الأمن في القرآن الغائب عن مصر! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 20 - 9 - 2008

اختلطت علينا المعاني والمفاهيم كما اختلطت الأمور والأحوال فما عادت – مثلا - كلمة السلام أو كلمة الأمن تحمل ما تعارفنا عليه من معاني السلم و الأمان والاستقرار والهدوء والطمأنينة والاستمتاع بالحياة الطبيعية دون خوف أو قلق !! بل صارت كلمة السلام تعنى الاستسلام لرغبات العدو والتفريط في حقوق الوطن مقابل البقاء في الحكم ودور الحكام المتآمرين هو تبرير ذلك للشعوب فهمت أم لم تفهم ! وصار الأمن والعاملون عليه يعنى ممارسة التعسف والإهانة والظلم والتعدي على الحقوق وتلفيق التهم والعنف في التعامل ولذلك وجب علينا أن نحرر مصطلح الأمن الذي ننشده جميعا في مصر على مختلف توجهاتنا وأفكارنا، ومن الجدير بالذكر أن جاءت معاني الأمن في القرآن عكس ما نحياه في مصر وبلاد العرب والمسلمين رغم أنهم أصحاب القرآن وجمهوره الأول الذي أنزل على أسلافهم

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: ٥٥)

كانت تلك هي المواعدة التي تتحقق بإذن الله ما امتلك المسلمون في أي زمان ومكان شروطها( إيمان وعمل صالح وعبادة خالصة ) في مقابل استخلاف وتمكين وأمن يطرد الخوف والضعف.

{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}( الأنعام:82)

الإخلاص والبعد عن الشبهات بعد قوة الإيمان هي صفقة الأمن الذي لا ظلم فيه ولا خوف معه.

{ لإيلافِ قُرَيْشٍ (1) إيِلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ والصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4)} (قريش)

تلك هي النعمة التي يمن الله على عباده المؤمنين بها تأمينا للغذاء وتأمينا من الخوف فما من شعب يملكها إلا وقد حاز كل معاني الاستقرار والطمأنينة والسلام النفسي والمجتمعي وما من شعب يحرم منهما إلا وكان ذلك علامة العصيان والعناد من البشر والتخلي والإهمال من الله تبارك وتعالى وهو ما يعنى استمرار الجوع والخوف ونحن بفضل حكامنا نحيا تحت ظلالهما منذ عشرات السنين !!

{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ} (يوسف: ٩٩)

كانت مصر وقتها في طاعة يحكمها العدل والعقل والعلم والإخلاص فكانت مأوى للخائف والجائع وذكرها الله تبارك وتعالى بهذا الوصف الذي يحرم منه الآن كل مصري " ادخلوا مصر إن شاء الله أمنين "، أمن محاط بالمشيئة ولن نحصل عليه بعيدا عن منهج الله أو قدرته عز وجل ! فلماذا يناور الغافلون ويبتعدون عن هذه الحقائق ! صحيح أنه لابد من نضال وبذل للجهد والمال والنفس أحيانا للحصول على هذه النعم لكن أبدا لن تكون بعيدة عن مشيئة الله ! تلك حقائق يتجاهلها البعض تحت أي مسمى للتغيير بعيدا عن منهج الاسلام الوحيد الذي يستبدل الخوف بكل أشكاله وبمختلف أوضاعه بالأمن داخل النفس وخارجها وهو ما لم يجتمع لبشر بعيدا عن الاسلام في أي مكان في هذا العالم المتسع، تلك ببساطة وعمق الآيات لفظا ومعنى حول قضية الأمن الذي نفتقده في مصر منذ زمن بل وأضيف إليه الجوع بقدر ما نرتكب من ذنوب ونبتعد عن الله وهى حقيقة ينكرها العلمانيون ويقصروها على فساد وظلم الحكام وجبروتهم لكن تلك نصف الحقيقة ! فكما تكونوا يولى عليكم أليس ذلك واقعا ؟ ! "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" أليست تلك مسلمة نحياها ونستشهد بها ؟! فلماذا ينكرها الداعون إلى الثورة دون حسن الإعداد لها ؟! أوليس ذلك تهييجا لا أثر له ما لم يتغير الإنسان إلى الأفضل حتى يستحق نصر الله وتوفيقه ويستمتع بالأمن ؟! ما للقوم الثائرين الذين نسأل الله لهم التوفيق والسداد يعيبون على أصحاب النهج التربوي الذي يعيد الأمة إلى ربها عبادة وإخلاصا وعمل صالح وتلك شروط النصر والتمكين لمنهج الأمن الذي يستظل به كل القاطنين تحت مظلة الاسلام بغض النظر عن أجناسهم أو أديانهم. غياب القناعة بهذه المعاني واستسهال المقاومة في أشكال تعلن الغضب دون أن تؤثر في الفساد والاستبداد المتحكم في وطننا

قد تختلف رؤى المقاومين للظلم والفساد والخوف والاستبداد في مصر لكن لابد من إجماع وطني يقر بأن الدين مكون أساسي في شخصية المصري لا يمكن تجاهله كما أقرت بذلك كل الدراسات العلمية والتاريخية وأن استحقاق الأمن لابد أن يمر في ظلال هذه المعاني وإلا ستطول المعركة وسيبقى الطغاة في أماكنهم يستمتعون بالفرجة على شعب اختلف على أصوله وفقد هويته التي تجلب له وحدها النصر والتمكين وتخلف عن ركب الحضارة بنشر الخرافات بينهم وفتح أبواب الفتن ودعم الإباحية واضطهاد الوطنيين العقلاء والعلماء وإفساد التعليم والتربية على كل المستويات كي يبقى الطغاة في أماكنهم يجرفون أخلاق وقيم الوطن قبل أن ينهبوا ثرواته ومقدراته!

الخطوة الأولى أن تشغل بال المقاومين للظلم والفساد والاستبداد في مصر من كافة القوى والاتجاهات الاتفاق على محددات الإجماع الوطني الذي لا يمكن لمصري أن يتنازل عنها في صراعه مع من اغتصبوا حقه والخطوة الثانية هي الاتفاق على الآلية التي توحد الجهود وتجعل للمعارضين قيادة واحدة يجمعون عليها تحتضن كل الأفكار وتحشد كل القوى في مواجهة هذا الوضع السياسي البائس والذي سيختفي ـ لا محالة ـ يوما ما إن شاء الله، يقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا .

g.hishmat@gmail.com

إضافة تعليق