جائزة (هبل) العالمية للفاشلين!

بقلم: د. محمد جمال حشمت

 2008-10-14

تُرى من يستحقها في هذا العالم الذي نحياه اليوم بكل تجرد وأمانة؟ من نرشِّحه لها؟ وكيف نُثبت الفشل على المستوى العالمي ليحوز الفائز جائزةً جديدةً أقترحها باسم "جائزة هبل" لا علاقة لها بـ"جائزة نوبل" التي تُمنَح لمن قدم للبشرية عملاً صالحًا مفيدًا؟

ما هي الدولة التي استسلمت للقوى العالمية دون أن تحفظ الحد الأدنى من الحياة الكريمة والكرامة لشعبها؟ حتى عندما بدأ انهيار القوى العظمى، وهي سنة الله في خلقه، لم تلتفت إلى الفرصة التي جاءت لها لتمارس حقَّها في الاستقلال الحقيقي وتبتعد عن ماردٍ يتهاوَى بعنف وقد يؤذي كل من استسلم له؛ بغية الهرب من المصير الذي لحق بالقوى العظمى التي انهارت قبله؟!

ما هي الدولة التي سلَّم الرئيس الأمريكي جورج بوش ابنها العالم أعلى وسام أمريكي للعلوم في حفل أقامه في البيت الأبيض وحضره عدد كبير من العلماء والساسة والدبلوماسيين، وتسلَّم الدكتور السيد الميدالية الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، بالإضافة إلى شيك بقيمة 20 ألف دولار، وحضر معه الحفل أبناؤه الأربعة من زوجته الراحلة، وهم: طارق وآيفن وليلى ودرية.

لم نسمع أن جورج بوش أو حتى وزير الرياضة والشباب هناك- إن كان فيه- احتفل بالبعثة الأوليمبية الأمريكية التي حقَّقت نجاحًا مذهلاً للرياضة الأمريكية وكرمهم! (فلماذا يكثر عندنا تكريم الفنانين والرياضيين رغم الفشل، ولا نرى تكريمًا للعلماء، حتى عيد العلم ألغوه، والأساتذة يقفون "طابورًا"؛ للمطالبة بزيادة الرواتب؛ فمنهم من قبل، ومنهم من يقاتل من أجل حياة كريمة!.

ما هي الدولة التي إذا تحرك فيها الرئيس أو أحد من أسرته وقفت الحياة والحركة في مكان الزيارة قبلها بثلاثة أيام على الأقل؟ ولماذا هذه الزيارات التي لا قيمة لها بالنسبة للمواطن المصري سوى الحصار والمطاردة ووقف الحال والمنع من الحركة والسفر دون أن تضيف له جديدًا في حياته ومتطلباته؟

ما هي الدولة التي زار فيها وزير التعليم إحدى المدارس، لكن سيادته تأخر عن موعد زيارته للمدرسة، "والمديرة نزلت العيال من الفصول عشان يعيدوا الطابور تاني قدَّام سيادته" ومن المرارة والغباء الذي تسبَّب فيه الوزير أنه نصح التلاميذ في كلمة الصباح بأهمية تحقيق المزيد من الجودة والإتقان في العمل؟!

ما هي الدولة التي جاء في الخبر عنها ما يلي: "أجَّرت الجامعة الأمريكية بها قطعةَ أرض بأجود الأماكن؛ مساحتها 500 فدان كان رئيس الوزراء قد خصَّصها لها كمحطة أبحاث لتنمية الصحاري وإجراء التجارب اللازمة بقيمة تقدَّر بجنيه واحد للفدان سنويًّا مع توفير مياه النيل لريِّ أراضيها وتوصيل البنية الأساسية لها من طرق إسفلتية وكهرباء وصرف، الغريب أن الجامعة استثمرت هذه القطعة في مشاريع إنتاج شتلات نباتية وتربية الحيوانات، وهي مشروعات تدرُّ دخلاً بعشرات الملايين من الجنيهات؟!.

أما الشيء المؤسف فإن المناطق الزراعية والفلاحين المحيطين بالمزارع لم يستفيدوا من أبحاث الجامعة، خاصةً في الزراعات الصحراوية والمخصص لها المشروع، والشيء الأكثر إيلامًا أن الدولة تمنح المزارعين من شباب الخريجين وغيرهم- من الذين طُرِدوا من أراضيهم الزراعية- الفدان بعشرة آلاف جنيه، كما تقوم بتأجير أراضيها المملوكة لهيئة الإصلاح الزراعي بقيمة تزيد عن 600 جنيه في العام الواحد، كما قامت هيئة الأوقاف بها بتأجير أراضيها للفلاحين بأسعار تزيد عن ألف جنيه للفدان الواحد، كما تقوم بطرد المزارعين من أراضيها المملوكة لها حتى وإن كانوا دفعوا جزءًا من ثمن هذه الأرض؟!

ما هي الدولة التي آخر الإحصائيات العالمية لمرضى القلب فيها أظهرت أنها تتصدَّر القائمة العالمية، وحقَّقت رقمًا قياسيًّا عالميًّا بدخولها ضمن أكبر عشر دول في العالم في الإصابة بمرض السكر؛ حيث تجاوز عدد المرضى 7 ملايين مواطن، وهو ما يساوي 10% من عدد السكان تقرييًا؟

ما هي الدولة التي حقَّقت رقمًا قياسيًّا جديدًا؛ كسرت به رقمها السابق في عدد المصابين بالتهاب فيروس (C) سبعة ملايين مواطن وفيروس ( B) أربعة ملايين مواطن برقم إجمالي 11 مليون مريض، ومؤخرًا حرمتهم من العمل ومن تأدية الخدمة العسكرية بسبب إصابتهم بالفيروسات؟!

ما هي الدولة التي حقَّقت المركز الأول عالميًّا في الحياة تحت قانون الطوارئ مدةً متصلةً لـ26 عامًا وما زال تحطيم الرقم القياسي قائمًا على يد نفس الحكومة وحزبها للتخريب باسم الوطن؟

ما هي الدولة التي حققت أيضًا سبقًا لا مثيل له في عدد الأحكام القضائية المهدرَة؛ أي التي لا تنفَّذ، لصالح مواطن واحد 50 حكمًا، ومنها أحكام لصالح بعض القضاة وفئات الشعب المحظورة؟!

ما هي الدولة التي يتكلم معظم مسئوليها السابقين بالحق بعد أن يغادروا كراسي السلطة؛ مثال ذلك حديث المفتي السابق بأن تطبيق الشريعة الإسلامية يواجه معارضةً شديدةً، وبصفة خاصة في مصر، مشيرًا إلى أن الشريعة هي الحلُّ الجذري لكل مشاكل الخليقة، وقال: "لو تمَّ تطبيق الشريعة لما وُجِد جائع ولا عاطل ولا لصٌّ، ولأنصف الناس فيما بينهم، ولساد مبدأ العدل والإنصاف"، كما يقول المثل "لو أنصف الناس لاستراح القاضي.. ولأصبح الأخ عن أخيه راضي"؟!

ما هي الدولة الوحيدة في العالم التي تطبق كادرًا ماليًّا على موظفيها؛ انتهت صلاحيته منذ 30 عامًا؛ حيث يحصل أستاذ الجامعة على 25 قرشًا زيادةً في مرتبه بعد خمس سنوات من البحث وحصوله على ترقية للدرجة الأعلى، مع أن السلع الضرورية وغيرها ترتفع عدة مرات في الشهر الواحد دون توقف؟!.

ما هي الدولة التي تعد أول دولة في العالم تنشر آليات ومدرَّعات وجنود الأمن المركزي بأعداد غفيرة في الميادين والشوارع المحيطة بالجامعات والمحاكم والمؤسسات والمصانع والهيئات والأحزاب والمطارات طوال العام؟!

أظن أن الإجابة واضحة عن كل هذه التقارير الرسمية التي تجعل منا مثار سخرية من دول كنا أسبق منها بعشرات السنين بفضل ما حبانا الله به من عقول وقدرات تنموية وخيرات تحت الأرض وفوق الأرض، وثروات طبيعية ومناخ معتدل وشعب مسامح؛ تغلب عليه الطيبة واستسلامه لحكامه!.

ورغم ذلك ساموهم سوء العذاب، وفعلوا فيهم الأفاعيل بدلاً من الاستجابة لوصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بأهل مصر خيرًا؛ فإنهم في رباط إلى يوم القيامة، وإن لهم لنسبًا وصهرًا" أو كما قال الرسول المصطفى.

وبناءً على كل ما تقدم يمكن لنا ترشيح حكامنا ومسئولينا لهذه الجائزة المقترحة لأسوأ أداء وأرذل معاملة للشعب وأفسد سلطة وأعنف مواجهة فقط للشعب والمعارضين (أحزاب المعارضة تمتنع عن التفكير في كونها معارضة من الأصل؛ فهم يرفلون في نعيم ورضا النظام) وأصحاب أفجر خصومة وأشد جشعًا حتى إنه لا يملأ عيونهم إلا التراب!.

تلك هي الجائزة ويبقى علينا أن نجمعهم مستغلين خوفهم وجشعهم لإرسالهم لأقرب محاكمة عادلة حتى ينالوا قيمة الجائزة، وهي لا شك ستختلف حسب مكانة ودور كل منهم، وأحسب أن يومهم قريب (... وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)) (الإسراء).

----------

g.hishmat@gmail.com

إضافة تعليق