شرف الكلمة في فلسطين

كتب - د.محمد جمال حشمت

 2007-07-01

شرف الكلمة قبل حريتها تلك هي مقولة الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام الأول لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وهي كلمة حق؛ حيث يهتم الكثيرون بحرية الكلمة، فإذا نالها البعض كتب بحرية كلامًا لا قيمة له، وأحيانًا خطره أشد من خيره!!

 ولعل قيمة الحرية هي في إتاحة الفرصة للشرفاء في الردِّ على أولئك الذين لا شرف لهم ولا مصداقية لكلماتهم، وكأني فهمت أن الأصل في الكتابة هي لمَن يعرف قيمة ومسئولية وعلوّ وسموّ وشرف الكلمة، فالقرآن كلمة، وكل عمل يبدأ بكلمة، وكلمة قد تذهب بك إلى الجنة وأخرى تقذف بك في النار، والعياذ بالله.

 من هنا يتضح حجم ما يرتكبه بعض الكتَّاب أو المثقفين الذين يستسهلون الكتابة للطعن في الأعراض وانتهاك الحرمات والتشكيك في النوايا والتأويل السيئ للأحداث وما يترتب على ذلك من تشويش يجعل الحليم حيرانَ، وتضيع الحقيقة وسط تلال الكذب، وتُهدَر الحقوق، فيحيا أصحابها في حرمان، كانت الكلمة هي السبب في إضاعة حقوقهم!!

 ولقد كانت القضية الفلسطينية مرتعًا خصبًا لكل مدافع عن فكرته وكل حريص على مصلحته، ومن بين دفاع وهجوم ضاعت حقوق الشعب الفلسطيني، وعُدنا نتلمَّس الحقيقة في كلمات الأعداء الذين سلَّموا بقوة خصمهم أو الأغراب المنصفين!!

 ولعل في ذكر الحقيقة ما يفيد الأعداء في تلمُّس طرق المواجهة دون خداع للنفس- وهو للأسف ما انتهجناه نحن- وتقييم الأداء الذي يحتاج إلى تعديل، وهو ما لن يحدث دون قدر من الصراحة مع النفس لنجد فيه نحن كلمةَ حقٍّ لصالحنا!! ولذلك عندما قرأت معظم التحليلات التي كتبها عدد كبير من الصحفيين الفلسطينيين والمصرييين والعرب لم أجِدْ إلا ترديدًا سمجًا لشبهات لم يملَّ أعداؤنا من ترويجها، ودعوات للاستئصال حان وقت الجهر بها لمنافسين سياسيين سحبوا البساط من تحت أرجل المتعهدين بحماية المصالح الأمريكية والصهيونية!!

 وللأسف عندما قرأت تحليلاتٍ موضوعيةً فوجئت بأن كاتبها صهيوني وفي صحف صهيونية، وتعجَّبت أكثر حين وجدتُّ تحقيقاتِ بعض الصحف العالمية أكثر انصافًا وتعقُّلاً من افتتاحيات صحف عربية ومصرية تحمل أمانة الريادة (مش عارف ليه وعلى إيه؟!) منها ما كتبته جريدة (الجارديان) بعد أسبوعين من أحداث غزة بقولها: "البصمات الأمريكية واضحة تمامًا على كل الفوضى التي أصابت الفلسطينيين، وحماس تصرَّفت في غزة من منطلق خوف حقيقي من الانقلاب الذي ترعاه واشنطن ضدها".

 هل تتصور كيف أكدت الجريدة وجهة نظرها؟!! بوثائق وبتحليل منطقي منذ أن نجحت حماس في انتخابات يناير 2006م بإرادة حرة أثارت مراكز الشرّ والفتن، فتآمر الجميع في السلطة الفلسطينية مع دول الجوار ومع الصهاينة ومع أمريكا والاتحاد الأوروبي لإفشال تجربة حماس؛ لتكون مادةً دسمةً تؤكد على فشل الإسلاميين في إدارة الحكم، ولو كان طريقهم مفروشًا بالديمقراطية الغربية التي اتضح أنها لا تقبل كلَّ مَن يقبل بها، خاصةً إذا كانوا إسلاميين!!

 وفي وثيقة مؤرَّخة بتاريخ 3 مارس 2007م، أي بعد أقل من شهر على توقيع اتفاق مكة بين فتح وحماس برعاية سعودية لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وقد تناولت هذه الوثيقة معلومات تم عرضها خلال محادثات بين مسئولين أمريكيين مع حكومة عربية، تشير إلى أن الأهداف الأمريكية هي "المحافظة على بقاء الرئيس عباس وحركة فتح كمركز ثقل على الساحة الفلسطينية" و"تجنب إضاعة الوقت في التكيف مع الشروط الأيديولوجية لحماس" و"تقويض وضع حماس السياسي في توفير الحاجات الاقتصادية للفلسطينيين" و"تعزيز سلطة الرئيس الفلسطيني ليكون قادرًا على الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة بحلول خريف 2007م"، أي أن أمريكا وحلفاءها في المنطقة كانوا في طريقهم لتخريب اتفاق مكة والانقلاب على شرعية حماس!!

 وأخطر الوثائق المتعلقة بالأهداف الأمريكية تلك التي تتحدث عن "تخصيص واشنطن مبلغ 1.27 مليار دولار لإضافة 7 كتائب خاصة تتكون من 4700 إلى 15 ألف فرد إلى الحرس الرئاسي وقوات الأمن الأخرى والتي سيتم تزويدها بالسلاح والتدريبات المكثفة وفقًا لنص الوثيقة"!!

 لماذا لم تنشر الصحف القومية المصرية أو العربية نصَّ هذه الوثيقة؟ ولماذا تجاهلها المحللون الذي حلَّلوا دماء الفلسطينيين النازفة على أيدي فتح وأبو مازن وقواته الدحلانية؟!

 هل أذكر لكم تعليقات كبار الكتاب في مصر حول أحداث غزة وما حدث فيها بعيدًا عن شرف الكلمة، رغم أن أحدهم يرشِّح نفسه نقيبًا للصحفيين والآخر رئيسًا لاتحاد كتَّابهم؟!

 لن نتعرض لما كُتب هناك من كلماتٍ دون شرف تنحاز إلى جهة بلا رويَّة كما كان رد فعل الحكومة المصرية في بداية الأحداث وورَّطت معها البرلمان في بيان أحسن النوّاب من الإخوان والمستقلين والمعارضين بوصفه بيانًا دحلانيًّا لانحيازه للتيار الخياني العنيف والانقلابي في فتح!!

 لكن ننبه إلى خطورة ما يُكتَب لأنه يشكِّك كثيرًا من المصريين والعرب فيما يقدمونه من دعم إلى الشعب الفلسطيني وهم في أشدّ الحاجة لاستمراره بل وزيادته في ظل التآمر المحلي والإقليمي والدولي المستمر على حكومة حماس.

 خطورة ما يُكتب بلا ضمير أو تحرٍّ للحقيقة أنه يشكِّك الناس في خط الدفاع الأول عن الأمة ضد الهجمة الأمريكية والصهيونية، والشعوب هي الضحية؛ لأن العملاء في كل مكان يتمتعون بالحماية الأمريكية التي لا قيمة لها أمام فضيحتهم وانكشاف أمرهم وانتقام شعوبهم ومن قبل ومن بعد عدل الله فيهم، وجزاؤهم عند ربهم في الدنيا والآخرة.

---------

* drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق