هل تخلت مصر عن السودان؟! ـ د . محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 22 - 9 - 2006

دخل مستر لوبون أستاذ الجغرافية ( الإنجليزى الجنسية واليهودى الديانة ) فى جامعة الخرطوم فى ستينات القرن الماضى الى القاعة الكبرى "102" بالجامعة عام 1962م ليلقى محاضرة بعنوان " السودان عام 2000" باللغة الإنجليزية "SUDAN BY 2000" ولأنه خبير بالجغرافية البشرية المتعلقة بتركيبة السكان وطرق معيشتهم وتحركاتهم والمؤشرات السياسية والإجتماعية التى تؤدى الى خلخلة مجتمعاتهم وبنقاش منطقى أدخل الصراعات والسلطة والدين والثروة والعرقيات فى حديثه وقد رسم على السبورة خارطة السودان ليصل الى ان هناك سودانا جديدا سينشأ عام 2000 م- أى بعد 38 عاما من وقت حديثه- ملامحه كالتالى) أوجد دولة اريتريا المستقلة –لم تكن قد ظهرت بعد – وأضاف اليها كسلا وما جاورها من القاش وجزءا أيضا للحبشة ثم أوجد دولة جديدة فى غرب السودان تضم دارفور وأجزاء من كردفان الى جانب تشاد واسماها دولة أزانيا الكبرى ثم ضم جزءا كبيرا من شمال شرق السودان خاصة منطقة حلايب وضمها لمصر, أما جنوب السودان فقد اقتطعه كله ليكون جزءا من دولة البحيرات ولم يبق من السودان إلاّ أواسطه ليكون السودان ) هكذا حكى لى أحد قيادات السودان عندما كنا فى زيارته أثناء زيارة للخرطوم وقتما كنت أتمتع بحريتى فى السفر من مصر دون منع من قوات أمن النظام المصرى !! وقريبا قرأت خبرا فى جريدتى لوموند وليبراسيون الفرنسيتين تحددان عام 2015م لغزو مصر بعد تمام حصارها من الجنوب –اللى هو السودان - !! تذكرت وذكرت هذه المعلومات فى ندوة عقدتها لجنة دعم السودان فى اتحاد الأطباء العرب يوم الأحد 17 سبتمبر 2006م فى ذات الوقت الذر خرجت فيه المظاهرات اليهودية فى أوربا إحتفالا بعيد الفيروز ومطالبة بحماية المسلمين فى دارفور من الإبادة و الإغتصاب الجماعى الذى يحدث فى دارفور وضرورة تطبيق القرار 1706 لدخول قوات الأمم المتحدة الى السودان !!! فى نفس اليوم الذى تظاهرت فيه منظمات المجتمع المدنى فى السودان ضد تنفيذ القرار الدولى !! حضر معنا السفير السودانى ومدير مكتب حزب المؤتمر الوطنى السودانى وممثل لإتحاد المحامين العرب والجبهة الشعبية للتعبئة العامة وممثل لجماعة الإخوان المسلمين وخبير من الأهرام فى الشئون السودانية وفوجئنا بحضور ممثل للحزب الوطنى وكذلك ممثل للجمعيات الأهلية للصداقة المصرية السودانية وجمهور غفير من المصريين والسودانيين وكان ملخص ما قيل من كل الحاضرين بمن فيهم ممثل الحزب الوطنى :

أولا أن هناك رفضا تاما للقرار الدولى حيث أنه يرتب قوة إحتلال داخل كيان السودان حيث ينشئ محاكم خاصة وقوات أمنية خاصة وسيطرة تامة على الإقليم ومع القوات الأممية كافة صلاحيات التدخل طبقا للباب السابع المشئوم – مع العلم أن القوات المرسلة 80% منهم من الجنود الأمريكان !!

ثانيا أن القرارجزء من خطة مرسومة بدقة لتفيت السودان وتعجيز حكومته من السيطرة على البلاد ليضمن تواجد دائم ونهب منظم لموارد دولة بكر لم ينتفع أصحابها بها حتى هذه اللحظة !!

ثالثا أن التفرق الحادث فى موقف السودانيين تجاه القرار حيث يؤيده البعض لمصالح ضيقة أو انتصارا لنفسه أو ليأسه من توحد الداخل أو لإدراكه العاجز بأن أمريكا داخلة داخلة فليقدم لها اليوم ليحصد غدا !! هذا التفرق هو من أشد نقاط الضعف التى تعترى الموقف السودانى والتى تحتاج لإخلاص المخلصين للتقريب بين أبناء الشعب الواحد لتحطيم أمل الآملين فى تفتيت السودان !

رايعا أن موقف مصر فى ظل قيادة الرئيس مبارك لا يتناسب مع حجم مصر ودورها ولايحمى أمنها القومى ولا يؤمن حدودها الجغرافية بل يصل أحيانا الى حد التواطو !! فأين كانت مصر فى اتفاقات جوبا بين الحكومة السودانية وحركة تحرير الجنوب ..فقط أمريكا وبريطانيا هناك !! أين مصر الآن مما يحدث فى شرق السودان لقد تخلت مصر عن الدفاع عن نفسها باعتبار منابع النيل أمنا قوميا وحدود السودان أمنا قوميا واستقرار السودان أمنا قوميا خير السودان أمنا قوميا وأخوة السودان أمن قوميا.. مصر التى اعتبرت الوجود الإيرانى فى الخليج العربى يهدد الأمن القومى المصرى لم تشعر بخطر ما يحدث فى فلسطين والسودان لنفس الإعتبار !! والسؤال هنا من يحدد لحكام مصر معايير وحدود الأمن القومى المصرى !؟

خامسا أن رغم خطورة ما يحدث فى السودان وهو ما يفسره ما جاء فى مقدمة المقال من أن ما يخططون له يزرعونه بأيديهم دأبا يوما بيوم وعاما بعام حتى يوم حصاده !! إلاّ أننا غافلون مخدرون , ومازالت قضية السودان لم تأخذ حيزا مناسبا فى عقلية المصريين ولا ترتيبا متقدما فى اهتماماتهم فلقد شغلنا بفلسطين ثم العراق ولبنان فى الخارج ومآسينا فى الداخل من فقر وظلم واستبداد وتوريث ولعل الأخير يفسر لنا لماذا ضاع دور مصر الرائد فى كل هذه القضايا !! ولماذا استسلمت القيادة المصرية لرغبات أعداء الأمة رغم إنه يهدد المنحوس المسمى بالأمن القومى !! لقد كان موقف أمريكا من قضايا الإصلاح فى مصر مخزيا لأنها نظرت إلى مصالحها بالضبط كما نظرت الطبقة الحاكمة فى مصر لمصالحها فتوافقت المصلحتان وضاعت سمعة مصر التى فرطت حتى في الموقف المشرف !!

سادسا توافقت إرادة كل الحاضرين على رفض التدخل الدولى والعمل على دعم القوات الأفريقية المتواجدة حاليا وعلمنا من السيد السفير أن جامعة الدول العربية أخذت وعود من بعض الدول العربية لتمويل القوات الأفريقية لمدة ستة أشهر بدءا من أكتوبر القادم وكان من الرافضين معنا ممثل الحزب الوطنى الذى تواترت أنباء على موافقته للتدخل لو استطاعت الأمم المتحدة أن تقنع حكومة السودان !! هذا الموقف المائع الذى لا طعم فيه ولا شهامة ولا رجولة ولا إصرار على حق يجعلنا نفكر لماذا لا يقبل البعض أى موقف يبدو إيجابيا من الحزب الوطنى المصرى صاحب الإنطلاقات المتعددة والفكر المتجدد ؟!

وأخيرا أرجو أن تنال قضية السودان إهتماما أكبر من كل المصريين الذين يحاصرون من الخارج من كل اتجاه ويشغلون بالداخل بهمومهم ومصائب حكامهم الذين لم يكتفوا بثلاثين عاما من مص دماء الوطن والشعب ويرغبون فى المزيد ولكى تكتمل الصورة لعل المقام يسمح بسرد أحوال اللاجئين السودانيين فى مصر وكم المعاناة التى يعانونها داخل مصر والله أسأل أن يحفظ مصر من شرور أبنائها المفسدين وأعدائها المتربصين اللهم آمين

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق