الأمن فى القرآن الغائب عن مصر!

دكتور محمد جمال حشمت - g.hishmat@gmail.com

 2008-09-27

اختلطت علينا المعانى والمفاهيم كما أختلطت الأموروالأحوال فما عادت – مثلا -  كلمة السلام أو كلمة الأمن تحمل ما تعارفنا عليه من معانى السلم و الأمان والاستقرار والهدوء والطمأنينة والاستمتاع بالحياة الطبيعية دون خوف او قلق !! بل صارت كلمة السلام تعنى الاستسلام لرغبات العدو والتفريط فى حقوق الوطن مقابل البقاء فى الحكم ودور الحكام المتآمرين هو تبرير ذلك للشعوب فهمت أم لم تفهم ! وصار الأمن والعاملين عليه يعنى ممارسة التعسف والإهانة والظلم والتعدى على الحقوق وتلفيق التهم والعنف فى التعامل ولذلك وجب علينا أن نحرر مصطلح الأمن الذى ننشده جميعا فى مصر على مختلف توجهاتنا وأفكارنا ، ومن الجدير بالذكر أن جاءت معانى الأمن فى القرآن عكس ما نحياه فى مصر وبلاد العرب والمسلمين رغم أنهم أصحاب القرآن وجمهوره الأول الذى أنزل على أسلافهم : "وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " النور : ٥٥ .

كانت تلك هى المواعدة التى تتحقق بإذن الله ما امتلك المسلمون فى أى زمان ومكان شروطها( إيمان وعمل صالح وعبادة خالصة ) فى مقابل استخلاف وتمكين وأمن يطرد الخوف والضعف .

"الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " الأنعام : 82 .

الإخلاص والبعد عن الشبهات بعد قوة الإيمان هى صفقة الأمن الذى لا ظلم فيه ولا خوف معه.

تلك هى النعمة التى يمن الله على عباده المؤمنين بها تأمينا للغذاء وتأمينا من الخوف فما من شعب يملكها إلا وقد حاز كل معانى الاستقرار والطمأنينة والسلام النفسى والمجتمعى وما من شعب يحرم منهما إلا وكان ذلك علامة العصيان والعناد من البشر والتخلى والإهمال من الله تبارك وتعالى  وهو ما يعنى استمرار الجوع والخوف ونحن بفضل حكامنا نحيا تحت ظلالهما منذ عشرات السنين !!

وقال أدخلوا مصر إنشاء الله أمنين " يوسف : ٩٩

كانت مصر وقتها فى طاعة يحكمها العدل والعقل والعلم والإخلاص فكانت مأوى للخائف والجائع وذكرها الله تبارك وتعالى بهذا الوصف الذى يحرم منه الآن كل مصرى " ادخلوا مصر إن شاء الله أمنين " ، أمن محاط بالمشيئة ولن نحصل عليه بعيدا عن منهج الله أوقدرته عز وجل ! فلماذا يناور الغافلون ويبتعدون عن هذه الحقائق ! صحيح أنه لابد من نضال وبذل للجهد والمال والنفس أحيانا للحصول على هذه النعم لكن أبدا لن تكون بعيدة عن مشيئة الله ! تلك حقائق يتجاهلها البعض تحت أى مسمى للتغيير بعيدا عن منهج الاسلام الوحيد الذى يستبدل الخوف بكل أشكاله وبمختلف أوضاعه بالأمن داخل النفس وخارجها وهو ما لم يجتمع لبشر بعيدا عن الاسلام فى أى مكان فى هذا العالم المتسع ، تلك ببساطة وعمق الآيات لفظا ومعنى حول قضية الأمن الذى نفتقده فى مصر منذ زمن بل وأضيف اليه الجوع بقدر ما نرتكب من ذنوب ونبتعد عن الله وهى حقيقة ينكرها العلمانيون ويقصروها على فساد وظلم الحكام وجبروتهم لكن تلك نصف الحقيقة ! فكما تكونوا يولى عليكم اليس ذلك واقعا ؟ ! "إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" أليست تلك مسلمة نحياها  ونستشهد بها ؟! فلماذا ينكرها الداعون الى الثورة دون حسن الإعداد لها ؟! أوليس ذلك تهييجا لا أثر له مالم يتغير الإنسان الى الأفضل حتى يستحق نصر الله وتوفيقه ويستمتع بالأمن ؟! ما للقوم الثائرين الذين نسأل الله لهم التوفيق والسداد يعيبون على أصحاب النهج التربوى الذى يعيد الأمة الى ربها عبادة وإخلاصا وعمل صالح وتلك شروط النصر والتمكين لمنهج الأمن الذى يستظل به كل القاطنين تحت مظلة الاسلام بغض النظر عن أجناسهم أو أديانهم . غياب القناعة بهذه المعانى واستسهال المقاومة فى أشكال تعلن الغضب دون أن تؤثر فى الفساد والاستبداد المتحكم فى وطننا .

قد تختلف رؤى المقاومين للظلم والفساد والخوف والاستبداد فى مصر لكن لابد من إجماع وطنى يقر بأن الدين مكون أساسى فى شخصية المصرى لا يمكن تجاهله كما أقرت بذلك كل الدراسات العلمية والتاريخية وأن استحقاق الأمن لابد أن يمر فى ظلال هذه المعانى وإلا ستطول المعركة وسيبقى الطغاة فى أماكنهم يستمتعون بالفرجة على شعب اختلف على أصوله وفقد هويته التى تجلب له وحدها النصر والتمكين وتخلف عن ركب الحضارة بنشر الخرافات بينهم وفتح أبواب الفتن ودعم الإباحية واضطهاد الوطنيين العقلاء والعلماء وإفساد التعليم والتربية على كل المستويات كى يبقى الطغاة فى أماكنهم يجرفون أخلاق وقيم الوطن قبل أن ينهبوا ثرواته ومقدراته !

الخطوة الأولى التى يجب أن تشغل بال المقاومين للظلم والفساد والاستبداد فى مصر من كافة القوى والاتجاهات هى الاتفاق على محددات الإجماع الوطنى الذى لايمكن لمصرى أن يتنازل عنها فى صراعه مع من اغتصبوا حقه والخطوة الثانية هى الاتفاق على الآلية التى توحد الجهود وتجعل للمعارضين قيادة واحدة يجمعون عليها تحتضن كل الأفكار وتحشد كل القوى فى مواجهة هذا النظام الهالك لامحالة ان شاء الله ، يقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا .

إضافة تعليق