أبوس إيديك عذبني!!

د. محمد جمال حشمت

 2007-07-21

كانت المفاجأة عندي ليس فيما اكتشفته النيابة داخل قسم شرطة المنتزه، إنما ما أربكني هو المفاجأة في تحرك النيابة ضمن خطة وفي إطار تصريحٍ من المحامي العام لإجراء تفتيشٍ لقسمٍ اشتهر ببلطجة ضباطه وتلطخت أيديهم بدماء الأبرياء من رواده!!

فصحيفة سوابق القسم تمتد منذ سنواتٍ طويلة، فقد أصدرت محكمة جنايات الإسكندرية حكمها في يونيو 2003م بالحبس لمدة عام مع إيقاف التنفيذ على ضباط شرطة بالقسم بتهمة تعذيب وقتل المواطن شوقي أحمد عبد العال (المقدم خالد شلبي والنقيب هيثم الكيلاني والنقيب عبد الغفار الديب)، كما أُدين خمسة من ضباط القسم نفسه بتهمة إجبار المواطن محمد بدر الدين على الاعتراف بقتل ابنته التي جاء يبلغ عن اختفائها؛ وذلك تحت وطأةِ التعذيب والتحرش الجنسي بزوجته، ثم فُوجئ الجميعُ بأن ابنته لا تزال على قيد الحياة!!

وفي واقعةٍ مأساويةٍ أخرى قام الضباط في 1 إبريل 2005م باقتحام منزل المواطن محمد محمود واعتدوا عليه بالضرب واقتادوه للشارع بعد أن جردوه من ملابسه وسحلوه في الشارع وطافوا به في المحلات والمقاهي، وهو عار تمامًا ومقيد بالحبال، وقد اتهم فيها النقيب محمد عز الدين والنقيب فوزي نصار وخمسة من المخبرين!!

ولم يمر عام 2006 إلا وقد قام أحد مخبري القسم في مارس 2006م بقتل المواطن يوسف خميس رميًا بالرصاص والقبض على صديقيه اللذين شهدا الواقعة؛ مما أثار غضب الأهالي فتوجَّه ما يقرب من ثلاثة آلاف مواطن وحاصروا القسم ورشقوه بالحجارة ولم ينقذهم من غضب الجماهير سوى انتقال مديرية الأمن بقواتها لتحاصر المواطنين الغاضبين وتعتدي عليهم!!

يعني باختصار ممكن للنيابة الزيارة المفاجئة وإنقاذ ضحايا أبرياء داخل سلخانة التعذيب في أقسام الشرطة!! فلماذا تغيب؟! من المعروف أن أغلبية أقسام الشرطة تمارس تجاوزات لا حدَّ لها طالما؛ الأمر في أيدي ضباط صغار أو كبار عابثين، وهناك حماية دائمة لهم من الوزارة التي لا تقبل بإدانةِ رجالها أو الطعن في سياستها أو التشهير بأخطائها وجرائمها، وفي غياب العدل والرحمة من قلوبِ هؤلاء المؤتمنين على أمن وراحة الشعب المصري وفي ظل غياب المتابعة والمحاسبة تزداد أعداد الضحايا يومًا بعد يوم!!

إذًا غياب التفتيش القضائي الجاد مثلما حدث في قسم المنتزه يتسبب في ظلمٍ يحيق بأبناء الشعب المصري؛ لذا فالسؤال هو لماذا تغيب النيابة ويتعثر التفتيش الدوري على أقسام الشرطة؟ والسؤال الآخر أين بيانات الداخلية التي تشجب أو تؤيد أفعال أبنائها من رجال الأمن فيما حدث في قسم الشرطة بالمنتزه؟ وما رد فعلها إزاء ما اكتشفته النيابة العامة أثناء تفتيشها من مهازل واعتداءات على كرامة وحرية المواطنين بلا سندٍ من قانون أو خلق؟!!

هل تجري الاتصالات الآن بين الداخلية والعدل للم الموضوع؟! هل ستُهدر حقوق المواطنين الذين تم حجزهم وتعذيبهم داخل القسم وحررهم حضور النيابة؟

المبكي في هذا الموضوع هي شهادة بعض الضحايا بعد أن جاء بعضهم وقد مُورست عليهم الضغوط- في حركةٍ غبيةٍ من ضباط القسم ومخبريه- للنيابة ليقسم إنه لم يحدث لهم شيء داخل القسم، وأن الضباط أحسنوا معاملتهم، وقال البعض: "يا بيه مين قال إن ضباط القسم احتجزونا لا.. لا.. أنا إلى رحت القسم والضباط قالوا لي لو عايز تمشي امشي، لكن أنا اللي صممت أقعد في القسم لأنه أمان!!"

وآخر قال- طبقًا لما نشرته جريدة البديل 18 يوليو 2007-: "يا بيه.. أنا جريت ورحت قسم المنتزه، واترجتهم وقلتُ لهم أبوس إيديكم قعدوني عندكم!" لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!

هل لن يتركنا هذا النظام الفاسد إلا ونحن عبيد نرجوهم البقاء ولو على جثثنا ونبوس إيديهم عشان يعذبونا؟!!

الوضع خطير يحتاج يقظة من كل الشعب بحيث لا يترك أحد حقه ولا يتنازل عنه لأحد كائنًا مَن كان! ليتكاتف الجميع ضد هذا الإجرام الذي يفسد الشعب المصري فيحوله إلى شياهٍ مذبوحةٍ لا كرامةَ لها كي يرعي الذئبُ وحيدًا!! وعلى نواب الشعب الاهتمام بما يحدث في أقسام الشرطة بدوائرهم وليفتحوا أبوابهم لكل مَن يعامل معاملةً غير كريمة ليطالبوا لهم بحقوقهم، وتلك مهمة رئيسية لنائب الشعب الحقيقي يقف فيها وراء كل مظلوم ويدعم فيها كل محتاج ويُؤمِّن بها كل خائف من سلطةٍ غشيمةٍ تحفر قبرها بأيديها، وقد اقترب يوم حسابهم، والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.

----------

* drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق