نادية أبو المجد: ذكريات عن انتخابات قبل زمن "هز الوسط"

علاقتي بالانتخابات نظريا قديمة ترجع إلى دراستي للعلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وعمليا أيضا قديمة منذ أن بدأت أغطيها بعد أن بدأت عملي الصحفي منذ أكثر من ربع قرن.


 أما انتخابا فهي حديثة، بدأت بعد ثورة يناير حيث شاركت في التصويت بـ"لا" علي استفتاء مارس 2011، والانتخابات البرلمانية والرئاسية، والتقطت صورة مفتخرة بالحبر الأزرق والفوشيا، وكانت سعادتي غامرة رغم الوقوف بالساعات في طوابير الانتخابات البرلمانية والرئاسية والذي أطاح الانقلاب بها وبأحلامنا في بداية حياة ديموقراطية رغم أخطاء البدايات.


لكن هناك أحداثا حفرت في ذاكرتي منذ تغطية الانتخابات أيام حكم حسني مبارك. لا أنسي في انتخابات مجلس الشعب في 2005 في دمنهور حيث كان السباق الانتخابي بين د. جمال حشمت من الإخوان المسلمين، و د. مصطفي الفقي أستاذ العلوم السياسية ومستشار مبارك للمعلومات.

في هذا اليوم رأيت بلطجية يهاجمون الناخبين بالجنازير والسيوف، وعندما تم القبض علي بعضهم تبين أنهم مساجين، ومعهم معلبات طعام عليها شعار وزارة الداخلية ومخدّرين حتي يتحملوا الضرب إذا أمسك بهم الناس، وهو ما حدث.


 سألت سيدة في هذا اليوم لماذا تخاطر بالوقوف في طوابير لانتخاب د. حشمت فحكت لي أنها أرملة، وأن ابنها المراهق لم يعد إلى البيت حتي ساعات الفجر في يوم من الأيام فما كان منها إلا أنها ذهبت إلى منزل د. حشمت الذي لم يكن نائبا في وقتها، فأيقظته زوجته دون أن تسألها عن سبب مجيئها في هذا التوقيت، وأنه نزل يبحث معها عن ابنها في الأقسام والمستشفيات حتي وجدوه.


 أتذكر أنني مع صحفيين آخرين حضرنا جانبا من فرز الأصوات والذي كانت تشير بفوز كاسح لـ د. حشمت علي الفقي، وهي النتيجة التي تم تزويرها بناء علي شهادة المستشارة د. نهي الزيني وغيرها والتي نشرت في جريدة المصري اليوم وأثارت ضجة وقتها.


 وفي صباح يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 2005 كنت أغطي انتخابات مجلس الشعب أيضا بين د. محمد مرسي وضابط أمن دولة لا أتذكر اسمه الآن في الشرقية، ورأيت بعيوني كيف أن رجال في عربات نصف نقل تابعة للشرطة ألقوا مواد حارقة علي غطاء رأس المحجبات الواقفات في طابور الانتخاب أمام مكتب د. مرسي، ولقد اشتعلت النيران في رؤوس بعضهن وساد الفزع والصياح بينهن.


وسمعت ضابطا يوبخ سيدة كبيرة خارج هذه اللجنة قائلا لها "لو كنت سيدة محترمة كنت رجعت للبيت بدل الوقوف هنا"، مضيفا "أنا بكلمك زي ابنك". فردت عليه بحزم "أنا ابني محترم ولم يكن ليوجه مثل هذا الكلام لسيدة في سن والدته تقف لتدلي بصوتها الانتخابي وليست واقفة علي بيت دعارة".


 وبعد قليل دار حوار آخر لا يُنسي بين واحد من الناخبين لعميد شرطة عند نفس اللجنة "بالله عليك .. ماذا ستقول لأولادك اليوم بعد البهدلة والضرب ومنعنا من التصويت اليوم؟"، ونظر العميد إلى الارض بلا إجابة.


بعد ذلك بعدة ساعات، وقفت عربات شرطة مدرعة، ما إن بدأ ينزل منها بلطجية مسلحون بالسيوف والجنازير حتى تم إطلاق الغاز المسيل  بكثافة علي الصحفيين والناخبين لنجد أنفسنا. وقد أصبحنا محاطين بهؤلاء البلطجية الذين بدؤوا الهجوم. ولقد فقد زميلي المصور في وكالة الأنباء الأمريكية عمر نبيل عينه اليمني بعد أن رشقه أحد هؤلاء البلطجية بطوبة كسرت زجاج نظارته وتبعثرت شظاياها داخل عينه.


لن أنسي هذا اليوم ما حييت حيث مرت هذه الطوبة فوق رأسي لتستقر في عين زميلي عمرو، الذي كان أكثر حذرا وأقل اندفاعا مني في هذا اليوم .. ورحلتنا إلى القاهرة وعينه تنزف وسلسلة العمليات التي أجراها.


ولقد سجد عمرو شكرًا لله يوم خلع مبارك في 11 فبراير/شباط 2011 هاتفا اليوم أخذت بثأري ممن نزع النور من عيني.


من المشاهد التي لا تنسي في انتخابات 2005 -هذه المرة في المنصورة- هو كيف أن بعض الناخبين تحايلوا علي منعهم من التصويت بأن أحضروا سلالم واستخدموها ليتسللوا داخل اللجنة الانتخابية بعد أن تم إغلاقها في وجوههم. ولقد نشرنا نحن في وكالة الأنباء الأمريكية وقتها هذه الصورة التي كشفت جانبا من فضائح ومهازل مما يحدث فيما تسمي الانتخابات في مصر.


 ولقد تعرضت زميلة صحفية لي للتحرش من قبل مسجلات آداب وبلطجية مأجورين عند إحدى اللجان الانتخابية، وكانت أحد الأسباب التي دفعتها للعمل خارج مصر لفترة.  


ولذلك كان تغطية الانتخابات من المهام المهنية الثقيلة على قلبي، وكنت أنظر لها بكثير من السخرية والمرارة والحزن وأنها ديكور مزيف ومشوه لا علاقة له بالديموقراطية إلى أن قامت ثورة يناير، وظننت أننا طوينا هذا النوع من العبث وفتحنا صفحة وبداية وخطوة جديدة حقيقية نحو الديمقراطية.

 لقد كانت فعلا خطوة نحو الديمقراطية عكس مقولة مدير المخابرات الأسبق عمر سليمان ومن قبله رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف الذين قالوا إن الشعب غير مؤهل للديموقراطية. وكان نظيف قد اعترف ضمنيا بتزوير الانتخابات البرلمانية في 2005 عندما قال في تصريحات لمجلة نيوزويك الأمريكية إنه " لولا تدخلنا لفاز الإخوان المسلمين بـ40 ? من المقاعد". وكان الإخوان قد فازوا بـ 88 مقعدا، أو ما يعادل 20? رغم المنع من التصويت ومهاجمة الناخبين والتزوير.
رجعنا خطوات كثيرة للوراء بعد انقلاب 3 يوليو 2013.

 من جاء بانقلاب ليلغي الإرادة الشعبية بعد (5) استحقاقات انتخابية لا يمكن أن يكون مهتما بانتخابات أو ديموقراطية حقيقية. ولن يغير من هذه الحقيقة مطالبة قائد الانقلاب ومن معه بالنزول للتصويت أو الرقص عند اللجان الانتخابية أو إطلاق وصف "العرس الديمقراطي" أو الزعم باكتمال ما تسمى "خارطة الطريق".


الطريق الي الديمقراطية لا يزال طويلا وصعبا في مصر ويظل السؤال "بط هوين" (ولكن متى) علي رأي عمر سليمان؛ لكن بالتأكيد الانقلاب وحكم العسكر وانتخابات أسوأ من عصر مبارك  لن تؤدي إلى الديمقراطية..
مش (ليست) محتاجة "فكاكة" علي رأي السيسي.

نادية أبو المجد 
صحفية وإعلامية مصرية

إضافة تعليق