الآفات الفكرية والتربوية عند الحركة الإسلامية 4-6

ما بين عامي 2008-2010م كتبت خمسة عشر مقالا حول الآفات الفكرية والتربوية التي تواجه الحركة الإسلامية وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، تم نشرها في مجلة الأمة السعودية، في هذا الوقت، أحاول إعادة نشر أهمها بتصرف لواقع لا أعتقد أنه تغير كثيرا! لعل وعسى نفهم جذور ما تعاني منه الحركة الإسلامية والتعرف على الداء بشكل مباشر ليسهل علينا استشعار الطريق الواجب للحلول. 


الخلط بين الثوابت والمتغيرات أو بين المبدأ والمنهج: هذا الخلط هو أول ما يفسد على أبناء الحركة الإسلامية نظرتهم لمفاهيم تتعلق بالمبدأ الذي يفصل نظام القيم في الإسلام وتوضح مضامين الرسالة وهي مفاهيم تتعلق بماذا؟ لا بكيف؟ ومفاهيم أخرى تتعلق بالمنهج من حيث طرائق التطبيق ونظم التغيير وهي تتعلق بكيف؟ لا بماذا؟ وهنا نتيجة هذا الخلط تتوقف أي تجديدات في الوسائل والمناهج لعلة الثبات والإصرار عليها حيث تعتمد الوسائل كمبادئ أو العكس، ومما يؤدي للجمود الخلط الحادث عند البعض بين ثوابت الإسلام كرسالة وثوابت الحركة كتنظيم حيث تجب القداسة للأول بينما لا تحمل الثانية شيئا من ذلك بل يمكن تعديلها وتغييرها طالما لا ترتبط بثوابت الدين (كالإسم والمستهدفات والمناهج والوسائل والمسارات والشعارات وغيرها)، فمثلا شعار الإسلام هو الحل يعني أن الإسلام كدين يرشدك لحلول كل المشكلات لكنه لا يعني أن نستغني عن العقل والتفكير لأن هذا مزلق فكري؛ لأن العقل هو الأداة التي ستخرج من الشرع الأحكام والتشريعات ونتج عن هذا إفساد وتعطيل لهدف أساسي للحركة الإسلامية، حيث حاولت واستطاعت ـ لحد ما ـ أن تخرج الدين من نطاق الإصلاحات الجزئية (تصحيح العقيدة ـ تصحيح العبادة ـ الوعظ و الإرشاد) إلى نطاق الإصلاح الكلي، أي التغيير الشامل للسياسة والاقتصاد والتربية والتعليم والثقافة لتكوين مجتمعات لا تضارب فيها بين الدنيا والآخرة ولا بين العلم والدين ولا بين الأهداف والوسائل. "فآتهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة"، وإن كان الأمر يحتاج عند التنفيذ إلى التخصص والاحتراف ومثال ذلك الرؤية السياسية والوطنية لدى الحركة الإسلامية، فلا انفصام في ذلك حيث الحكم أصل من الأصول والحرية فريضة من الفرائض لكن عند الممارسة يجب أن يتصدر. 


المتخصصون من أبناء الحركة المحترفين في التعامل مع المناخ الحزبي من فهم لآلياته ووسائله ومداخله وعلى علم بمساوئه ومخاطره ويملكون أدوات التحالف والمعارك الانتخابية والتعامل المرحلي وغير ذلك مما يحتاج إلى دراسات خاصة يتقنها أصحاب المرجعية الإسلامية. 


ثانيا: الجهل في فهم العلاقة بين التربية والتغيير: وأخطر ما تكون عند القادة الذين تسيطر على كثير منهم فكرة أن عملية التغيير والتحول القائمة على التدافع لا يمكن أن تتم قبل أن يستكمل جموع العاملين في الحركة الإسلامية تزكية نفوسهم وتربيتها إيمانيا وروحيا! وهو ما يبدو معقولا لأول وهلة لكنه غير صحيح لأن فيه إهدارا كبيرا لقدرات الأمة وتعطيلا لأفرادها وتأخيرا في تقدمها لمشهد الصدارة! فالصحابي الجليل أبو محجن الثقفي كان مولعا بشرب الخمر مشتهرا به، وكان سعد بن أبي وقاص قد حبسه فيه، فلما كان يوم القادسية وبلغه ما يفعل المشركون بالمسلمين ألح على أم ولد لسعد – كان محبوسا لديها- أن تفك وثاقه ليقاتل مع المسلمين وتعهد لها أن يرجع لوثاقه بعد المعركة! فحمل على المشركين حملة صادقة حتى قال سعد: "لولا أن أبا محجن في الوثاق لظننت أنه أبو محجن وأنها فرسي"، هكذا كان الصحابي الجليل مرتكبا لكبيرة أي لم يستكمل مراحل التربية بعد ورغم ذلك لم يمنعه قادة الإسلام من الخروج في الجيش للجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام إقرارا بقوته وكفاءته وحبه للجهاد ونقطة ضعفه كانت الخمر، ولم نسمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع صحابيا عن الجهاد لذنب أو كبيرة فما بالك بالمهام الدعوية التي يشترط لها البعض اكتمال التربية التي ليس لها حدود أو تعريف! فشرط النجاح أن تتلازم حالتا العمل والتربية، وكيف ننسى أن العمل والأداء والتكليفات هي جزء من التربية المنشودة لأفراد الصف الذين هم أدوات التغيير المنشود.

إضافة تعليق