د حشمت : الإسلاميون في الحكم ؟

د حشمت يجيب : الإسلاميون في الحكم.. إشكالات وتساؤلات

كتب - إسلام أون لاين

2006-02-19

تدور فى أذهان الناس الكثير من الأسئلة والمخاوف من وصول الإسلاميين للحكم وقد برزت هذه المخاوف بشدة عند البعض وزادت حدتها إثر فوز الإخوان المسلمين بثمانية وثمانين مقعدا فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة وفوز حركة حماس بالأغلبية فى فلسطين.

وقد وردت هذه الأسئلة لموقع إسلام أون لاين والذى أرسلها للدكتور حشمت ليجيب عنها.

1- ما حدود التنازلات السياسية التي يمكن للجماعة التنازل عنها في سبيل تحقيق حلف مثلا لمقاومة الفساد؟.

2- كيف يطالب الإسلاميون بأن الأمة هي مصدر السلطات، ونفترض لو أن الأمة رفضت الإسلام فما العمل؟ هل نقول: نقبل بالحل الديمقراطي؟.

3- هل تسمح الحكومة الإسلامية بوجود أحزاب مثلا تدعو للشيوعية أو العلمانية أو تمشي بالتبشير بين المسلمين تحقيقا لمبدأ قبول الآخر والحرية؟ وما الدليل على ذلك؟.

4- لماذا نرفض التبشير في بلادنا في الوقت الذي نطالب بحرية الدعوة للإسلام في بلاد أمريكا والغرب؟ وهل هذا ازدواج في المعايير؟.

5-  ما رأي حضرتك في مسئول في جماعة إسلامية كبرى نتشرف بالانتماء لها يقول: "الخلافة الإسلامية ليست قضية دينية، وإن الدولة الإسلامية قائمة بالفعل، ويعيبها الفساد والاستبداد"، ويقول بالحرية التامة للفن، ويعترض على وصاية الأزهر للفن، وأن محاربة الفكر الساقط أو الإلحادي يكون بالفكر فقط دون أن تتدخل سلطة الدولة أو أي سلطة دينية كالأزهر لتمنعه بالقوة؟ وما هو واجب الحكومة الإسلامية الصحيحة تجاه ذلك؟.

أرجو أن تضع تخيلا لو أن عمر بن الخطاب صدر في عهده مثل هذا الفن.. فهل سيقول حرية، أم سيناولهم بالدرة، أم أن هذا من باب الدعاية السياسية كما يقول البعض؟ (ورد هذا الكلام على موقع "إسلام أون لاين.نت" أكثر من مرة".

يقول الدكتور محمد جمال حشمت -الطبيب والداعية المصري، والبرلماني السابق-:

أسئلتك هامة، وتعكس متابعة جيدة للواقع، كما تعكس حيرة أمام أسئلة يتهرب البعض من الإجابة عليها.

أقترح عليك أن نضع لكل سؤال أكثر من إجابة أو أكثر من سؤال، وننظر أيها أقرب للإسلام الذي يضع المصلحة في الاعتبار.

- مثلا سؤال: إذا رفض الشعب الإسلام فهل يجبره الحاكم أم ما هو الحل؟

هل نظن أنفسنا أوصياء على الشعب، وأننا نحن فقط أصحاب العقل الراجح، وأن الأمة افتقدت من يغار على الإسلام؟ ولا ننكر أن الشعب الذي يرفض الإسلام إنما يحمل وزره أولئك الدعاة والمتصدرون للدعوة إليه، وأولئك سيكونون هم أول المكروهين الذين لا يُعتد بآرائهم، وقد فقدوا صدارتهم ومصداقياتهم، ولا يلومن أحد إلا نفسه!! والأولى أن يكون السؤال: إذا رفض الحاكم الإسلام فهل يجبره الشعب؟.

- أما قصة التنازلات السياسية لإقامة تحالفات سياسية لمقاومة الفساد مثلا فهي مسألة مختلف فيها.. هل هي تنازلات أم هي إقرار بالواقع؟.

وهو أمر يجب التعامل معه من منظور شرعي وفق اجتهاد يناسب العصر بعد الجمود الذي وصل إليه المسلمون؛ فالحركة الإسلامية لا تواجه اليوم الحكومات والأنظمة التي تتمنى لها الزوال؛ بل تواجه أيضا الكارهين في الغرب والشرق للإسلام ومشروعه الحضاري {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، ومواقف الزعماء الغربيين أكثر من أن تحصى لمواجهة الإسلام والإسلاميين في الجزائر وفلسطين وباكستان والشيشان، وفى هذه المرحلة الحساسة الدقيقة ينبغي التحرك بمهارة لا تفريط فيها في الثوابت، ولا تجمد ولا انغلاق يعصف بنا خارج التاريخ.

ولعل السبب في عدم استيعاب كثير من الإسلاميين ما يدور حولهم من تحالفات هو طرق التربية والمناخ الذي تربى فيه هؤلاء؛ حيث يغلب عليه المثالية والتحدي والتحفز والعداء؛ وهو ما لا نراه في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي تعاون مع المخالف له في العقيدة قبل الهجرة وفي أثنائها وبعدها، وموقفه -صلى الله عليه وسلم- من حلف الفضول يعني أن القيم والأهداف السامية يمكن أن تتأتى من غير أهل الإسلام؛ وهو ما يستوجب التعاون والتحالف مع المخالفين الذين يتحركون ضد الظلم والفساد والاستبداد الذي تعاني منه الأمة؛ وهو ما يؤكد تسامح الإسلام وقدرته على إدارة الحياة بكل مكوناتها من بشر وأفكار تحقيقا لحقيقة أن الإسلام يصلح لكل زمان ومكان.

هناك مقولات كثيرة تربينا عليها تحتاج إلى إعادة تأمل؛ مثل الدولة الإسلامية.. هل مصر أو السعودية بلاد غير إسلامية؟ وماذا يترتب على ذلك الحكم الخطير؟ وهو ما يجرنا إلى منزلق التكفير للمسلمين الذي يحطم وينهي أي أمة تقع فيه!.

- أما الرأي بأن الأمة مصدر السلطات فهو الحق؛ فالشعب هو الذي يختار حكامه ونوابه وممثليه، ويراقبهم، ويحاسبهم، ويعزلهم إذا استلزم الأمر، وإلا أصبح الحاكم إلهًا لا راد لأوامره، وهو ما ابتلي به المسلمون!! نعم هو مصدر السلطات لا مصدر التشريعات؛ فالإسلام وأصوله هو مصدر التشريع، وأقر بذلك الدستور المصري، ولا يمكن الرهان على أن الشعب لا يريد الشريعة؛ ففطرة الأمة إلى الإسلام أقرب، وعندما تفسد فكما ذكرنا سابقا فإن النخبة والدعاة هم سبب هذا البلاء، والإسلام لم يعرف في تاريخه الدولة الدينية، ولا نظرية الحكم الإلهي؛ فالإسلام هو الذي أقر الشورى منهج حياة؛ بدءًا من اختيار الزوجة حتى تربية الأولاد، حتى الصلاة؛ فلا يؤم الناس من هم كارهون لإمامته، وإن أخطأ فعلى المأمومين الرد، مرورا بالمعاملات الاقتصادية، وشروط العقد والتراضي، حتى الممارسة السياسية التي تحترم إرادة الشعب، وتقاوم الاستبداد، وحذر من حكم الفرد في أثناء تناوله لظاهرة "الفرعونية"، ولا مانع من اعتبار مظاهر الديمقراطية هي إجراءات الشورى (والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها).

- أمر آخر هام: هل الأوفق أن تمنع الأحزاب الشيوعية إذا بقي من يؤمن بها من الحق في الوجود، أم تسمح لها شرط التزامها بالقانون الملائم؟ وإذا اخترت منعها فهل تطاردها بلا هوادة كما يفعل الحكم الحالي مع الإسلاميين؟ وهنا هل ستستطيع منعها أم ستقوى هي؟.

ورغم أن الإجابة تكاد تكون قد أوضحت الرأي الذي ننحاز إليه فإننا نؤكد أن الدولة الإسلامية لم تخلُ يوما ممن يحمل فكرا مخالفا ومختلفا مع الإسلام، ورغم قول البعض بأن سيدنا عمر قد عامل الملاحدة معاملة أهل الكتاب في الجزية فإننا نقول: إن هذا الصنف قد انقرض، وأغلب من يتبنى الفكر الشيوعي يتحدثون فقط في رؤى اقتصادية أو سياسية أو غيرها، بعيدا عن الطعن في الإسلام، خاصة أن المرجعية الدستورية لا تسمح لأحد بمعاداة الشريعة الإسلامية، ومن ينطبق عليهم كل المخاوف لا يتجاوز عددهم العشرات أو المئات، دون أي تأثير يذكر في المجتمع المتدين من حولهم، ولولا وجود أحزاب تتنافس حول مناهجها في الحياة التي تؤثر في الشعب لافتقدنا الحكمة من تداول السلطة، وإفراز القيادات الشابة والمتجددة، والتي نحن محرومون منها طوال عشرات السنين الماضية. ولن يسمح أي نظام يحتكم للإسلام بأن يصنع أبطالا من الاضطهاد والمنع والحظر؛ فلقد عانت الحركات الإسلامية من الحصار والمطاردة، ولن تمارس ما رفضته وعانت منه، وإلا فقدت المصداقية واحترام الذات.

أما عن قضية الرفض والقبول للتبشير والدعوة فالأمر يكمن في الأصول والثوابت؛ بمعنى أننا حين ندعو إلى الإسلام في أي مجتمع فإنما تلتزم الدعوة إلى الله بعدة أمور منها:

1- احترام وتقديس كل الأديان وجميع الأنبياء السابقين على الرسول صلى الله عليه وسلم.

2- احترام مناسك وتشريعات أهل الكتاب، مع الأمر بعدم التجريح عملا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "‏ما حدثكم ‏ ‏أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله ورسله؛ فإن كان باطلا لم تصدقوه، وإن كان حقا لم تكذبوه" [رواه أبو داود].

3- أن الدعاة لا يُكرهون أحدا على الإسلام بأي وسيلة عملا بقوله تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256].

4- أن الدعاة يخاطبون الجميع في قلوبهم وعقولهم، ولا يتوجهون بدعوتهم إلى الفقراء والمحتاجين والبسطاء؛ حتى لا يعد تغريرا واستغلالا لاحتياجاتهم.

على حين تشتهر حملات التبشير بمهاجمتها الإسلام والطعن في القرآن والإساءة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذا غير مقبول بدعوى حرية التعبير وعدم ازدواجية المعايير، كما تعتمد حملات التبشير على التعامل مع البسطاء الذين يفتقدون الحصانة الاجتماعية والمعيشية؛ وهو ما يدخله في دائرة التغرير لا التبشير، والأمثلة أكثر من أن تذكر، وأمامكم نموذج مثل زكريا بطرس الذي تأذى منه حتى المسيحيون العقلاء.

وهذا لا يمنع قدرة كلا الطرفين على المناظرة والمواجهة الفكرية التي يمكن لها أن تمحص المواقف، وتقدم دعوة الإسلام في أبهى صورة، ولعل هذه المواجهات هي الصورة المثلى لنشر الإسلام حتى وسط القيادات الدينية في الديانات الأخرى؛ لأنها تقوم على العقل والمنطق، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه.

- أما الأسئلة التي وجهت لمسئول كبير في جماعة إسلامية كبرى؛ فأرجو مراجعة ما قيل بالضبط، وقد تعمدت عدة وسائل إعلامية نشر أحاديثه محرفة، وقد رد على بعضها، ويمكن سؤاله مباشرة على بريده الإليكتروني حتى تتضح الصورة بجلاء ثقة وإعزازا به.

وخلاصة القول أن هناك فقهًا تتعدد معه الآراء، وكلها في إطار الشريعة وكلياتها تجعل من الفن وسيلة للتربية لا معولا لهدم الأخلاق، وأن الفنون في أي مناخ وأي مجتمع تسوده قيم وأخلاق الإسلام سيسير في ركب التنمية وإلا قوبل بالصدود. ولعل حجاب الفنانات والتزام كثير من الفنانين بأخلاق الإسلام وثوابت الأمة ومتطلبات التنمية لهو دليل على أن الفن حلاله حلال وحرامه حرام، وأن تربية المجتمع على بدائل تعلي من شأن القيم لهو أحسن رد على الهجمة المتوقعة أكثر خلال الفترة القادمة من غزو فضائي، ومع وجود هذه المدافعة تبقى سلطة القضاء الحر هي الفيصل في منع أو السماح للفكر الساقط أو الإلحادي عندما يفشل المبدعون الإسلاميون في مواجهته؛ وهو ما لا أعتقده.

إن الحرية في الإسلام حرية منضبطة لا تمس حريات الآخرين، ولا تعتدي على أخلاق الأمة المتدينة بمسلميها ومسيحييها، وأسأل الله التوفيق فيما كتبت والخير فيما ذهبت إليه، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

إضافة تعليق