الآفات الفكرية والتربوية التي تواجه الحركة الاسلامية

سبق لنا ولكثير ممن استشعروا خطورة بقاء الأوضاع الفكرية والتنظيمية والتربوية كما هي داخل الحركة الإسلامية في حالة جمود لفترات طويلة أن حذروا من استمرارها دون مواجهتها وتطويرها بما يناسب الوقت حتى قامت الثورة وتغيرت كثير من المفاهيم والأوضاع والرؤى دون تغيير حقيقي، ومن قبل ذلك مابين عامي 2008-2010م كتبت خمسة عشر مقالا يناقش هذه الأفكار تم نشرها في مجلة الأمة السعودية. في هذا الوقت، أحاول إعادة نشر أهمها هنا لعل وعسى نفهم جذور ما تعاني منه الحركة الإسلامية والتعرف على الداء بشكل مباشر ليسهل علينا استشعار الطريق الواجب للحلول، ولنبدأ على بركة الله.

1- الحركة الإسلامية بين توظيف الكفاءات والولاءات

 لا شك أن قوى الباطل تتعامل مع المواهب والكفاءات بشكل إيجابي ينمي ويطور هذه المواهب وتلك الكفاءات ليضمن بذلك حسن توظيفها في مشروعه المعادي للحق وأهله تأكيدا للصراع الأزلي بين الحق والباطل! ولعل في قصة أصحاب الأخدود ما يدل على ذلك وكيف أن الساحر طلب من الملك غلاما ليعلمه السحر حتى يكون امتدادا له – في رواية الترمذي – حيث طلب الساحر طلبا محددا: “انظروا إلي غلاماً فَهماً أو قال: فَطناً لَقناً فأعلمه علمي”، وهو ما يفضح خطة أهل الباطل الرامية للاهتمام بأصحاب المواهب والقدرات الخاصة لضمان السيطرة على الواقع الذي يحيا فيه!! وحال الغرب من حولنا ينطق بذلك! ولعل مما نفتقده أحيانا في الحركات الإسلامية تقدير الفرد وكفاءاته وإذابة الجميع في كيان واحد يؤكد فكرة أن الدعوة لا تتوقف عند شخصية فرد مهما كان! وهي كلمة حق أريد بها إقصاء لبعض الأفراد -من العجيب أن معظمهم من أولئك المتميزين أصحاب المواهب والكفاءات !- ونسي هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعى على ملأ من أصحابه -وقت بناء القاعدة الصلبة للدعوة في مكة- ” اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين عمرو بن هشام (أبو جهل) أو عمر بن الخطاب” ولم يقل الرسول  صلى الله عليه وسلم ما يردده البعض أن الدعوة لا تقف عند فرد مهما كان والإسلام يعز من ينتسب إليه ولا يعز بكائن من كان!!! في تسفيه لعامل التميز والتفوق الذي هو مدخل دعوى لكثير من الناس حتى تترسخ في قلوبهم معاني الإيمان والارتباط بالله بعيدا عن الأشخاص!

لقد ربى الرسول الأعظم أصحابه على أنهم الأكرم والأفضل والأعز رغم ما بثه فيهم من خلق التواضع والرحمة والكرم، لأنه صلى الله عليه وسلم يريد تربية من حوله كقيادات لا كعبيد، عقول مفكرة لا عقول مقلدة، همم عالية لا همم متدنية، وقد مات صلى الله عليه وسلم وهو مطمئن على الرسالة وهي في أيد قادة مجتهدين يصلح بهم الإسلام في كل زمان ومكان! وعندما جاء زمان شحوا أو افتقدوا القدرة على الفهم الصحيح للاتباع والاجتهاد السليم لقضايا العصر صار التأخر والتخلف سمة والتقييم المنحاز سيف على رقاب المجتهدين الحقيقيين! وصدق من قال: “لأن أكون عضوا فى فرقة من الأسود خير لي من أكون قائدا على فريق من النعاج”.

لقد صارت قواعد الجرح والتعديل أداة البعض في استبعاد أو استعمال كثير من الكفاءات التي تملك رأيا في كل قضية ولها موقف في كل حدث ولها رؤية مع كل منطق معلن!! وهنا ظهرت آفة توظيف الولاءات بدلا من الكفاءات، فنخلط بين العمل التنظيمي الذي يحتاج إلى مواصفات قد تختلف عن تلك المطلوبة للعمل الفني أو المهني الذي يعتمد على معارف ومهارات متباينة، وقد أدى ذلك إلى مشكل أكبر وهو استمرار الحركة الدائبة في المكان نفسه دون أي خطوة للإمام، حيث انشغل الجميع بتوريث الدعوة وغفلوا عن توريث الخبرة التي تتراكم وتنتج عملا مؤثرا يحقق أهدافا حيوية في مسار هذه الحركات الإسلامية، ولذلك مقام آخر إن شاء الله.

2- التعصب للأفراد أو للتنظيم

وقد يدفع الحب والشعور العاطفي البعض من أفراد الحركة إلى الارتباط الشخصي والنفسي ببعض القيادات دون توجيه أو تصويب يعصم من المبالغة والإسراف، فمن قال قولهم فهو على صواب ومن خالفها فهو جاهل لا علم له!

وقد تزداد الحالة وتتسع لكل القيادات بل تصل إلى حد قبول أي كلام من أي شخصية تنتمي لجماعته أو حركته ومن غير ذلك فلا صدى لها عنده حتى وإن كانت الفكرة أو الرأي من غيرهم أكثر حصافة وحكمة!

وهذا أسر وقع فيه الكثيرون بلا تمحيص أو روية مثلما فعل كفار مكة عندما رفضوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم واتهموه بالسحر والجنون “وقالوا معلم مجنون”، فلقد كان التركيز على شخص الداعية المرفوض لديهم بعيدا عن دعوته ونعوذ بالله أن نقع فيما وقع فيه المعاندون، وأين تذهب “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها”، و”يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال”، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده ورسوله” خوفا من صناعة الصنم ومن ثم عبادته بالاتباع الأعمى.

ومثل ذلك ما يحدث دفاعا عن التنظيم بشكل عاطفي بالحق والباطل وهو ما يعرض أولئك المدافعين إلى الخروج على مقتضيات الحق فإذا بهم في النهاية يدافعون عن التنظيم لا عن الإسلام، وهو ما يعكس المهمة الرئيسية لأي تنظيم إسلامي من أنه في خدمة الإسلام وليس الإسلام في خدمة التنظيم!!! وهنا تظهر عظمة التربية الإسلامية حيث تربية القادة لا تربية العبيد.

وذلك نتيجة الانسياق التام دون التثبت بالدليل أو البرهان وهو نمط من التفكير أولا مخالف لأصول الإسلام ولم يدعيه الرسول صلى الله عليه وسلم بجلالة قدره ومكانته في الدعوة وفي قلوب المسلمين، ثانيا هو نمط من التفكير الاتكالي الذي يبتلى به من اعتمد الاتباع بغير علم وافترض استحالة أن يخطئ من سبقه وهذا عين ما ذمه الله تبارك وتعالى في قوله سبحانه “مالهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا”.

وما يترتب على ذلك هو عدم القدرة على مراجعة القادة وعدم مطالبتهم بالتدليل والبرهان على صحة ما ذهبوا إليه من أفكار وتصورات، حيث إن الخطأ هنا غير وارد!!! بينما القرآن يأمر المسلمين ويعلمهم “قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين”، والنتيجة النهائية لاستمرار هذا النمط هو خلق حالة من الاستبداد الدعوي وتقديس حذرنا منه سابقا وضعف متوارث بين أفراد هم للعبيد أقرب من الأحرار! وهنا نذكر بما قاله المفكر مالك بن نبي أن “الأمة الحية” هي التي تعيش في فلك الأفكار وحين تصاب هذه الأمة بالمرض فإنها تتعلق بفلك الأشخاص ومن علامات موتها تعلقها بالأشياء… ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

3- التقليد والشيخوخة المبكرة

لماذا نرى كثير من أبناء الحركات الإسلامية يتوقف عن البحث عن معارف جديدة اكتفاء بما لديه؟ ومن الخطر أن يتصدر هؤلاء الحركة الإسلامية التي تتصدر عندئذ لمهامها وهي لا تحتوي في منظومتها الفكرية على ما يؤهلها للتعايش مع متطلبات العصر، ولا لإدراك ما يدور حولها، وهو نمط لا يتقيد بسن معين، بل إن أغلبهم من صغار السن أصحاب ما أسميه “الشيخوخة المبكرة”! وفي ذلك يقول الأستاذ عبد الحليم أبو شقة في بحثه القيم “العقل المسلم الأزمة والمخرج” (وحين نتساءل عن الحالة الراهنة التي عليها العقل المسلم تجد أننا ظللنا قرونا نعمل في إطار التقليد الفقهي، ثم انتقلنا إلى مدرسة حديثة تعمل في إطار التقليد الأوربي الغربي، ثم إلى مدرسة حديثة تتحسس طريقها بين القديم (مع العودة إلى الأصول) وبين الحديث أو ما يسمى الحداثة ـ تأخذ منه بحذر ـ (المسلم المثقف) ثم تطورت هذه المدرسة الأخيرة في ردة فعل رجعية لمواجهة الشرود التقدمي، فألحت على الذاتية واستبعاد التفاعل الإيجابي مع الفكر الإنساني والتجارب البشرية (في المصطلحات، وفي مناهج البحث، وفي مناهج الحركة والدعوة، وفي المفاهيم السياسية والاقتصادية والتاريخية) والتسويغ لذلك هو: الأصالة ومخافة الوقوع في شرك الفكر الغربي، والنتيجة هي الوقوع في شرك الجمود الخرافي أو اللامعقول).

4- مقاومة التغيير والخوف من الجديد

وهو سلوك عام يقاوم الأفكار الجديدة لعجزه عن الابتكار أو خوفه من الجديد أو تقديسه للقديم! وهي علامة ضعف تربوي وإداري تمت صياغتهما بحيث لا مجال للإبداع والتفكير غير النمطي والجهل بالواقع، وهو انعكاس لخلل إداري استسلم للقديم الذي يحافظ على الاستقرار بأي ثمن مما يصيب العمل بالملل والرتابة والضعف، ويوقف حركة التطور الطبيعية التي يجب أن يرتقي لها أي عمل! وهنا يقول الأستاذ أبو شقة “إن الحركات الإسلامية المعاصرة لم تعالج أزمة العقل المسلم، فقد استمرت كأسلافنا القريبين، وهي حين أخرجت المسلم المعاصر من الجزئية إلى الكلية ظلت تحتفظ بالتقديس أو السلبية، وطبعت الاتجاه إلى الكلية بنهاية الخاصيتين: التقديس للتراث، والسلبية من الفكر الإنساني وإذا كنا ندعو إلى نبذ التقديس للتراث، وإخضاعه للدراسة الناقدة، فالنقد لن ينصب على علاقة التراث بمشكلات عصره العقلية والخلقية، إنما ينصب على مدى صلاحيته لموقفنا اليوم الذي قد تغير كثيرا، فالأمور التي جعلت ذلك الجهد العظيم موضع تقدير الناس وإعجابهم في صلاته بظروفه الاجتماعية والثقافية، هي نفسها تقريبا الأسس التي ينتج عنها تجرده إلى حد كبير من الصلة بالواقع اليوم”لأنه نتاج فقه وفتوى الواقع وقتها وعلى أهل العصر بذل الجهد في الفقه والفتوى ليناسب عصرنا بدلا من ظاهرة أصحاب العقول المستريحة!

5- الخلط والجهل آفات يجب التخلص منها

الخلط بين الثوابت والمتغيرات أو بين المبدأ والمنهج: هذا الخلط هو أول ما يفسد على أبناء الحركة الإسلامية نظرتهم لمفاهيم تتعلق بالمبدأ الذي يفصل نظام القيم في الإسلام وتوضح مضامين الرسالة وهي مفاهيم تتعلق بماذا؟ لا بكيف؟ ومفاهيم أخرى تتعلق بالمنهج من حيث طرائق التطبيق ونظم التغيير وهي تتعلق بكيف؟ لا بماذا؟ وهنا نتيجة هذا الخلط تتوقف أي تجديدات في الوسائل والمناهج لعلة الثبات والإصرار عليها حيث تعتمد الوسائل كمبادئ أو العكس، ومما يؤدي للجمود الخلط الحادث عند البعض بين ثوابت الإسلام كرسالة وثوابت الحركة كتنظيم حيث تجب القداسة للأول بينما لا تحمل الثانية شيئا من ذلك بل يمكن تعديلها وتغييرها طالما لا ترتبط بثوابت الدين (كالإسم والمستهدفات والمناهج والوسائل والمسارات والشعارات وغيرها)، فمثلا شعار الإسلام هو الحل يعني أن الإسلام كدين يرشدك لحلول كل المشكلات لكنه لا يعني أن نستغني عن العقل والتفكير لأن هذا مزلق فكري؛ لأن العقل هو الأداة التي ستخرج من الشرع الأحكام والتشريعات ونتج عن هذا إفساد وتعطيل لهدف أساسي للحركة الإسلامية، حيث حاولت واستطاعت ـ لحد ما ـ أن تخرج الدين من نطاق الإصلاحات الجزئية (تصحيح العقيدة ـ تصحيح العبادة ـ الوعظ و الإرشاد) إلى نطاق الإصلاح الكلي، أي التغيير الشامل للسياسة والاقتصاد والتربية والتعليم والثقافة لتكوين مجتمعات لا تضارب فيها بين الدنيا والآخرة ولا بين العلم والدين ولا بين الأهداف والوسائل. “فآتهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة”، وإن كان الأمر يحتاج عند التنفيذ إلى التخصص والاحتراف ومثال ذلك الرؤية السياسية والوطنية لدى الحركة الإسلامية، فلا انفصام في ذلك حيث الحكم أصل من الأصول والحرية فريضة من الفرائض لكن عند الممارسة يجب أن يتصدر.

المتخصصون من أبناء الحركة المحترفين في التعامل مع المناخ الحزبي من فهم لآلياته ووسائله ومداخله وعلى علم بمساوئه ومخاطره ويملكون أدوات التحالف والمعارك الانتخابية والتعامل المرحلي وغير ذلك مما يحتاج إلى دراسات خاصة يتقنها أصحاب المرجعية الإسلامية.

ثانيا: الجهل في فهم العلاقة بين التربية والتغيير: وأخطر ما تكون عند القادة الذين تسيطر على كثير منهم فكرة أن عملية التغيير والتحول القائمة على التدافع لا يمكن أن تتم قبل أن يستكمل جموع العاملين في الحركة الإسلامية تزكية نفوسهم وتربيتها إيمانيا وروحيا! وهو ما يبدو معقولا لأول وهلة لكنه غير صحيح لأن فيه إهدارا كبيرا لقدرات الأمة وتعطيلا لأفرادها وتأخيرا في تقدمها لمشهد الصدارة! فالصحابي الجليل أبو محجن الثقفي كان مولعا بشرب الخمر مشتهرا به، وكان سعد بن أبي وقاص قد حبسه فيه، فلما كان يوم القادسية وبلغه ما يفعل المشركون بالمسلمين ألح على أم ولد لسعد – كان محبوسا لديها- أن تفك وثاقه ليقاتل مع المسلمين وتعهد لها أن يرجع لوثاقه بعد المعركة! فحمل على المشركين حملة صادقة حتى قال سعد: “لولا أن أبا محجن في الوثاق لظننت أنه أبو محجن وأنها فرسي”، هكذا كان الصحابي الجليل مرتكبا لكبيرة أي لم يستكمل مراحل التربية بعد ورغم ذلك لم يمنعه قادة الإسلام من الخروج في الجيش للجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام إقرارا بقوته وكفاءته وحبه للجهاد ونقطة ضعفه كانت الخمر، ولم نسمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع صحابيا عن الجهاد لذنب أو كبيرة فما بالك بالمهام الدعوية التي يشترط لها البعض اكتمال التربية التي ليس لها حدود أو تعريف! فشرط النجاح أن تتلازم حالتا العمل والتربية، وكيف ننسى أن العمل والأداء والتكليفات هي جزء من التربية المنشودة لأفراد الصف الذين هم أدوات التغيير المنشود.

6- مساحة الخلاف وحجم الود في أي قضية

 من أدبيات الحركة الإسلامية أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية وهي تكاد تكون من البديهيات على المستوى النظري يتكلم بها الكثيرون لكن لا يعمل بها إلا القلة التي تعي قيمة هذا السلوك الذي يجعل التحيز للحق أولى وإقرار العدل أسمى من كل شيء ! أحبك نعم ولكن حبي للحق أشد، أتفهمك نعم لكن السعي وراء الحقائق أولى! ومن هنا تنشأ كثير من المشاكل عندما يخشى الرجل من قولة حق أمام مسؤوله أو كبيره فتترسخ معاني التفرد والإحساس بالصواب والتميز وامتلاك الحكمة وعدم القدرة على قبول الرأي الآخر في نفوس المسؤولين كما تتوطن معاني الإحساس بالضمور العقلي والتبعية النفسية ورهبة المواجهة حتى ولو في الحق في نفوس الجنود الذين خافوا أن يفسد رأيهم أو موقفهم للود قضية ! ومن هنا صارت بعض المسلمات داخل الحركة الإسلامية لا تتعدى كونها إطارا نظريا وقيما معرفية لا علاقة لها بالواقع رغم أن القرآن والسنة النبوية المشرفة تمتلآن بالنمازج والمواقف، فغياب الود قد يعني غياب المواجهة أو الصمت أو الخصومة لا قدر الله وقد يمتلك الشيطان ناصية الموقف فنقع تحت ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “إذا خاصم فجر” وهنا تختفي ظلال “رحماء بينهم” وتتبدل مواقف العزة والذلة فى  “أذلة على المؤمنين” وقد تنتهى الى قطيعة لا تتحملها النفس السوية ولا يقبلها التنظيم الذي يعمل في خدمة الإسلام على قاعدة الحب في الله التي تجمع بين أفراده  هنا نتساءل أين مصلحة الدعوة فى هذا الخلاف ؟ بل أين الأخلاق الأساسية التي تضبط حركة المسلم في حياته وعلاقاته وهو صاحب الرسالة والمبشر بها وسط أهله وإخوانه عسى أن يستيقظوا على حقائق عظمة هذا الدين!! وأين الفضيلة في حديث الرســول صلى الله عليه وآله وسلم

(أفضل الفضائل: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك). قد يغيب عن البعض أن الخلاف الحادث إنما في الفروع لا في الأصول وهنا تتسع مساحة الاجتهاد وتتعدد الرؤى ولامانع من الاستماع والبحث والتنقيب عن الحقيقة والأصوب أعترافا با أقره الإمام أبو حنيفة  من “أن رأيي صواب يحتمل الخطأ وإن رأى غيري خطأ يحتمل الصواب”. وهنا قد نحتاج إلى معرفة كيفية تسوية مثل هذه الخلافات بعد أن نقر أن وجودها علامة صحة و أن منعها أو تحويلها إلى خصومة نذير شؤم على الجميع ! ومن أهل العلم – أنقل عنهم- من وضع استراتيجيات لمواجهة هذا الخلاف و في ما يلي نوضح لك هذه الاستراتيجيات :

أولاً- استراتيجية الانسحاب: وهي أن الشخص عندما يشعر أن هناك بداية لخلاف لانفع من وراءه  يبدأ بتغيير موضوع الحديث بسرعة ويغض الطرف عن النقد.وقد يستسلم للطرف الآخر دونما حل للخلاف القائم

ثانياً- استراتيجية الإكراه: وه تجعل من يتبع هذه السياسة يحرص في أي خلاف على أن يخرج منه منتصراً مهما كلفه الأمر من تدميرعلاقات أو إساءة في الألفاظ أو التصرفات.

ثالثاً- استراتيجية التهدئة: هذه السياسة من ينتهجها يحاول أن يجعل كل أطراف الخلاف راضية وسعيدة، فهو يهتم بالعلاقة مع الناس إلى درجة كبيرة حتى لو تصادمت مع مصالحه، ومن وجهة نظره يرى أن التحدي والمجابهة مدمرة، لذلك عند بدء الخلاف يعمد إلى كسر حاجز التوتر.

رابعاً- استراتيجية التسوية: وهي سياسة مسك العصا من المنتصف وهي تشعر الأطراف في أي نزاع أنهم رابحون لأول وهلة مع أنهم في حقيقة الأمر خاسرون لأن هذه السياسة تعطي بعض الكسب لكلا الطرفين بدلاً من الانتصار للحق واعطاء الكسب للمصلحة العامة والمرجوه من حل ذلك الخلاف.

خامساً- استراتيجية التكامل: تمثل قمة النجاح لحل الخلاف لأنها تتطلب مهارات إدارية واتصالية عالية المستوى وهي طريقة مشتركة لحل المشاكل، ويلزم على جميع الأطراف افتراض وجود حل ما وبالتالي هم يجتهدون لهزمية المشكلة لا لهزيمة أنفسهم.

هنا يتضح أن الخلاف المقبول والذى ينظر الى المصالح العليا هو علامة صحة كما أن محاولات استثماره لا كبته هي علامة نضج يجب أن تحرص عليها الحركات الإسلامية التي تقدم نفسها للشعوب كقاطرة من أجل الحق والعدل والحرية.

إضافة تعليق