخصصهم وعلماء وأساتذة جامعات وشباب يعمل لا عاطل منهم ومن أفاضل المصريين خلقا وسمعة وسط أهاليهم وأخرين تم الفبض عليهم بنفس المواصفات العلمية والخلقية والاجتماعية فتحولت الحياة فى مصر الى خوف من جانب الشرفاء واطمئنان ويسر فى الحركة والظهور العلنى للبلطجية والمرتزقة من السياسيين والإعلاميين فى حماية نفس سلاح سلطة الانقلابيين الذى يطارد الشرفاء


أن هناك تشويها أعلاميا بشكل انفعالى يتسم بقدر كبير من الغباء وبشكل دائم من مذيعيين وضيوف وكلهم مرتزقة لمنصب أو لمنفعة أو غلا أو حسدا أو غيرة والنتائج عكسية لأن الكاره لا حاجة له للاستماع لهم والمؤيدين لاتنفع معهم تلك الأكاذيب ! وغيرهم ربما يتعاطفون معهم لحجم الظلم الواقع عليهم من كل اتجاه


أن المنتخبين فى كل مواقع المسئولية  فى السجون أو مطاردون ، بينما يتولى من فشل فى كل الانتخابات السلطة فى البلاد !  ولأن مابنى على باطل فهو باطل، فكل من قبل مهمة أو وظيفة فى ظل النظام الانقلابى لابد أن يعلم أنه قد جاء على دبابة ومن خلفه ومن أمامه سلاح مصوب الى صدور منافسيه السياسيين وهو أمر غير مشرف سيذكره التاريخ لهم مجللا بالخزى والعار


أن إنكار الواقع من تأثير التظاهرات اليومية والفشل فى الحشد والتقليل من أهمية هذه الفاعليات يوقع الإعلام فى مواجهة مع نفسه أو مع أجهزة الحكومة الانقلابية حيث يبرر البعض الفشل فى إدارة البلاد وتدهور الاقتصاد وسوء الحالة المعيشية باستمرار هذه التظاهرات وهو أمر مربك ! هل التظاهرات مؤثرة أم لا ؟ قليلا من الحياء والمصداقية لكن الله يفضحهم !


أن وعى الشعب المصرى بخطورة ما نحن مقدمين عليه من مستقبل يعود بمصر الى عشرات السنيين الى الخلف بتعديلات دستورية تلغى مكتسبات ثورة 25 يناير وتمنع محاربة الفساد وتسمح بسب الذات الإلهية والأديان السماوية وتجعل من مؤسسة القضاء والجيش فوق الدستور وخارج سيطرة أى سلطة فى البلاد ! هذا الوعى هو الأمل فى دحر الانقلاب وكل ما ترتب عليه مهما طال الوقت لأن قضية الشعب المصرى هى قضية حق تغذت على دماء وأعراض الأحرار والشرفاء والأتقياء ويقينا لن ينجو القتلة والفسدة من العقاب والحساب لأن الله هو الحق العادل المنتقم الجبار ! وليدرك من يتغابى أو يتجاهل أنه لا مستقبل للإنقلاب العسكرى ومابنى عليه فى مصر ان شاء الله


أما الى أين تتوجه مصر ؟


بعد إعلان الانقلاب العسكرى يوم 3 يوليو اتفقت مع بعض القيادات من الإخوان وحزب الحرية والعدالة التى يتوسم فيها الوسطية والهدوء والعقلانية والثقة من كثير من الأطراف أن يتم الاتصال بنا من قبل سلطات الانقلاب بعد اعتقال القيادات المسئولة ! وكان منهم الدكتور حلمى الجزار وفعلا التقينا واتفقنا على بعض الخطوط العامة نظرا لعجزنا عن الاتصال بالقيادات الأخرى ! وفعلا تم الاتصال بى من أحد قيادات المجلس العسكرى وفى يوم الذهاب اليه كمجموعة تم اعتقال د حلمى الجزار ومحاصرة الباقى ! فذهبت وحدى وعرضت القيادة العسكرية على ما حدث فى الفترة الأخيرة من نصح وحوار مع الرئيس مرسى (كمبرر للإنقلاب عليه) لكنه كان يوافق ثم يتغير قراره على حسب ما قاله ! والمطلوب الآن فض اعتصام رابعة ووقف التظاهرات اليومية ! ونظرا لأنى لم أكن أملك لك ويومها كانت موقعة الحرس الجمهورى الأولى وشاهدت مع الشباب ماحدث وواجهته لمعرفة سر هذا العنف بالرصاص الحى لمتظاهرين فبرر بوجود سلاح واعتداء منهم على منشأت عسكرية ! وطلبت منه تقديم ما يمكن أن يقنع المتظاهرين بترك تظاهراتهم واعتصامهم وعرضت عليه وقتها 3 اقتراحات (يوم 5 يوليو) الأول أن يتم الحوار مع الرئيس صاحب الشرعية حتى الآن وكل مؤيديه فى الشوارع فرفض فقلت يأتى الرئيس على رأس خارطة الطريق لأنها تماثل ما أقترحه الرئيس فى خطابه الأخير  فرفض ، فقلت له إذن طالما انحاز المجلس العسكرى لفريق ضد فريق من أهل الوطن وما كان له أن يعمق الخلاف بالسلاح والنار أن يتم استفتاء الشعب على خارطة الطريق بعد عودة العمل بالدستور لكنه رفض !! وغادرت الى رابعة الصمود والكرامة وليس أمامنا سوى طريق واحد أجمع عليه كل مؤيدى الشرعية فى مصر وهى عودة الرئيس والدستور والبرلمان ثم سقف التفاوض مرفوع لأقصى حد للتعامل مع مقتضيات الواقع ! لكن بعد مذابح الجيش والشرطة وقتل الشعب المصرى بهذا الغباء الذى لم يحدث فى تاريخ مصر الحديث أضيف شرطا أخر وهو محاكمة كل من شارك فى قتل وإصابة هذا العدد من المصريين ( 5000 شهيد وأكثر من 12 الف مصاب وحوالى 10000 معتقل يزداد أعدادهم يوما بعد يوم ) وإذا كان لنا إضافة لهذه المبادرات على قاعدة الشرعية – لا على قاعدة الانقلاب -  أقول أنه لا مانع عند عودة الرئيس لاستمرار مدته القانونية والدستورية - والتى لا تلقى لدى البعض قبولا - تكون مرهونة باستفتاء على تكملة فترته الرئاسية فإذا كانت بالموافقة يعود معه مجلس الشورى وإلا تقف عودة الشورى لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة تتبعها الانتخابات البرلمانية فى ظل دستور 2012 المستفتى عليه والذى يخضع للتعديلات فيما بعد طبقا لنصوص الدستور فى مجلس النواب المنتخب ! بغير ذلك ستبقى مصر فى غير حالة استقرار ومرشحة لتدهور حاد فى مكانتها الدولية وقدرتها الاقتصادية ولن ينشغل بها الانقلابيون لأنهم قبضوا مستحقاتهم وأداء العمرة مسموح به لهم فى أى وقت هربا من المسئولية !! ويبقى الجيش المصرى هو أكثر المتضررين مما حدث فقد ساءت سمعته لدى المصريين ولم يصدقوا كيف يوجه الجندى المصرى سلاحه الى صدر ورأس أخوه المصرى المسالم الذى يرفع يده اليه ويتوجه له برسالة سلام !! لن ينسى المصريون ذلك ابدا الى أن يتطهر من قياداته وممن قتل المصريين بغير حق وبغير خلق وبغير احترام للمقدس والحرمات


اللهم بلغت اللهم فاشهد


دكتور محمد جمال حشمت

نائب بالبرلمان وعضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة

3 سبتمبر 2013م

إضافة تعليق