العناد.. وقوانين النهضة

لا أستطيع أن أبدأ مقالي دون أن أدعو الله لكل المظلومين في مصر- وما أكثرهم- بأن يفكَّ الله كربَهم ويثبتَهم ويشفيَ صدورَهم عما قريب إن شاء الله، منهم السياسي الشاب الطموح د. أيمن نور، وهو لا يستحق أبدًا ما جرى له، مِن تعسفٍ وإجرامٍ في حقِّه كإنسان، فقد كان البعد السياسي في قضيته واضحًا؛ وذلك بسبب توزيع قضيته على دائرة بعينها لحكم بعينه، والدليل أن ما ارتكبه المغنِّي الشاب تامر كان أسوأ؛ حيث زوَّر شهادة أداء الخدمة العسكرية وكذا شهادات تخرُّج له من كلياتٍ مختلفة!! ورغم ذلك كان الحكم مخففًا بل "دلع في دلع"؛ ولعل حزب الغد كان وراء سجن نور، أما تامر فربما تنظيم "مجانين تامر من أجل التغيير" الذي تكوَّن في أعقاب القبض عليه كان وراء الأحكام المخففة!! الآن أيمن نور يعاني من مضاعفات مرض السكر وبدايات القدم السكري، وما أدراكم بالقدم السكري!! إن ما يحدث للدكتور أيمن نور هو قتلٌ بطيء لا بد من محاسبة مرتكبيه قبل أن يصلَ إلى نهايته، وهو في النهاية عنادٌ من دولة تسيرها النرجسية والروئ الشخصية!!

ولا ننسى هنا الدكتور رشاد بيومي- الأستاذ المتفرغ- صاحب العزم والإرادة الحديدية، وهو يقترب من السبعين عامًا، والدكتور محمد مرسي وما يعانيه أيضًا من داء السكري، والدكتور عصام العريان الذي لم يكمل 7 شهور بعد خروجه من سجن استمر ستة شهور بدون وجه حقّ، ومأساة المآسي الدكتور حسن الحيوان الذي برَّأته محكمة أمن الدولة طوارئ من تهمة سخيفة ملفَّقة، ثم تمَّ اعتقالُه يوم الإفراج عنه، بينما يستحق تعويضًا عما أصابه من ضرر نفسي ومادي، بعد أن حطَّموا منزله وعيادته واستولوا على كثير من ممتلكاته ولم يخضعوا لدستور أو قانون عنادًا وتعسفًا, وتستمر سياسة العناد التي توصل صاحبها والمعاندين إلى الكفر والعياذ بالله، وهو كفر دون كفر، ولكن النتيجة النهائية يدفعها وطنٌ وأمةٌ وشعبٌ، مِن تاريخه بحاضره ومستقبله ومِن قدرته على الصمود والتحدي في مواجهة الشدائد والأزمات, وغيرهم المئات، منهم الدكتور إبراهيم الزعفراني، والدكتور حلمي الجزار، وخيرة شباب هذا الوطن!!

وطبعًا دائرة المآسي التي ترتَّبت على حالة العناد يصعُب حصرُها، فكلٌّ منا له موقفٌ مع هذا العناد، وهي صورةٌ تملأ مصر بالطول والعرض تَصدر من المسئول الكبير والصغير، وقد صارت ثقافةً يجب مواجهتُها بالإصرار تارةً وبمحاسبة النفس تارةً أخرى, دعونا نراجع أنفسَنا مع أولادنا وأهلينا ومرءوسينا بلا خجل أو تردُّد، نتعوَّد على سماع كلمة الحق كما نحب أن نقولها.

أنا من المؤمنين بأن أمراضنا الاجتماعية والنفسية لها دورٌ كبيرٌ في استمرار حكم مبارك بمثل هذا السوء في الفكر وذلك العنف والظلم والفساد في الأداء، فنحن مَن سمَحْنا لهم بإهانتنا بخوفنا أحيانًا ورضوخِنا لأوامر لا عقلَ لها ولا قيمةَ فيها أحيانًا أخرى, نحن مَن سمَحنا لهم أن يزدادَ بغيُهم علينا بصمتٍ غير مبرَّرٍ أحيانًا أو طمعًا في مكسب أحيانًا أخرى، لقد نجح هؤلاء المعاندون في إثارة حالةٍ من الخوف والفزع وسَطَنا، وساعدهم على ذلك المأجورون أو الخائفون أو الموعودون، وفي هذا المناخ تربَّى أبناؤنا في بيوتنا قبل أن يخرجوا للمجتمع، ولم يشذَّ إلا الذين تعلموا قول الحق في بيوتهم وتعوَّدوا مناقشةَ آبائهم، والذين استشعروا معاني العزة والكرامة في معاملة أهليهم لهم، فلم يقبلوا الدنيَّة في دينهم الذي وهبهم هذه الحقوق ولا دنياهم التي تربَّوا فيها على هذه المعاني.

إن التغيير المنشود في واقع الأمة لن يتحقق كما يجب أن يكون وكما نتمنى إلا إذا بدأت النفوس تتغيَّر، وصدق الله العظيم: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11)، وبنظرة إلى واقع الإخوان المسلمين نجد أنهم أطول نفَسًا رغم الإجرام الذي يمارَس في حقهم، وأنهم لا يخافون مِن أمنٍ مهما كان عنفُه أو عنفوانُه- من الشاب الصغير حتى الشيخ الكبير- وهو ما يسبِّب توتُّرًا دائمًا لرجال الأمن المكلَّفين بحراسة وحفظ أمن النظام ورجاله ويفسر الحملةَ الأمنيةَ الشديدةَ المستمرةَ عليهم، وهو ما نعزوه إلى نجاح الإخوان في عملية تغيير النفس التي تقود حتمًا لتغيير الواقع.

إضافة تعليق