الإخوان ولبن العصفور!! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 21 - 10 - 2006

انزعجت بشدة عندما قرأت خبر وتحليل موقع المصريون وكتّابه المحترمين عن شبهة صفقة الإخوان والحكومة فى قضية التوريث حتى وصلت بعض التعليقات إلى نتائج العمالة و الخيانة وتآمر الإخوان على الشعب المصرى وكأن الإخوان من كوكب آخر كما تحب أن تثبت الحكومة ذلك بكل وسيلة!! والذى استغربت له هو أن يكون مصدر هذا الخبر الدكتور محمد حبيب وهو كما أعلم من أشد المعارضين للتوريث من حيث المبدأ لذا رجعت لحديثه لوكالة رويتر ووجدت أن الكلام قد تحمل أكثر مما يحتمل وتم عرضه بتأويلات كأنها الحقيقة دون تأكيد أو استيضاح من صاحب الشأن ودون ربط التصريحات التى صرحت بها قيادات الجماعة طوال الفترة الماضية فبدا الأمر كمثل(حبيبك يبلعلك الزلط وعدوك يتمنالك الغلط) وقد تجاوز الأمر إلى تأويل الحديث الذى كان مرتبطا بتصريح نشر فى جريدة العربى يصور موقف الإخوان على غير حقيقة ما قيل كأنه موقعة حربية ويجعل التوريث على جثثنا !! وعلى هذا الأساس دار معنى التصريح الثانى الذى أكد أنه ليس فقط الإخوان الممانعين للتوريث بل كل القوى السياسية وبعض الأحزاب والرأى العام الذى يشعر به الإخوان فى الشارع ونوابهم فى مجلس الشعب ولكن عدم الموافقة والممانعة فى حد ذاتها ليست بالقوة التى تجبر النظام على تغيير مساره فى قضية التوريث وهو أمر يعلمه الجميع لذا تنشط الفاعليات فى النقابات ومؤسسات المجتمع المدنى بل وعلى الإنترنت لشرح خطورة هذه النوايا السيئة للنظام على حياة المصريين فى الحاضر والمستقبل !! فلماذا قامت دنيا البعض ولم تقعد عندما ردد الإخوان نفس المعانى !! فإذا تفرد الإخوان بالحركة والنشاط ثارت حفيظة البعض واتهموا الإخوان بالنرجسية وتجاهل باقى القوى واستعراض العضلات ! وإذا أعلن الإخوان أن قضية الإصلاح المنشود فى مصر لا يمكن لأى جماعة أو حزب أو قوى بمفردها أن تتحمل تبعاتها ومسئولية إدارتها وكانت مبادرتهم تؤكد على هذا المعنى بكل وضوح , وجدنا من يتهم الإخوان ببيع القضية والتخاذل فى مواجهة النظام وعدم التضحية من أجل مصر !! رغم أن كل مساجين مصر اليوم من المعارضة الإسلامية سواء كانوا إخوانا أو جماعات إسلامية أو جهادا أو مظاليم متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومازالوا هدفا للنظام الفاسد الظالم المستبد الذى يجثم على قلوب المصريين بغير استئذان ! هل يمكن أن يصدق أحد أن نزول الإخوان فقط دون سند شعبى قوى فى ظل ضعف باقى القوى والأحزاب الرافضة للتوريث يمكن أن ينهى سيطرة دولة العسكر بمجرد النزول وهل بعد إعتقال الآلاف واستشهاد المئات من الإخوان هناك من يضمن ان ينضم الشعب بكل طوائفه لهذه الصحوة التى يبدأها الإخوان ؟!! وإذا علمنا أن الإخوان الذين هم جزء من الشعب المصرى قد تم تأهيلهم وتربيتهم على تقديم الغالى والرخيص فى سبيل الله لتحرير الأوطان واسترداد الحرية والكرامة للشعب كله وهم فى سبيل ذلك يقدمون أنفسهم وأعراضهم وأموالهم حتى اليوم نهبا لهذا النظام الخارج عن إطار الدستور والقانون !! ولعل ما يحدث مع الإخوان والشعب كله فى فلسطين وهم أصحاب الشرعية وحكومة الوطن المنتخبة يؤكد أن الحصار داخلى (الطابور الخامس و الصهاينة) وإقليمى (الدول العربية) ودولى (أمريكا وكل دول العالم) !! وهو ما يحتاج لإعادة دراسة الوضع وممارسة أحكم الطرق وأكثرها نجاحا فى تحقيق الهدف بأقل الخسائر التى لابد منها , ولعل ما أكتبه ليس دفاعا عن الإخوان بقدر ما هو دفاعا عن قناعة أعيش واقعها وأمارسه حيث أن فرصة إتخاذ موقف فردى أو سيطرة قناعة شخصية على قرار الإخوان هو أمر مستحيل إلا إذا تحولت قيادات الإخوان فى أعلى مستوياتها إلى شخصيات لا رأى لها مسلوبة الإرادة وهو ما أجزم بأنه غير موجود بل النقاش والحوارات تتم بجدية وشراسة فى بعض الأحيان للوصول إلى أفضل قرار وأصوبه اجتهادا وهم مأجورون عليه فى كلا الأمرين ! ولعل ما حدث فى انتخابات الرئاسة وهو ما يحلو للبعض الاستشهاد به كدليل على تردد الإخوان وسلبيتهم ومسكهم العصى من النص ما يؤكد صدق ما أقوله وأنا شاهد عليه بل كل الإخوان الذين وقعوا فى دائرة الشورى من العاملين بالجماعة وهو ما تسبب فى تأخير قرار الجماعة حيث تم استطلاع رأى مجالس شورى المحافظات كلها حول خسائر ومكاسب المشاركة أو الامتناع وصعدت الأراء إلى مكتب الإرشاد واستمر النقاش طبقا للنتائج التى أسفر عنها استطلاع الرأى وقتا طويلا حتى وصلوا إلى القرار الذى رفض منح الصوت إلى الرئيس مبارك باعتبار نظامه ظالما ومستبدا وفاسدا دون التصريح فى القرار بالإسم وهو تحصيل حاصل حيث لم يمنح قرار الجماعة التأييد لمرشح بعينه تقديرا لحجم كل مرشح وطبيعة المناخ الذى تم فيه استفتاء مزور على المادة 76 وتسلط رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية الذى استبعد كثيرا من شرفاء القضاة للإشراف على الإنتخابات وهو ما أمكن رصده نظرا لتأخر الإخوان فى إعلان رأيهم النهائى .

تبقى عين الكارهين للجماعة (لله فى لله ) والمتربصين بها والمؤولين لكل حركاتها وسكناتها راصدة كل ما يجرى لنشر رسالة يائسة للمجتمع المصرى بكل فصائله المقاومة أن أقوى ما فيكم خائف وجبان وسيبحث عن مصلحته!! بينما هذا الفصيل يحترق فى لهيب التشويه الحكومى و الحصار الأمنى حتى لنشاط نوابه والمطاردة المجنونة التى صارت قانونا غير مكتوب فى كل مؤسسات الدولة ولو صدق رأى الكارهين لكان من الأولى للنظام أن ينتهج نهجا مخالفا لتوريط الإخوان وتلويثهم بدلا من هذه المواجهات اليائسة التى تؤكد ثباتهم على موقفهم وحرصهم على مصالح الوطن والأمة كما أبنائهم فى فلسطين وفى كل مكان تواجه فيه الشعوب غطرسة الهيمنة الأمريكية الصهيونية , وتلكم ضريبة المقاومة لابد من تحملها تارة من الشركاء وتارة من الأعداء يتحملها الإخوان بكل صبر فهى جزء من البلاء الذى يواجه المصلحون فى كل مكان وزمان وقائدنا فى ذلك وزعيمنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

الموضوع أكبر وأعمق من تناوله فى مقالة أو مقالات تتهم أو تتدافع عن الإخوان بل يحتاج إلى إخلاص ووعى وهمة وحسن تقدير ونكران للذات وغياب هذه المقومات هو ما جعل جبهة المعارضة-حتى هذه اللحظة - ضعيفة لا تجتمع على أمر بل انشق عنها من طمعوا فى ذهب المعز وآخرون خافوا من سيفه , وإلى أن تتوحد جبهة وتتشكل إرادة واحدة فى مواجهة نظام قمعى له إدارة واحدة تستبيح كل الحرمات (وستحاسب على ذلك أمام الشعب والتاريخ قبل حساب الله الأشد والأنكى )!! سيظل أداء هذا النظام هو المسيطر والنافذ بأى ثمن حتى تتوحد المعارضة التى تشكلها النخب لأن تفرقها يجعل التأييد الشعبى المنظم بعيد المنال لكثرة الناعقين بالتغيير وكل منهم يغنى على ليلاه.

أظن ما قاله الدكتور محمد عمارة فى قضية التغيير هو ما يجب استدعاؤه فى نهاية مقالتى المنزعجة والمزعجة للبعض عندما حدد أركان التغيير بثلاث " وعى , وإرادة وإدارة" وأظن أن استيفاء هذه الأركان تحتاج لوقت بجانب المقومات التى سبق ذكرها وأرجو أن يتأكد المتشككون فى موقف الإخوان أن بذلهم لن يتأخر متى يحين الوقت "وقد دفعوا من قبل" !! لكن (صناعة الموت فن) لمن لا يعلم يحتاج بعيدا عن الإنفعال والسباب والتهكم إلى معايشة وموضوعية وحسابات دقيقة لم يدع أحد من الإخوان التفرد بها بل تحتاج لشورى وتكاتف بين كل القوى , فتحريك النخب ومن بعدها الشعب (الذى يعانى من انتشار الفقر والخوف منذ عشرات السنين) ليست مهمة الإخوان وحدهم بل مهمة كل مصرى يملك وعيا بالتغيير وإرادة حقيقية تسعى إليه والله من وراء القصد " فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى الى الله, إن الله بصير بالعباد"

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق