شكل ديمقراطى وفعل استعباطى !! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 30 - 5 - 2006

من أعظم المنح التى من الله علينا بها التربية على يد من قدم حياته فى سبيل الله والوطن رخيصة ورغم بساطة هؤلاء المربين إلا أن ما قدموه بطيب خاطر ورضا نفس يجعل من همساتهم وكلماتهم وحركاتهم قيمة ومعنى وهو مالم يكن يحلم به جلادوهم يوم تعمدوا إهانتهم فأكرمهم الله وأصروا على تعذيبهم فصبرهم الله واجتهدوا فى حرمانهم فكفاهم الله, وكفى بالله معينا ونصيرا ووكيلا , ومن أدب ما تربينا عليه فى كنف جماعة الإخوان المسلمين القول " كل قول لاينبنى عليه عمل فهو من التكلف الذى نهينا عنه شرعا" وأخشى أن تكون كلماتى التى اكتبها منذ أكثر من 12 عاما فى الصحف والمجلات مع كل المهتمين بمصر الوطن- خاصة هذه الأيام- مما يقع فى دائرة التكلف حيث يتكرر الحديث ويفتضح الواقع الذى نحياه وتعلو نبرة الهجوم أحيانا وتذكر حقائق أحيانا أخرى ولاصدى لما يقال عند أولئك المتحكمين فى مصر بدون وجه حق بل وتتصاعد موجة العنف الموجه من الدولة ضد شعبها لتحقيق هدف إستمرار التمكين لأولئك الطغاة المفترين ! لكن الواقع يقول إن الوعى اليوم غير أمس وأن الحراك السياسى اليوم مختلف وأن النظام انكشفت سوءاته وشاعت فضائحه وظهر إجرامه فى حق شعبه , ورغم كل ما حدث من إحباط وإحتقان لدى الجماهير التى سرق النظام أصواتها و من إنتفاضة للقضاة مازالت فصولها لم تكتمل إلا أن النظام-حتى اليوم- لم يجد حرجا فى إتخاذ كافة الإجراءات ليحول بين المستقلين والإخوان من مجرد الترشيح لإنتخابات الغرف التجارية وحاصر اللجان ومنع التجار واعتقل المرشحين ومناصريهم .. هو فيه إيه ؟ هل يمكن تخيل نظام بالغباء ده؟!! والسؤال الأهم لماذا الإصرار على إجراء انتخابات ليس من حق الناخبين الترشيح لها أو الإختيار الحر فيها ؟!!! إسمحوا لى مجرد إقتراح –من مختل عقليا - حيث أنها الفئة الوحيدة صاحبة الفعل فى مصر الآن- لماذا لايعلن أنه نظرا للأخطار التى تحيط بمصر مما استلزم معه تمديد حالة الطوارئ لمدة عامين كما استلزم تأجيل إنتخابات المحليات لمدة عامين أيضا وما صاحب ذلك من تفكيك للأحزاب السياسية وصعود لجماعة محظورة !! لماذا لا يعلن وقف كافة أشكال الإنتخابات المخترقة من قبل جماعات معادية لنظام الحكم لنفس المدة بدلا من الملايين التى تنفق فى غير طائل, فقط تسبب إساءة لسمعة مصر وتثير غضب المصريين فى الخارج لما وصل إليه حال وطنهم الذى يتحرج البعض من الإنتساب إليه بعد كل الإنهيارات التى تعرض لها على أيدى حكامه وسارقيه ! لماذا الإصرارعلى شكل ديمقراطى وفعل استعباطى !!

إن هذا المناخ يقتل الفكر والإبداع والإنتماء ويعزل بل ويقتل القادة المبدعين الذين بهم تنطلق الأوطان نحو التقدم لآفاق الحرية والتنمية وهنا تذكرت تحليل لأرنولد توبينى حول التحديات التى تواجه الأمم حيث يرى أن الأفراد المبدعين والقادة الملهمين والفئة ذات الرؤية والتصور-والتى تطرح رؤية للمستقبل وحراك لمواجهة التحديات- هم المعول عليهم فى عملية المواجهة , فإذا إنقادت لهم الأغلبية- سواء عن طريق المشاركة فى المعاناة والخبرة أو عن طريق التقليد والمحاكاة- قادوا هذه المجتمعات إلى التغلب على ما يواجهها من عقبات وهنا يعزو توبينى- الذى انفعل وأعجب بأعمال ابن خلدون وهو صاحب قانون" التحدى والإستجابة" - سقوط الحضارات إلى ثلاث عوامل أرجو أن نمعن فيها النظر فربما نفسر هذا السلوك الشائن لنظام الحكم فى مصر تجاه نفسه وشعبه الذى أطاعه كما لم يطع شعب حاكمه !!!

أولا :ضعف القوة الخلاقة فى الأقلية الموجهة وإنقلابها إلى سلطة تعسفية

ثانيا: تخلى الأكثرية عن محاكاة وموالاة الأقلية

ثالثا :الإنشقاق وضياع وحدة كيان المجتمع .

ويفسر الدكتور جاسم سلطان هذه المقولة بأنه إذا حدث ضعف فى القلة المبدعة التى كانت تقود وفقدت إبداعها فإنها تتحول تلقائيا –وهى فى السلطة- إلى قوة تعسفية. وهذه القوة التعسفية تقوم بمنع المبدعين الآخرين من تقديم إبداعاتهم ,حتى لاتنكشف عوراتها وتحارب الجديد وسنده فى ذلك إنجازات الماضى. والأغلبية عادة لاتنضم إلى القلة المبدعة وهى إما أن تظل فى حيرتها أوتظل على إرتباطها بالقديم ونتيجة هذا الصراع يحدث الانشقاق وضياع وحدة كيان المجتمع , وتبدأ مرحلة يطلق عليها توبينى "زمن الإضطراب" والذى يقود إلى الإنهيار !!!

هنا علينا التأمل فيما يفعله النظام المصرى المتحلل وهو فى طريقه لهدم وحدة كيان المجتمع المصرى فى مقابل بقائه دون إبداع أو أخلاق أو أدنى درجات الذكاء فقط ذكرى الضربة الجوية !! وملاحقة كل الكفاءات المبدعة حتى من أبنائه , مما يستوجب الإستمرار فى المقاومة وكشف خططه وفضح ممارساته التى أفسدت البلاد والعباد وما يستلزمه ذلك من إستمرار فى الكتابة إلى أن يشاء الله ورغم بطء الإستجابة إلا أنه لن يكون من التكلف المنهى عنه بعون الله.


(تحية واجبة)

لكل الشرفاء السجناء فى مصر ظلما وعدوانا المطالبين بالحرية لوطنهم على رأسهم الأساتذة محمد مرسى ورشاد بيومى وعصام العريان وإبراهيم الزعفرانى وإبراهيم الصحارى وعمر عبدالله وعبد العزيز الحسينى وبناتنا وأخواتنا رشا وندا وأسماء

كما هى واجبة للأساتذة وائل الإبراشى وعبد الحكيم الشامى وجمال تاج الدين الذين قدمهم النظام لمحكمة الجنايات بدلا من المزورين وأنا متضامن معهم بكل ما لدى من مستندات تثبت هذا التزوير

كما هى تحية واجبة للأستاذ أيمن نور فى محنته الطبيعية فى ظل مثل هذا النظام الذى يطارد المبدعين بتهم مضحكة رغم أن فلسفة النظام كلها قائمة على التزوير الفعلى والشعب كله شهود عليه

وعلينا ألا نهن أو نحزن طالما كنا فى معية الله

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق