د. محمد جمال حشمت : سلّى صيامك بتجربة حية ونداء !!

9/30/2006

حرص الدستور المصري على كفالة حقوق المواطنين من حق إبداء الرأي والاجتماع وتكوين الجمعيات

الأهلية بنصوص صريحة وواضحة , وكانت القوانين المنظمة للعمل الأهلي ما تحمل دائما قصورا في تصور العمل الأهلي ( القانون 32 لسنة1964 ,153 لسنة 1999 ,84 لسنة 2002 ) حتى صححته وأرسته المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر في 3/6/2000 وقد جرت الدساتير المصرية ابتداء من دستور 1923 وانتهاء بالدستور الحالي 1971 المعدل في عام 1980 بنص المادة 55 منه على كفالة الحق تكوين الجمعيات .

وفي ضوء تعريف العمل الأهلي بأنه تمكين الناس من خلال التضامن والتنظيم وتحدي شتى أشكال احتكار السلطة والمعرفة من انتزاع حقهم في تقرير مصيرهم ومن امتلاك القدرة العقلية على ممارسة ذلك الحق, أي أن العمل الأهلي هو ميراث التنظيم الذاتي للناس لممارسة حقهم في إدارة مجتمعهم بأسره سواء على صعيد السياسات العامة للدولة أو على صعيد المجتمع المحلي وهو بهذا المعنى عمل ذو طابع سياسي غير حزبي ,ذو طابع سياسي لأنه يعني بإرادة المجتمع ككل سواء كان ذلك يتعلق بالسياسات الاقتصادية العامة أو السياسات البيئية أو الصحية أو التعليمية أو ما يخص حقوق المرأة أو حقوق الإنسان بصفة عامة , ولكنه غير حزبي لأنه يقوم على الاجتهاد في تنظيم الناس ذاتيا .

لقد ارتفعت أصوات المسئولين في مصر– من باب الوجاهة واستكمال الشكل الديمقراطي – تطالب بتشجيع العمل الأهلي وتحفيزه للمشاركة في أداء دوره في التنمية الشاملة المرجوة لمصر إلا أنه قد وضح خلال السنوات الماضية أن النظام المصري يكيل بمكيالين عند نظرته للعمل الأهلي فتعامل الدولة المصرية مع المنظمات الأهلية يخضع لهوى حكومي ونظرة أمنية تتجاوز الحقوق وتهدر قيمة القانون ,فجمعيات رجال الأعمال على سبيل المثال تعمل بالسياسة جهارا نهارا في خلاف سافر مع قانون الجمعيات الذي تم تفصيله مؤخرا في مجلس الشعب فتلعب في الملايين من الدولارات من الدعم الأجنبي المشروط بدوره بشروط سياسية سافرة وتمارس الضغط على الحكومة صراحة فتعارض قوانين وتطالب بأخرى بل وتشارك في وضح النهار وبمباركة تامة من النظام المصري في سن القوانين ليس أخرها قانون العمل الموحد, وفي المقابل قررت الدولة حرمان أفراد بعينها وقطاع كبير من الشعب المصري من ممارسة حقوقهم وفرضت عليهم –بغير قانون – عزلا سياسيا جعل وجود اسم أحدهم في عضوية جمعية أو مجلس أدارتها كفيل بعدم إشهارها أو إلغائها وعدم التصريح بإشهارها مما يؤكد الطابع الاستبدادي للدولة الذي يضيق بكل ما هو خارج إرادتها وتصورها في التفرد بتقرير الحقوق من عدمها ولعل ما نقدمه في هذه المذكرة يعد مثالا واضحا على هذا التعسف ومصادرة لحقوق مواطنين مصريين يتمتعون بكامل حقوقهم وذلك على خلاف الدستور والقانون .

وقائع هذه الحالة تبدأ بفكرة طرحتها وكنت منفعلا بها على نخبة من المواطنين أصحاب المواهب والمهتمين بقضية اكتشاف الموهوبين في كل المجالات ورعايتهم وصقلهم منهم أستاذ الجامعة والمحامي والصحفي ورجل الأعمال والمحاسب والمعلم رجالا ونساء وبعد عدة لقاءات اتحدت إراداتهم على تكوين جمعية تهتم بهؤلاء الموهوبين دون تمييز بينهم تحت مسمى " الجمعية المصرية لرعاية الموهوبين " تم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية من سحب الأوراق المعتمدة واستيفائها وتقديمها للجهة الإدارية والتي هى – ظاهرا – مديرية الشئون الاجتماعية بمحافظة البحيرة في 25/7/2004 تحت رقم 146 بدفتر قيد السجلات وكان عدد الأعضاء خمسة عشرا عضوا وقبل انتهاء المدة المحددة قانونا لإشهار الجمعية وهى ستون يوما, مارس جهاز مباحث أمن الدولة بالبحيرة ضغوطا شديدة على الأعضاء لإثنائهم عن الاستمرار في إجراءات إشهار الجمعية انتهت هذه الضغوط بتقديم خمسة أعضاء لاستقالتهم بمقر مباحث أمن الدولة بدمنهور وهم :

أ . د محمد محمد إبراهيم موسى أستاذ جامعي بطب بيطري ادفينا

أ . د محمد نبيل الجندي أستاذ جامعي بطب أسنان طنطا

د . جمال الدين ناجي رجل أعمال

الأستاذة . سعاد محمود سعيد تربوية على المعاش

الأستاذة . ليلى محمود المقطف محاسبة

وتمت الموافقة على أثنين فقط ممن شملتهم الضغوط هم :

د . عصام القباني أخصائي أمراض الكلى

أ . عماد الرحماني صحفي

أرسلت مديرية الشئون الاجتماعية خطابا إلى جهاز مباحث أمن الدولة هذا نصه :

السيد اللواء/ مفتش جهاز أمن الدولة بالبحيرة

بناء على تعليمات سيادتكم المبلغة لنا عن طريق مندوب أمن الدولة بشأن استبعاد الأعضاء المؤسسين للجمعية المصرية لرعاية الموهوبين وهم :

1- د . محمد جمال حشمت

2- أ . محمد مصطفى قضيب (المحامي)

3- د . أشرف دواية ( دكتوراه محاسبة بنك فيصل )

4- أ . أحمد عبد السلام المرلي ( موجة بالتربية والتعليم وشاعر )

5- أ . مصطفى أدم على ( تجاري )

6- أ . عصام مصطفى أبو طور ( محامي )

7- د . أحمد كمال عبد الله عقدة ( طبيب أسنان )

8- أ . حمدي محمد على زويل (مدير لجمعية رعاية الطلبة بالمعاش )

نفيد سيادتكم بأنه تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستبعاد المذكورين أعلاه

مدير المديرية

أ . نبيل ناشد

( سلم باليد لمندوب أمن الدولة في 19/9/2004 )

وفي يوم 28/9 وصل للجمعية ( تحت الإشهار ) خطاب من الجهة الإدارية يحمل بصمات الجريمة كان نصه :

( نتشرف بإحاطتكم علما بان النصاب الحالي للمؤسسين للجمعية المصرية لرعاية الموهوبين (تحت الإشهار) أصبح حتى تاريخه عدد اثنين مؤسسين فقط وذلك بعد تنازل واستبعاد 13 ثلاثة عشر مؤسسا من جملة الأعضاء بكشوف المؤسسين والبالغ عددهم 15 خمسة عشر عضو مؤسس وتطبيقا لنص المادة (1) من القانون 84 لسنة2002 بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية بالا يقل عدد مؤسس الجمعية عن عشرة أشخاص مؤسسين لذا نأسف لعدم قيد الجمعية أو إتمام الإجراءات لعدم اكتمال النصاب القانوني ) وكيل الوزارة 27/9/2004

هكذا كان الرد كما تصوروا قانونيا ولم يلتفت من هؤلاء الكارهين للعمل الأهلي التطوعي في مصر إلى عدة أمور :

(أولا) أن الرد كان بعد ستين يوما من تسجيل طلب القيد وطبقا للمادة (6) فإن الجمعية قد أكتسب الشخصية الاعتبارية وصار القيد واقعا بحكم القانون .

(ثانيا) أن المادة(11) ألزمت الجهة الإدارية برفض طلب القيد مسببا بأحد الأسباب المذكورة في المادة (11)ما لم يحدث.

(ثالثا) أنه طبقا للمادة 18 تحت عنوان تأسيس الجمعيات فإذا كان أحد أو بعض المؤسسين من الأشخاص الطبيعية فاقد أو ناقص الأهلية أو غير مؤسس وفقا للقانون المصري أو غير مصرح له بمباشرة النشاط في مصر وجب استبعاده وهو ما لم ينطبق على أي عضو تم استبعاده لذا قد تمت مخاطبة الجهة الإدارية مرة أخرى بخطاب موقع عليه من عشرة أعضاء (8 مستبعدين و2 تمت الموافقة عليهما ) لاثبات إشهار الجمعية وذلك يوم 13/10/2004 وفي نفس اليوم تم استدعاء اثنين أحدهما مستبعد والآخر ممن تمت الموافقة عليه قبل ذلك ومارس جهاز أمن الدولة ضغطا شديدا عليهما حتى تمت كتابة الاستقالات بتواريخ سابقة للخروج من مأزق إشهار الجمعية وكان الخطاب الأخر من الجهات الإدارية المدعومة بسيطرة أمنية هو أنه تم إثبات تاريخ تقديم طلب قيد الجمعية بتاريخ 29/7 وليس 25/7 ليصبح رفض الجمعية في المدة القانونية المحددة وأن عدد المستقيلين صار سبعة أعضاء من المؤسسين ليكون المتبقي 8 أعضاء وهو عدد غير قانوني .

هكذا يتم الحصار والاستبعاد بالقانون كما يدعي منفذو القانون وسيفصل بيننا القضاء طبقا للوثائق والمستندات التي تقر بخلاف هذا وتثبت حق المؤسسين في إشهار جمعيتهم.

إلى هنا نتوقف عن سرد قضية جمعية أهلية أراد أصحابها وهم مصريون لهم كافه الحقوق السياسية المنصوص عليها في الدستور والقانون , ولكن حال بينهم وبين إرادتهم إرادة دولة ونظام يتعامل مع شعبه معاملة القطيع الذي لا حق له فصارت المشروعية إرادة حاكم وليست حقا طبيعيا لكل مصري كما نصت على ذلك كافة الدساتير والمعاهدات الدولية حتى الحزب الحاكم في مصر أصدر وثيقة المواطنة المصرية في أخر مؤتمراته سبتمبر 2004 ومؤتمر 2006 صاحب الإنطلاقة الثانية (حرام كفاية انطلاقات!) وفي نفس الوقت الذي حرم بعض المصريين من ممارسة حقهم كمواطنين والتي تنص على " الحق في تكوين النقابات والجمعيات وهو حق يقوم على أساس كفالة حق كل مواطن بالاشتراك مع آخرين في تكوين النقابات والجمعيات وفي الانضمام إليها دون أي قيد سوى احترام القواعد المنظمة التي ينص عليها القانون وحرية الاشتراك في اجتماعاتها وحق النقابات والجمعيات في ممارسة نشاطها بحرية ودون أي قيد غير المنصوص عليها في القانون "

فبآي حق يتم حرمان مواطنين مصريين من التمتع بحقوقهم لإنشاء جمعية أهلية تقدم لهذا الوطن وأبنائه بعض ما يحتاج أليه وعجزت الحكومات عن تقديمه .

نحن إذن إزاء جهاز دولة بيروقراطي قمعي بحكم طبيعته وتاريخه يقوم على الاستعلاء وإهدار حقوق المواطنين وإعادة إنتاج علاقات القهر في المجتمع مما يعني فقدان استقلالية العمل الأهلي , يؤكد هذا المعنى تلك الدراسة القيمة للأستاذة شهيدة الباز حول ( المنظمات الأهلية العربية على مشارف القرن الواحد والعشرين محددات الواقع و أفاق المستقبل ) بقولها : " رغم أن دساتير الدول العربية نصت على حق تكوين الجمعيات والحق في المشاركة والإجماع السلمي لأهداف مشروعة وذلك اتساق مع المواثيق الدولية إلا أن التعامل مع المنظمات الأهلية عبر التشريعات المنظمة لهذه الحقوق كان متناقضا تماما مع المواثيق الدولية والدساتير المكتوبة فقد اعتبرت هذه التشريعات أن الأصل هو حظر تكوين الجمعيات والاستثناء هو منح هذا الحق بالقيود والإجراءات الصارمة التي يضعها القانون وبالسلطات الواسعة الممنوحة للإدارة فضلا عن تحديد الدولة لمجالات عمل المنظمات الأهلية وهذا معناه أن مبادرات الأفراد محدودة بتصورات الحكومة للأنشطة التي يجب أن تقوم بها الجمعيات " .

ولعل موقف الحكومة من الجمعية المصرية لرعاية الموهوبين يتسق مع توجهها وموقفها من رئيس مجلس إدارة الجمعية ووكيل المؤسسين الذي رفض قانون الجمعيات هذا عند مناقشته تحت القبة عندما كان عضوا بالبرلمان !وذلك لسيطرة الجهات الأمنية على الجهة الإدارية ومنحها حق الرفض والاستبعاد والتلاعب بالقانون انتصارا لاعتبارات أمنية تصطدم مع الدستور والقانون وقد سجل النائب موقفه هذا في مضبطة المجلس وهو ذات النائب الذي أمسك بالحكومة عشرات المرات متلبسة بمخالفة الدستور والقانون وأعاد للدولة ملايين الجنيهات وتسببت أسئلته وطلبات الإحاطة التي تقدم بها إلى استبعاد 7 مسئولين كبار من منا صبهم فتآمرت عليه الدولة وأبطلت عضويته بعد تزوير أصوات أعضاء المجلس ثم زورت الانتخابات في واقعة شهيرة بمدينة دمنهور في 8 يناير 2003 حيث تم منع 146 ألف ناخب من دخول لجان الانتخابات وأسقطت النائب الذي سبب لها حرجا ويبدو أن النظام المصري قد أصدر قرارا سريا بعزله سياسيا وحرمانه من كافه حقوقه فقد تم إدماج اسمه ضمن قوائم الممنوعين من السفر واليوم ضمن قوائم الممنوعين من الاشتراك أو إنشاء جمعيات أهلية ,لقد قتل هذا الإجراء المتعسف روح الانتماء لدى هؤلاء الأعضاء المؤسسين بل كل الشعب المصري فأصيبوا بإحباط ويأس من أي إصلاح يمكنهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية والدستورية لإشهار جمعية أهلية ضمن أكثر من 30 ألف جمعية مشهرة في مصر .

لذا نحن المؤسسين لهذه الجمعية المصرية لرعاية الموهوبين وممثلين لشريحة كبيرة من المهمشين والمحرومين من حقوقهم في مصر تشكو موقف الحكومة المصرية لكل المنابر التي تدافع عن حقوق الإنسان ونطالب بتحقيق في هذه الوقائع والتأكد منها وإصدار توصيات تحدد موقف الحكومة المصرية من إقرار حق المواطنين المصريين في الاستمتاع بكافة حقوقهم الإنسانية المنصوص عليها في الدستور المصري وكافه المواثيق الدولية هذا مع إقرارنا بمقاضاة الحكومة المصرية أمام القضاء المصري لاستخلاص حقنا الذي لن نتنازل عنه مهما كانت التضحيات فلقد تجاوز الأمر مجرد إنها جمعية أهلية بل صار وطنا لا يمنح الحقوق بل تستخلص منه .

والله نسأل أن يحمي بلادنا ممن يسيئوا إليها أرضا وشعبا

الله ولى التوفيق

دكتور محمد جمال حشمت

وكيل مؤسسي الجمعية المصرية لرعاية الموهوبين

"تحت الإشهار"

نائب الشعب وعضو مجلس سابق

أستاذ مساعد بمعهد البحوث الطبية

جامعة الإسكندرية

إضافة تعليق