المسيرى وجارودى ..مسيرة حق وأزمة أمة ! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 4 - 7 - 2007

لم يسأل أحد نفسه – سوى القليل مثل الأستاذ زياد أبو غنيمة- أين رجاء جارودى المسلم الفرنسي الذي يمر ربع قرن يوم الاثنين 2 يوليو 2007م على وصوله للحقيقة المطلقة التي انتهت بإعلان إسلامه بعد رحلة طويلة

"كان الشيوعيون يرون فيه واحدا من رواد الفكر الشيوعي في أوروبا، ومنظرا، وفيلسوفا، ومناضلا ماركسيا ، ولم ينقص من قدره ومركزه في أوساط أصحاب الفكر الشيوعي في أوروبا ، إقدام الحزب الشيوعي الفرنسي ، على طرده من عضوية اللجنة المركزية للحزب في عام 1970م ، عند ما أعلن عن قناعته بأن الاتحاد السوفيتي ليس بلدا اشتراكيا ، وأن الاشتراكية ليس لها وجود حقيقي في أي مكان في العالم ".

" والكنيسة الكاثوليكية ترى فيه ابنا ً بارا ً من أبنائها، ورمزا من رموز انتصاراتها ضد الفكر الشيوعي، فقد جاءت عودة روجيه جارودي إلى الإيمان الكاثوليكي بعد تخليه عن الشيوعية، بمثابة رد اعتبار للكنيسة الكاثوليكية التي أصبح الفكر الشيوعي يزاحمها على عقول الأوروبيين، حتى في عقر دار الزعامة الكاثوليكية إيطاليا، حيث يحظى الحزب الشيوعي بتأييد واسع النطاق " " والصهيونية، لم تكن تضمر لروجيه جارودي شرا ً، فقد كان يكفيها منه أن يقف منها موقف الحياد، لا معها ، ولا عليها !!

" كل تلك المواقف تغيرت وتبدلت بعد يوم 2 يوليو 1982م حين وقف روجيه جارودى يعلن إسلامه،و ينطق بالشهادتين، أمام الدكتور مدحت شيخ الأرض، رئيس المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف، ويعلن أن اسمه أصبح منذ اللحظة رجاء بدل روجيه ، وسرعان ما سرى النبأ في أوروبا وفرنسا سريان النار في الهشيم . لقد أسلم روجيه جارودي ، وانخلع عن كل انتماءاته السابقة ، لينضم َّ إلى قافلة الإسلام ، وسرعان ما انهالت السهام ، والرماح ، على رجاء جارودي من كل حدب وصوب ، بعد أن كانت تنهمر عليه باقات الزهور ، وهدايا التقدير من كل حدب وصوب".

وبدأ جارودى يجهر بكلمة الحق دونما اعتبار لباطل منتفش في أوربا مسيطر على الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والفكرية تقوم فلسفته على تشويه الإسلام حتى لا يجذب إليه أولئك الذين افتقدوا الإيمان ويحيط الخواء الروحي بحياتهم فلا يجعل لها قيمة ولا منها هدف !!

وهكذا يحاط أهل الغرب بالشهوة واللهو دون أن تترك لهم الفرصة كي يكتشفوا أنفسهم أو يرتقوا بروحانيتهم ورغم ذلك سوف يخسرون مصداقا لقوله عز وجل "إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٲلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ‌ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةً۬ ثُمَّ يُغۡلَبُونَ‌ۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ (٣٦) الأنفال.

لقد وقف جارودى بكل عزمه ضد الفكر الصهيوني والمشروع القائم عليه وهنا انقلبت عليه الدنيا وأدرك الجميع أن الرجل يمثل خطورة عليهم فكانت الحرب تماما كما حدث مع الإخوان المسلمين الذين حملوا قضية فلسطين على محمل الجد منذ بداياتها فلفتوا الأنظار إليهم منذ أربعينيات القرن الماضي وتآمر عليهم الجميع منذ قرار الحل الأول على يد النقراشى بأوامر من دول الاستعمار فى فايد حتى اغتيال الإمام حسن البنا بإشراف الملك شخصيا انتهاء بحظر وجود الجماعة لأنه يحقق مصلحة لأعداء الأمة من الصهاينة والحكومات الغربية والأمريكية !!

وهكذا كان الدكتور عبد الوهاب المسيرى ما إن بدا التوجه الإسلامي له حتى وجد نفسه في مواجهة مع الصهيونية فخبرها ودرسها وفضحها فلم يجد ممولا لأعماله ولم يجد موردا لعلاجه !!

هذه مسيرة واحدة ما إن اجتمع الإسلام والعداء للصهيونية إلا وحورب أصحابها حربا كونية يشارك فيها كل من ارتهن لدى أصحاب المشروع الصهيوني وباع نفسه لهم وهم لا يدرون الحقيقة الكونية التي أقرها رب العزة "ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون" صدق الله العظيم

لقد أعلن جارودى بصوت عال كما يذكر الأستاذ زياد:

أن الإسلام هو تاريخ المرحلة القادمة... وهو الأمل الوحيد لمستقبل أفضل للبشرية.

الإسلام وحده هو الذي سيحقق للعالم ما فشلت الحضارة الرأسمالية والحضارة الشيوعية في تحقيقه له من أمن وسعادة حقيقية.

" إسرائيل " تقوم بدور الوكيل للاستعمار الغربي في العام الإسلامي .

الصهيونية تعيش على أحلام توسعية ، ونزعة عنصرية .

الصهيونية تقف وراء حملات التشويه ضد العرب والمسلمين في أوروبا

هنا بدأت الحرب فإذا بالبارون دي روتشيلد ، رئيس مجلس الجالية اليهودية في فرنسا ، يرفع دعوى قضائية ضد رجاء جارودي ، نيابة عن يهود فرنسا ، يتهمه فيها بإحياء " اللاسامية " مستندا إلى بيان نشره جارودي في صحيفة لوموند يحتج فيه على عملية الاجتياح الإسرائيلي للبنان ( بداية الثمانينيات )!!!

استمرت المأساة فى غياب العرب و المسلمين بأموالهم وثرواتهم كما غابت عن المسيرى !! ولم يتمكن رجاء جارودي ، حتى يومنا هذا ، من العثور على دار نشر فرنسية أو أوروبية ، تنشر له كتابه" بين الأسطورة الصهيونية والسياسة الإسرائيلية" أو " ملف الصهيونية " ، وهو كتاب يفضح المخططات الصهيونية مع العلم أن دور النشر الفرنسية والأوروبية كانت تتنافس في نشر كتب جارودي قبل إسلامه !! هنا ندرك أن أعداءنا يجيدون استخدام سلاح المقاطعه والتهديد والوعيد الذى مازال من بنى جلدتنا من يسوق لفشل هذا السلاح ليفت فى عضدنا ويحارب معركة أعدائنا نيابة عنهم !! وفى مقارنة لها معنى ودلالة يذكرنا الأستاذ زياد : عندما أعلن طارق ابن الممثل عمر الشريف من زوجته السابقة فاتن حمامة ، ارتداده عن الإسلام ، واعتناقه اليهودية ، ليتزوج فتاة يهودية ، انطلقت وسائل الإعلام الصهيونية والمتصهينة تنشر الخبر،وتتناقله ، وما زال طارق الشريف موضع حفاوة هذا الإعلام حتى يومنا ،أما إسلام مفكر أوروبي عملاق كروجيه جارودي ، ومن قبله إسلام البروفيسور موريس بوكاي ، شيخ الجراحين وأستاذهم في فرنسا ، فتسكت " شهرزاد " الإعلام العربي عن الكلام !!!!

وأتساءل مع الأستاذ زياد:هل تعجز الأموال العربية عن كسر طوق الحصار الذي تفرضه الصهيونية ضد كتب رجاء جارودي ... ؟ أم أن تلك الأموال حكر على موائد القمار والخنا والدعارة في موناكو ولندن وباريس ولاس فيغاس وفنادق البحر الميت وشارع الهرم .. ؟

وأتساءل بمرارة.. أيضا.. !: هل كلف أحد من سفراء العرب والمسلمين في فرنسا خاطره ، فزار رجاء جارودي في بيته ، شادا على يديه ، وواعدا بالدعم المعنوي على الأقل ، في معركته ضد الصهيونية .؟ أم أنهم لا يستطيعون أن يتصلوا به حتى لا يتهموا بأنهم متعاطفون أو محبون له مثل ما يحدث مع الإخوان المسلمين فى مصر؟ !!

هل فكرت صحافتنا العربية ، وتلفزيوناتنا العربية ، التي أصبح عددها يفوق عدد نكساتنا ونكباتنا ومجازرنا ، أن تستضيف رجاء جارودي في استطلاع ، أو في ندوة تلفزيونية ... مثلما تتراكض لاستضافة راقصة أو مغنية أو فنان مخنث ...

هل فى ذكرى إسلامه وبعد مرور 25 عاما على نضاله وجهاده ضد الظلم والفساد والصهيونية وبعد نسياننا له لفترة طويلة لا يستحق احتفالية تناسب قامته وهو مازال حيا بيننا لا نعرف كيف يحيا أو يعيش ؟ ترى ... لو أن روجيه جارودي ، أعلن يهوديته ، بدلا من أن يعلن إسلامه ، هل كانت الصهيونية تقابله بهذا العقوق ، وبهذه اللامبالاة التي قوبل بهما من العرب والمسلمين .. ؟؟

هل أقول له كما قال الأستاذ زياد يأسا من أن يجد آذانا صاغية وهمما عالية:

يا رجاء جارودي ... إخوانك العرب والمسلمون يقولون لك :

اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا ها هنا قاعدون

أم أقول له : يا رجاء يا جارودى لاتبتئس بما فعل السفهاء منا واصبر فغدا ان شاء الله نحن معا منتصرون " لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجۡعَلَ ٱلۡخَبِيثَ بَعۡضَهُ ۥ عَلَىٰ بَعۡضٍ۬ فَيَرۡڪُمَهُ ۥ جَمِيعً۬ا فَيَجۡعَلَهُ ۥ فِى جَهَنَّمَ‌ۚ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ (٣٧) الأنفال

صدق الله العظيم

المصريون

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق