تأملات في اغتيال صدام والتعديل الدستوري ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 6 - 1 - 2007

غضبت وحزنت كما غضب وحزن الأحرار بعدما شاهدنا وسمعنا جريمة إغتيال الرئيس السابق للعراق صدام حسين على أيد عصابات العنف حتى لو عملت فى وزارة الداخلية أو الدفاع وحتى لو كانت طبقا لقانون أو دستور فهذا لن يغير من الحقيقة شيئا!!! اغتالوه بعد إهانة ،أرادوا إذلاله وجعله عبرة فانقلبت عليهم الدائرة وكان سجنه خلوة لمراجعة النفس ورغم العروض التى انهالت عليه بصدق أو بغير ذلك ليستسلم لهم وهو فى قبضتهم إلا أنه رفض بل أكرمه الله وكانت خاتمته بشهادة الحق أمام الدنيا كلها وصار أمره الى الله إن شاء غفر له ورحمه بخواتيم عمله وإن شاء حاسبه على كل مظلمة ارتكبها وانتهت حفلة الإغتيال بفضيحة مدوية لزعماء العصابات التى تتحكم فى العراق وترتكب أبشع المجازر فى ظل صمت الحكام العرب المرضى بحب الدنيا الموعودين بالقرب من زعيم الأبالسة بوش فنجدهم هنا هم الموطئون أكنافا لأسيادهم فى الغرب والشرق!!!

وهو ما يؤكد أن اغتيال صدام كان رسالة للحكام العرب أولا ثم للشعوب ثانيا بمزيد من القهر والإذلال واليأس من أى إصلاح حقيقى يخرج من الهيمنة الأمريكية وتلك هى نقط التقاطع مع ما حدث لصدام وما يحدث فى العالم العربى من استبداد وإذلال للشعوب لا يخدم إلا المشروع الصهيونى الأمريكى وهنا نجد أن المعايير المزدوجة والكذب والتلفيق وادعاء العمل من أجل إصلاح الأوطان هى أدوات مشتركة بين الجميع فى الداخل والخارج ودعونا نلقى نظرة على الداخل وما يحوطه من بؤس واضطراب وإنجاز لايصب فى مصلحة الشعب المصرى بأى حال .

معلوم للكافة أن النظام المصرى الحالى رغم ما يظهره من علامات القوة والردع لمعارضيه دون أن يظهرها لمن يهدد أمن ومصالح الشعب فإنه يشعر باضطراب شديد فى الأداء وانشقاق واضح فى الرؤى وصراع مكتوم على السلطة وهو ما يجعله يرفع العصى دون تمييز أو تبصر فى أى موقع يستشعر فيه بشبهة انتقاص فى هيبته

وقدرته على الحسم الذى غالبا ما يفتقد للعقل والمنطق!!

الحقيقة التى يدركها النظام أنه مأزوم ! وقد جر مصر كلها لتعانى من أزمته وعجزه عن وضع الحلول أو تنفيذها !! ولعل السبب الرئيسى فيما وصل إليه النظام هى انفصاله عن آلام وآمال شعبه وكذلك رغبته الملحة للإستمرار فى الحكم بأى ثمن فى مقابل ضعف تنظيمى فى صفوف المعارضة وانشقاقات بينهم تولى كبرها النظام بالترغيب والترهيب ! فضاع الحق وتعطلت المسيرة الى حين ! ولعل أهم ما نجح فيه الذين يتولون أمر مصر فى هذه الحقبة من الزمان هو الغيبوبة التى أصابت فقراء مصر نتيجة غياب الحد الأدنى من المعيشة الإنسانية والانشغال بهموم حياتية يومية لا تترك فرصة للتفكير فى غير طعام وشراب وستربلا فرص تعليم أو عمل حقيقية ولا حق فى معرفة أو ثقافة أو إعلام يحفظ عليهم وعلى أبنائهم دينهم و أخلاقهم بعد أن فقدوا حقوقهم وحرياتهم !! وأيضا تلك الغيبوبة التى أصابت أغنياء مصر فعزلتهم فى شهواتهم وحصرتهم فى مصالحهم فانفصلوا عن أغلبية الشعب واتسمت العلاقة بين فقراء الوطن وأغنيائه بالحقد والحسد والتربص خاصة مع بزوغ الفكر الجديد فى النظام الذى سمح للأغنياء أن ينالوا السلطة بجانب المال فاستحكمت حلقات الحصار حول رقاب الأغلبية الفقيرة وتقلصت الطبقة الوسطى الذى تمثل عامل الآمان فى أى مجتمع والتى انقسمت إلى ثلاث مجموعات :الأولى تطلعت إلى لعب دورفى مواجهة الفساد والإستبداد شكلت مجموعات الإسلاميين والقوميين وبعض الليبراليين واليساريين وهؤلاء من ينصب عليهم غضب النظام تشويها وعنفا وظلما !

والثانية تلك التى تطمح فى والتواجد فى رواق الحكم حتى لو كانوا خدما ! فقط ينالهم من الحب جانب !! ففرطوا وانفرطوا !

والمجموعة الثالثة تلك التى ظنت أنه من العقل البعد عن بؤر الصراع الذى لايرى له أفق أو نهاية !فالتزموا الصمت أوقات المحن واشتعال الصراع بين النظام ومعارضيه وأحيانا ينحازون لأحد الطرفين فى أوقات الهدوء والاسترخاء !! وبناءا على تلك الرؤية فإن المقاومين الفاعلين ضد استبداد وظلم وفساد النظام المصرى بأجنحته المختلفة هم تقريبا 1/9 الشعب المصرى وهم لم يسلموا من التحريش بهم والتحريض عليهم وانتهاك حرماتهم ومصادرة أموالهم والتفريق بينهم ولعل ما يحدث للإخوان المسلمين وباقى أعضاء الجبهة الوطنية للتغيير من أحزاب وقوى سياسية شاهد على ذلك.

ورغم كل ما يملكه النظام من امكانات دولة سطا عليها واغتصبها إلا أنه ما زال يخطو خطوات نحو المجهول عندما فكر فى تعديلات دستورية كما لو كان يفكر فى إجراءات قمعية ضد خصومه !! خطورة ما طرحه النظام الحاكم من تعديلات دستورية هو أنه يمارس إرهاب دولة ويفرض وصايته على الشعب بموجب ما قدمه وسيمرره من تعديلات ! هذه التعديلات قائمة على قاعدة الخصومة بينه وبين شعبه وقواه الحية المتواجدة فى الشارع السياسى خاصة الإسلاميين فلماذا يفرض الظرف التاريخى الذى نحياه وهو فى طريقه للزوال مهما طال نصوصا دستورية على الشعب المصرى كله تعيق تطوره الطبيعى وتتجاوز حرياته وحقه الطبيعى فى اختيار ممثليه !! إن غياب الشرعية القانونية والشعبية عن النظام الحاكم فى ظل استهتاره بالدستور والقانون وعدم تنفيذ الأحكام القضائية وغياب استقلال القضاء والتزوير المستمر لإرادة الشعب فى كل الإنتخابات التى يجريها ، يجعل من إقدامه على طرح تعديلات لا تمثل إرادة الشعب المصرى إنما تحقق له تفردا بالحكم مع تغييب كافة القوى المنافسة إجراء باطلا !! ولأنه يدرك أن الإخوان أكثر المستفيدين من المناخ الديمقراطى ومناخ الحريات وهم من يقف له بالمرصاد فى الشارع وفى البرلمان ! كان لابد له أن يخرج الاسكتشات الأخيرة من استعراض طلابي هو بكل المقاييس لايفيد الإخوان ولا يخدم قضيتهم التى بذلوا من أجلها الغالى والنفيس !! ولكن كان مقدمة لابد منها لتشويه صورتهم لتبرير وتأكيد صحة ما ذهب إليه من إعدام سياسى للإخوان بالتعديلات الدستورية التى تقدم بها الرئيس مبارك ! ولكى ينجح التمرير حرمهم من وسائل الإعلام التى تخصهم (آفاق عربية والأسرة العربية والنهوض ودور النشر الخاصة بهم ) والقبض على كوادرهم الإعلامية والخطوة القادمة هى مواقع النت التى تنطق باسمهم !! وفى المقابل فقد تم اعتماد حملة إعلامية حكومية لمدة 3 شهور لعمل غسيل مخ للشعب فى محاولة للحصول على رضا المهمشين او القابعين فى غيبوبة الفقر كى تتسم التعديلات بالصفة الشعبية التى افتقدتها عند عرضها بعدما جاءت فى تكتم مريب بصورة سرية انقلابية من لجنة سياسات الحزب الحاكم !! باختصار هذا هو مناخ التعديلات الدستورية أما التفصيلات فتكمن فى الإجابة على تساؤل أقيمت على أساسه بنية هذه التعديلات وهو: من يمارس الإرهاب فى مصر اليوم ؟ ولعل جزء من تقرير أمريكى حول استراتيجية أمريكا فى مكافحة الإرهاب - وهو مرجع معتمد لدى النظام المصرى – يوضح مناخ الإرهاب وأدوات صنعه وبالتدقيق سنجد أنها كلها حكومية بإرادة سياسية رسمية يقول التقرير: ( كبديل للإقصاء: تقدم الديمقراطية آليات تجعل لكل فرد نصيباً من الملكية فى المجتمع وفرصة يستطيع بها أن يشكل مستقبله بنفسه.

وكبديل لبيئة تتوفر فيها الشكاوى من الشعور بالظلم: توفر الديمقراطية حكم القانون والحل السلمى للنزاعات وتغرس عادات تمكن الأفراد من الإرتقاء بالمصالح من خلال تنازلات يقدمها أطراف النزاع. " تذكر وقف الإنتخابات أو تزويرها والإستعانة بالبلطجة فى مواجهة المعارضين وإهدار أحكام القضاء والإعتداء على الحريات وإهانة الدستور واستعراض القوة الدائم"

وكبديل لثقافة نظرية المؤامرة والتضليل المعلوماتى، توفر الديمقراطية حرية التعبير والإعلام المستقل ، كما توفر سوقاً لعرض الأفكار وهو ما يكشف الزيف والتحامل والدعاية غير الآمينة. "تذكر الصحفيين الذين باعوا كرامتهم بثمن بخس لإرضاء النظام، والتضييق الإعلامى على المعارضين وتشويه صورتهم بلا قدرة على الدفاع عن أنفسهم"

وبدلاً من أيديولوجية تبرر القتل، توفر الديمقراطية مناخاً تحترم فيه كرامة الإنسان،ويتصدى للاستهداف المتعمد للمدنيين الأبرياء.

"تذكر سحل المتظاهرين وانتهاك أعراض البنات وضرب القضاة فى الشارع" الديمقراطية تقف فى مقابل الطغيان الإرهابى، وهو ما يجعل الإرهابيين يستنكرونها ويرغبون فى قتل الأبرياء كى يحولوا بين الناس وبين الديمقراطية."

تذكر قتل 14 مواطن مصرى فى الإنتخابات البرلمانية لمنعهم من التصويت وممارسة حقوقهم"

تقوم الديمقراطية على تمكين الشعوب من ممارسة حقوقها، بينما الأيديولوجيات الإرهابية تقوم على الاستبعاد. " تذكر أحوال الشعب"

تمتد الديمقراطيات وتتواصل فى مجال حرية المواطنين ، بينما الإرهاب يسعى لفرض مجموعة من المعتقدات الضيقة.

الديمقراطية ترى الأفراد متساويين فى القيمة والكرامة ولديهم القدرة على الابتكار وعلى أن يحكموا بلادهم بأنفسهم، ويمارسوا حرية التعبير وحرية الفكر، لكن الإرهابيين ينظرون إلى الأفراد على أنهم أِغبياء يمكن إستغلالهم، وبالتالى يمكن التحكم فيها واضطه

وللإنتصار على الإرهاب يتطلب التعامل مع كل عنصر من هذه العناصر السابق ذكرها، والديمقراطية الفعالة توفر آلية لمواجهة كل منها، ومن ثم تحول دون توفر الظروف التى يسعى الإرهابيون إلى استغلالها.) انتهى مع بعض التعليقات التى أوردتها !!

والسؤال هل تغييب القضاة عن اللجان الإنتخابية سيحقق النزاهة ويقيم العدل ويوطد الشرعية التى يفتقدها النظام المصرى اليوم ؟ وهل تحويل قانون الإرهاب إلى دستور للإرهاب سيحقق الأمن والآمان للشعب المصرى الذى يفتقدهما بسبب النظام الحاكم؟ وأخيرا نذكر-دون تفصيل-

مثال لتهافت وغياب الفكر الرصين والمحايد فى التعديلات المقدمة من النظام حيث كانوا دائما يتهمون الإخوان بأنهم يريدون حزبا دينيا والإخوان يقسموا بالله ما أردنا ذلك أبدا !! فالإسلام لايعرف الحكومة الدينية والإخوان مطلبهم واضح حزب مدنى ذو مرجعية إسلامية !! فتفتق ذهن المساكين رغم أن منهم أساتذة قانون –إنما تعمل إيه للخوف والطمع قاتلهما الله !!- أن يوضع نص فى الدستور بعدم السماح بعمل حزب على أساس دينى !! ولم أفهم كيف يتم ذلك فى وجود المادة الثانية من الدستور التى تجعل مرجعية الدولة كلها دينية !! بل أزعم أن ما يطالب به الإخوان هو الشكل الدستورى الوحيد للأحزاب السياسية وبالتالى ما اقترحه الرئيس مبارك الذى قدم رؤية التعديلات مخالف للدستور تماما كالمادة 76 وأى حزب يتم تشكيله لا يعترف بالإسلام دين الدولة ولا بالشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع فقد خالف الدستور والأهم أنه خالف شرع الله فى دولة يسكنها مسلمون متدينون ومسيحيون متدينون لايملكون شريعة يقدمونها سوى الإسلام الذى نعموا فى ظله بكافة حقوق المواطنة بل وفى حمايتهم دون التدخل فيما جاء به دينهم من أحكام فى بعض الأمور الدينية التى تخصهم ، وعلى هذا الأساس أطلب من الإخوان تعديل طلبهم الى انشاء حزب مدنى يحترم المواطنة ذي مرجعية دستورية

والنتيجة الطبيعية التى ستنتج عن نجاح الحزب الوطنى ولجنة سياساته من تمرير هذه التعديلات هى فقدان الدستور لهيبته وقيمته طالما صار مرتعا لكل من شاء أن يصفى خصومته مع معارضيه ووقتها لن يزيد بحال من الأحوال عن الدستور الذى وضع فى العراق وحوكم به صدام بغير حق وفى غياب العدالة وقد كانت هى كفيلة بنفس الحكم ولكن شاء الله له نهاية مشرقة خلدت صموده وفضحت العملاء فى كل مكان

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون وحسبنا الله ونعم الوكيل

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق