د. محمد جمال حشمت : الآمال الزائفة فى قضية التنصير !

8/14/2007

هذا موضوع كنت لا أحب أن أتحدث فيه لإيمانى بأن العقيدة تحتاج لتحول قلبى ونفسى وعقلى قبل أن تعتمد على لقمة عيش أو شهوة فرج أو مصلحة دنيوية ، كما كنت أراهن على العقلاء من المسلمين والمسيحيين فى مصر للجم اندفاعات المتطرفين من الجانبين وردود أفعال العوام عند كل منهما وكنت ومازلت أعتقد أن الفتن الطائفية والتى تشتعل فى مصر من وقت لآخر وراءها أياد لا تحب الخير ولا الاستقرار لمصر ولا للمصريين حتى لو كان ضمن هذه الأيادى مصريون ومسئولون بجانب الطرف الخارجى الذى لا شك فيه!! ولكن ما يدفعنى لأن أروى هذه الشهادة التى أحوز تفاصيلها عقب المذبحة التى أقامها الأمن المصرى فى ميدان المهندسين لللا جئين السودانيين فى ديسمبر 2005م هو أحاديث بعض المتطرفين المسيحيين التى تسفه فى الإسلام ورسول الإسلام وكتاب الإسلام دون أن تجد أحدا من العقلاء المسيحيين الذين نقدر أراءهم يقف ضد هذا المنحى الذى يثير الغضب الكامن فى صدور المسلمين والمصريين المقهورين خاصة وأن من عقيدة المسلمين توقير وحب المسيح فلم نسمع من أشد المتطرفين المسلمين من يعيب أو يسخر من السيد المسيح -على رسولنا وعليه أفضل الصلوات والتسليمات – ثم أن مقالات المدعو الأب يوتا وغيره تؤكد أن الذى يقود حملة الإساءة للرسول الكريم هم رجال الدين المسيحيين وليس العامة ! وكل هذا يثير الغضب وعندما تتم مواجهة المسئولين فى الكنيسة يقولون أن التبشير بالمسيحية موجه فقط للوثنيين ! وهو كلام جميل لو أن هناك وثنيين فى مصر !! فى الوقت ذاته لا أتفق مع من يرى محاكاة أسلوب زكريا بطرس هذا الذى تبرأت منه أخيرا الكنيسة المصرية كما أعلن يوما ما، بأن يستعرض بعض العلماء المسلمين الكتاب المقدس لنقضه وتسفيهه على الرأى العام غير المتخصص فى الفضائيات ! وهى موضوعات تحتاج لدارسين متخصصين وعلماء فى إطار بحثى أما إذا ظن البعض بأن هذه الأساليب هى التى تدعم التحول للإسلام أو المسيحية فهو واهم فالإيمان محله القلب ولا تأثير لمثل هذه الأحاديث سوى إثارة شيطان الغضب لدى الجميع.

هنا أروى بعضا من شهادات عدد من اللاجئين السودانيين بعد أحداث المهندسين عندما بدأت لجنة دعم السودان التى أتشرف بتولى مسئوليتها فى اتحاد الأطباء العرب فى دراسة أحوال اللاجئين مع لجنة الإغاثة بالإتحاد لتقديم الدعم الطبى اللازم لهم ، فإذا بنا نجد أنفسنا أمام مأساة تتم على أرض مصروسط صمت مريب من كافة الأجهزة المعنية رغم خطورة ما قيل واسمحوا لى أن أسرد باختصار ماقيل لنا دون تعقيب ودون أن نجزم بأن هذا ما يحدث فعلا أو أن ما قيل هو الحقيقة الكاملة لعل الصورة أسوأ مما قيل !!!

1- دور المفوضية التابعة للأمم المتحدة والخاصة بشئون اللاجئين السودانيين دور مشبوه فهى توحى دائما للاجئين المسلمين بأنهم غير مرغوب فيهم وتوفر فرص السفر لللاجئين المسيحيين حيثما شاءوا !!

2- كل اللاجئين يرسلون الى الكنائس وليس هناك مكان آخر كما أن الشكاوى التى تصل الى المفوضية تحال الى الكنيسة حتى الحالات المرضية يتم التحويل لمؤسسة كريتاس وهى بدورها تحول مرضى اللاجئين الى بعض المستشفيات الإنجيلية مثل مستشفى سنابل والمستشفى الانجيلى وهما متخصصتان فى استقبال حالات الولادة للسودانيات نظرا لختانهن بالطريقة الفرعونية والتى تستلزم دائما تدخلا جراحيا . وعندما طالب البعض المفوضية بالبعد عن الكنيسة لم تلتفت اليهم وتركتهم يبحثون عن مكان آخر لتوزيع مستحقاتهم وهو ما سبب لهم حرجا لعدم وجود مكان يتسع لهذا العدد من اللاجئين ضمن سياسة الأمر الواقع !! وتأكيدا على ذلك الإسلوب فإن صناديق للشكاوى الخاصة بالمفوضية توجد داخل الكنائس يسمح لكل المترديين بتقديم طلباتهم وشكاواهم بعد سماع محاضرتين وكذلك كل المقابلات التى تتم بين اللاجئين والمفوضية تتم عن طريق الكنائس ( وهذا يفسر سر التجمع الذى تم فى ميدان المهندسين لللاجئين السودانيين دون أن تسمح المفوضية لأحد بلقاء مسئوليها حتى وقعت المجزرة) .

3- الكنائس التى تستقبل اللاجئين (أغلبها كاثوليكية وانجيلية) وأغلبها فى المعادى والزمالك والعتبة والسكاكينى والدعم المقدم للمسلمين والمسيحيين بعد المرور بعدة اجراءات منها : تقديم صورة من البطاقة او الباسبور وصورة فوتوغرافية مع مقابلة لقس سودانى جنوبى وفى وجود أعداد كبيرة من السودانيين يبدأ فى توضيح كيف أن أبونا عيسى كان فى الاعتصام وهو الآن فى الكنيسة وتبدا تراتيل شكر يشارك فيها اللاجئون المسلمون كى يسهل أبونا عيسى حل المشاكل ثم تعرض أفلام تبشيرية فى صالات متسعة داخل الكنائس تملى فيها الاستمارات وتمنح فيها بطاقات كنسية لاستلام الدعم العينى بعد الاستماع الى الترانيم وأفلام يسوع ومفاهيم الفداء والجميع فى انتظار البسلة والعدس والفول

هناك دورات فى الكمبيوتر لللاجئين ولها استمارات لدى الكنيسة فى مقابل حضور محاضرات مرتين أسبوعيا بعيدا عن الأمور الفنية وهناك يتم إعداد بعض اللاجئين وترشيحهم ليكون فى محاكمات دارفور التي يعد لها للقيام بالترجمة من لغة الزغاوة الى الإنجليزية !

4- فى مصر أكثر من 11 ألف أسرة من اللاجئين وهم ممنوعون من العمل محرومون من السكن وهو ما تقدمه الكنيسة حيث يختم الباسبور لكل لاجئ "غير مصرح له بالعمل" وهنا تصبح فرصة العمل خدمة المنازل وتظهر بعض أثارها فى الطفل الذى يعمل والده فى سيناء فإذا سئل عنه قال أبى مش فى سيناء ،أبى فى السماء !

5- لجأت الكنيسة أيضا لتوفير الدعم العينى والطبى فى أماكن تواجد اللاجئين مثل الكيلو 4,5 طريق السويس ,الحى العاشر فى مدينة نصر مدينة السادس من اكتوبر وعين شمس والمعادى

6- حوالي 132 ألف أسرة فى مصر ووسطهم زوجة أمريكية لأحد كبارالمفكرين المصريين تقدم الدعم لهذا النشاط التنصيرى...........!!

انتهت شهادات اللاجئين وهم يستغيثون بالاتحاد لمساعدتهم وقد قدمنا ما استطعنا من خدمة ودعم طبى لكل اللاجئين دون تمييز وتحت شعار ومظلة لجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب ولكن التساؤل بعد أن استعرضنا هذه الشهادة و مع هذا الجهد المشكور المشبوه الذى يقدم لللاجئين من بعض الكنائس فى مصر ! لن أقول أين الجمعيات الخيرية الاسلامية والمدنية والحقوقية والتنموية من هذا الذى يحدث على أرض مصر ؟ ولن أقول أين الأزهر الشريف ومؤسساته وأوقافه ودوره الرائد فى الحفاظ على هؤلاء البشر من الناحية الانسانية فقط ؟ بل أين حثه على فعل الخير والاهتمام بهم إذا عجزت إمكاناته عن تقديم الدعم ؟ بل أقول أين الدولة ومؤسساتها التى سمحت لهؤلاء اللاجئين بالدخول ثم تركتهم فى العراء دون اهتمام أو رعاية ، فقط متابعتهم ومراقبتهم حماية للنظام المصرى واستقراره ! ومن سمح للمفوضية أن تكيل بهذا المكيال الطائفى فى أرض الكنانة وما يثيره هذا من غضب أو فى الحد الأدنى من سوء التأويل !! أعتقد أن ما يحدث أمر طبيعى فى دولة انشغل أهلها بأنفسهم أو شغلهم حكامهم بأرزاقهم وتفرغ لمن تفرغ وتجاوز انشغاله بنفسه !

وأخيرا أقول لأخوة الوطن من المسيحيين أن العلاقات التى تربط المسلمين والمسيحين فى مصر على المستوى الاجتماعى قوية ودليل قوتها كل هذا الوقت قى إثارة الفتن بينهما وأذكرهم بما قاله العلماء والحكماء ورددته أمام المهندس يوسف سيدهم وثلة من الشباب الواعد فى جريد وطنى أنه ليس فى مصلحة مصر ولا المسيحيين اختطافهم لمصلحة الكنيسة لأن مشاكلهم هى مشاكل المسلمين الطالب المسلم والمسيحى والمهندس المسلم والمسيحى والصحفى المسلم والمسيحى الطبيب المسلم والمسيحى أستاذ الجامعة المسلم والمسيحى القاضى المسلم والمسيحى العامل والموظف والمعلم والفلاح المسلم والمسيحى كلنا نعانى من هذه الفوضى وهذا النهب المستمر لخيراتنا وهذا الظلم والاستبداد كلنا ضحاياه فهل من العقل أن نفترق فى مواجهة كل هذا ؟ ان حل مشكلة الأقباط فى مصر هى فى الاندماج لا فى الإنعزال الذى تحقق على أيد الكنيسة وكما قال المستشار البشرى " ان تيار العزلة ينمو مع زيادة النفوذ الخارجى، وتيار الاندماج ينمو مع قوة المواجهة الوطنية لهذا النفوذ الخارجى " كما ذكر فى كتابه أيضا ما قاله أحمد عبد اللطيف عن المجالس النيابية وهو كلام مازال صالحا حتى اليوم من " أن خير الأقباط فى اندماجهم فى المسلمين ليشكلوا أمة واحدة وأنه إذا اشتد عصبية الأقباط قل عدد نوابهم فى المجالس النيابية وكلما اندمجوا فى المسلمين زاد عددهم و نسبتهم" لم أكتب ما أكتب رغم طول فترة احتفاظى به فى محاولة لتحريك الجهات المعنية التى ترتعد عندما تتصور أنها ستتصرف فى هذا الملف من الناحية الإنسانية بعيدا عن اشراف الدولة الذى اختزل فى جهات أمنية، ومن أسف أن هذه الجهات الأمنية لا يمكن أن تستشعر حاجة العوز الانسانى لهؤلاء اللاجئين أو ضرورة رفع ايديها عن هذا الملف الحساس وتركه لعقلاء الأمة من الجانيبن ! إلا إذا ظنت هذه الجهات الأمنية أنها العاقل الوحيد فى هذا البلد !! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

د. محمد جمال حشمت

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق